«لعنة الرخصة الرابعة»، هكذا يمكن وصف الرخصة الموحدة للاتصالات أو كما يطلق عليها البعض «الرخصة الرابعة للمحمول»، إذ لم يقترب منها أحد إلا وأصابته لعنتها، وهى الرخصة التى تمنح الشركة المصرية للاتصالات الحق فى تقديم خدمات المحمول للمصريين، بجانب تقديمها لخدمات الهاتف الثابت والإنترنت، وتعطى الحق أيضا لشركات المحمول فى تقديم خدمات الهاتف الثابت والإنترنت فى السوق المصرية، وقد أخذت تلك الرخصة نحو 3 أعوام من الحديث فى تفاصيلها دون أى قرار يتخذ بشأنها. 3 وزراء ورئيس للجهاز القومى لتنظيم الاتصالات ورئيس للشركة المصرية للاتصالات تم تغييرهم، ولم تصدر بعدُ الرخصة الموحدة للاتصالات، وكان ملفها سببا رئيسيا فى رحيل بعضهم عن منصبه، ومنهم المهندس عاطف حلمى وزير الاتصالات السابق، وعمرو بدوى رئيس الجهاز القومى للاتصالات السابق، وكان آخرهم المهندس محمد النواوى الرئيس التنفيذى السابق للشركة المصرية للاتصالات. سوق المحمول فى مصر بدأت منذ عام 1997، وكان المقدم الوحيد لتلك الخدمات هى الشركة المصرية للاتصالات، إلى أن دخلت شركة «كليك» («فودافون» مصر حاليا) فى نفس العام لتنافس على رخصة محمول، ودخلت مزايدة عليها مع شركة «موبينيل» على الترخيص الثانى، وحصلت «فودافون» عليها مقابل 570 مليون دولار. وبعد عام من تشغيل الشبكة، قررت الشركة المصرية للاتصالات بيع رخصتها للمحمول، وكان لديها نحو 80 ألف مشترك، وحصلت عليها «موبينيل» فى عهد رئيس الوزراء وقتها الدكتور كمال الجنزورى، مقابل نفس السعر الذى حصلت به «فودافون» على رخصتها وهو 570 مليون دولار تقريبا، وأصبح لدى السوق المصرية مقدمان لخدمات المحمول، «فودافون» و«موبينيل»، وكان هناك وقتها نظامان للأسعار، أولهما اشتراك شهرى ب300 جنيه وسعر الدقيقة 60 قرشا، والثانى نظام الكروت بسعر الدقيقة 175 قرشا. وخلال 17 عاما مدة ظهور المحمول فى السوق وصل عدد المشتركين فى نهاية الشهر الماضى إلى قرابة 95 مليونا، موزعين على شركات المحمول الثلاث، وذلك مقابل 5.5 مليون مشترك للهاتف الثابت لدى الشركة المصرية للاتصالات، ولا يزال الهاتف الثابت فى تراجع مستمر نتيجة انخفاض أسعار الخدمات الصوتية للمحمول، إلا أن مشتركى الإنترنت المنزلى جعلوا للهاتف الأرضى قيمة، فمن دونه لا تقدم خدمات الADSL. اسم «الرخصة الموحدة للاتصالات» ظهر حينما طالبت الشركة المصرية للاتصالات برخصة لتقديم خدمات المحمول، بسبب انحسار خدمات الهاتف الثابت، وتسعى الشركة لتعظيم إيراداتها من خلال سبل أخرى، لذا رأت الدولة التى تملك نحو 80% من أسهم «المصرية للاتصالات» أن حصول «المصرية» على ترخيص للمحمول أمر ضرورى، ومن هنا بدأت الأزمات فى قطاع الاتصالات بين جميع الأطراف، وزارة الاتصالات وجهاز تنظيم الاتصالات وشركات المحمول والشركة المصرية للاتصالات. البداية كانت مع وزير الاتصالات الأسبق محمد سالم ورئيس مجلس إدارة الشركة المصرية للاتصالات الحالى، إذ أعلن فى مطلع 2012 من بيروت فى أثناء مشاركته فى المنتدى العربى للاتصالات والإنترنت أن وزارة الاتصالات ستطرح مناقصة لإنشاء أول شبكة افتراضية للتليفون المحمول بعد ستة أسابيع، وتم تسميتها بالافتراضية لكونها ستمنح «المصرية للاتصالات» تقديم خدمات المحمول ولكن دون بناء شبكة، بمعنى أدق أنها ستكون موزعا رئيسيا لشركات المحمول الثلاث. الفرصة وقتها لم تسمح لسالم بإصدار أمر نهائى بطرح الرخصة الافتراضية، بعدما أصدر هشام قنديل رئيس الوزراء الأسبق قرارا بتكليف المهندس هانى محمود رئيس مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار سابقا بتولى منصب وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات مطلع أغسطس 2012، خلفا للدكتور محمد سالم. وبتولى هانى محمود للوزارة فى أغسطس 2012، أعلن عن اختيار المهندس محمد النواوى رئيسا تنفيذيا ل«المصرية للاتصالات» بدلا من المهندس محمد عبد الرحيم، وبدأت بعدها مسيرة التأجيلات للرخصة الافتراضية، بعدما أعلن الوزير عن تشكيل لجنة من جهاز تنظيم الاتصالات وخبراء متخصصين لتحديد ملامح سوق الاتصالات فى الفترة المقبلة. اسم «الرخصة الافتراضية» بدأ يتحول إلى «رخصة موحدة»، وهى عبارة عن طرح رخصة شاملة أو موحدة أمام جميع مشغلى الاتصالات، ليحصل كل مشغل على الخدمات التى تنقصه، إذ تحصل شركات المحمول على رخصة لتقديم الهاتف الثابت كما تحصل «المصرية للاتصالات» الرخصة لتقديم المحمول. وفى نهاية 2012 أكد هانى محمود وقتها أن الموعد النهائى لطرح الرخصة سيكون فى فبراير 2013، لكن الوقت لم يسعفه فى ذلك بعدما تقدم باستقالته فى ديسمبر 2012. مرحلة جديدة أكثر تعقيدا ومشكلات توالت خلال فترة تولى المهندس عاطف حلمى منصب وزير الاتصالات بداية من يناير 2013، وحينها بدأت التصريحات تخرج من رئيس الجهاز القومى لتنظيم الاتصالات الدكتور عمرو بدوى، الذى أعلن خلال مؤتمر صحفى أن الحكومة ستطرح رخصة الاتصالات المتكاملة قبل نهاية النصف الأول من 2013. اعتراضات شركات المحمول على منح الشركة المصرية للاتصالات لرخصة محمول كانت منذ أول يوم أعلنت فيه الحكومة نيتها لذلك، مبررة اعتراضاتها بأن الشركة المصرية للاتصالات هى المشغل الوحيد للهاتف الأرضى والمالك الوحيد للبنية التحتية فى السوق المصرية، فكيف لها أن تملك ذلك وتدخل تنافسا فى سوق المحمول؟ معتبرة أن ذلك يتعارض مع قوانين حماية المنافسة. ولكن اعتراض شركات المحمول فى بداية الأمر كان على استحياء، إلى أن شعروا أن الملف بات وشيك الصدور فبدأت الخلافات القديمة والمنظور بعضها أمام التحكيم الدولى تظهر مجددا، وكان على رأسها اتفاقيات جودة الخدمة، واتفاقيات أسعار الترابط، والممارسات غير التنافسية، ورخصة الإنترنت فى المجتمعات العمرانية، وأخيرا اتفاقية الترابط بين الشركة المصرية للاتصالات وشركة «اتصالات» مصر. وتملك الشركة المصرية للاتصالات حصة 45% من «فودافون» مصر، ويعود عليها ربح سنوى يتراوح بين مليار إلى 1.25 مليار جنيه سنويا، ولكن فى العامين الأخيرين حجبت «فودافون» الأرباح عن جميع المساهمين لعدم اتضاح الرؤية فى السوق المصرية، وبسبب الرخصة الموحدة للاتصالات هددت «فودافون» العالمية بإمكانية اللجوء إلى التحكيم الدولى، ثم تراجعت عن هذا التصريح بعد لقاء لرئيس وزراء مصر إبراهيم محلب لمسؤول تنفيذى فى شركة «فودافون» العالمية. شركة «اتصالات» مصر التى تعتبر نفسها أكبر المتضررين من طرح رخصة جديدة للمحمول باعتبار أنها قامت بتسديد 16.7 مليار جنيه فى عام 2007 لحصولها على الرخصة الثالثة للمحمول، أكدت أن منح «المصرية للاتصالات» الحق فى تقديم خدمات المحمول أمر غير عادل ويعطيها مزايا على الشركات التى تستثمر مليارات فى السوق، وتصاعد خلاف «المصرية للاتصالات» إلى أن وصل إلى رئيس الوزراء أيضا وتم مناقشة الأمر من قبل مسؤولين إماراتيين وعلى رأسهم رئيس الشركة الإماراتية المهندس عبد الكريم الجلفاء. التعقيدات فى ملف الرخصة بدأت تتزايد مع اقتراب موعد المؤتمر الاقتصادى المصرى بشرم الشيخ، وبدأت وتيرة الخلافات تتصاعد بين الشركة المصرية للاتصالات ورئيس الجهاز القومى لتنظيم الاتصالات، إلى أن عاد الأمر إلى الهدوء فى الفترة الأخيرة من أيام المهندس عاطف حلمى الذى انشغل بالتركيز على المشروعات المطروحة فى المؤتمر، وتم إهمال ملف الرخصة الموحدة، ولكن حلمى لم يكمل حتى موعد المؤتمر، وأعلن عن تعديل وزارى مصغر ليتولى المهندس خالد نجم وزارة الاتصالات. ووفقا للشكل النهائى المطروح به الرخصة الموحدة قبل رحيل حلمى من الوزارة، تحصل الشركة المصرية للاتصالات على رخصة المحمول مقابل 2.5 مليار جنيه، مع بيع حصتها فى «فودافون» مصر التى تبلغ 45% والتى تدر عليها ربحا يقارب 1.25 مليار جنيه سنويا، كما تمنح شركات المحمول الحصول على رخصة الهاتف الثابت مقابل 100 مليون جنيه لكل شركة، وبحسب التفاصيل المعلنة فسوف يمكن لكل من شركتى «موبينيل» و«فودافون» الحق فى الحصول على رخصة للبوابة الدولية التى تمكنهم من إجراء المكالمات الدولية خارج شبكة «المصرية للاتصالات»، والتى كانت تحصل من خلالها «المصرية للاتصالات» على نحو مليار جنيه سنويا من الشركتين، وتملك «اتصالات» مصر منذ دخولها للسوق المصرية بوابة دولية خاصة بها وفقا لرخصتها فى عام 2007. وبتولى خالد نجم لوزارة الاتصالات برزت المشكلات بين رئيس الشركة المصرية للاتصالات والوزير، لكون الأخير تجاهل تماما الرخصة الموحدة للاتصالات التى ينتظرها المهندس محمد النواوى بفارغ الصبر، وكانت تصريحات الوزير حول الرخصة بأنها محل دراسة ولن يوافق على طرح رخصة جديدة قبل دراسة كل تفاصيلها. من هنا بدأ المهندس محمد النواوى يتحرك على الجانب الإعلامى بشدة، ليؤكد أحقية «المصرية للاتصالات» فى الحصول على رخصة للمحمول ودونها لن تستطيع «المصرية للاتصالات» الاستمرار فى السوق فى ظل وجود نحو 50 ألف موظف تابعين للدولة يجب التفكير فى موارد دخل ثابتة لهم، وأن المحمول سيكون أحد أهم مصادر هذا الدخل. وكان يوم الأربعاء الماضى يوما مشهودا فى قطاع الاتصالات، رأى البعض أنه أمر محتوم وقرار واجب اتخاذه، فى حين أبدى البعض اعتراضهم على الشكل الذى أقال به رئيس الوزراء المهندس إبراهيم محلب المهندس محمد النواوى من الرئاسة التنفيذية ل«المصرية للاتصالات» بتوصية من وزير الاتصالات، ورأى متابعون للقطاع أن إقالة النواوى تعد أكبر دليل على تجميد ملف الرخصة الموحدة للاتصالات وأن النواوى آخر ضحايا الرخصة، إلا إذا كان الوزير لديه نية فى إقالة المهندس هشام العلايلى رئيس جهاز تنظيم الاتصالات والمشرف على ملف الرخصة. وزير الاتصالات المهندس خالد نجم أكد ل«التحرير» أن إقالة النواوى جاءت بناء على عدم إدارته للشركة بالشكل الذى تستهدفه الحكومة فى الوقت الحالى، موضحا أن حصول «المصرية للاتصالات» على رخصة للمحمول هو أمر استراتيجى، لذلك كان تولى المهندس أسامة الشيخ صاحب الخبرة الكبيرة فى مجال المحمول رئيسا تنفيذيا للشركة بهدف تأسيس الشركة للحصول على خدمة المحمول بالشكل الاحترافى، وليس بالشكل الحالى الذى طرحت الرخصة عليه. المهندس هانى محمود وزير الاتصالات الأسبق، أشار إلى أنه لم يكن متأكدا من نجاح «المصرية للاتصالات» فى تقديم خدمات المحمول، خصوصا أنها كانت ستتنازل عن عائدات سنوية تقارب 4 مليارات جنيه من حصتها فى «فودافون» وحصتها فى البوابات الدولية وأحقيتها فى إيجار البنية التحتية للاتصالات، موضحا أنه قبل استقالته من الوزارة كان قد اقترح استدعاء شركة عالمية لدراسة ملف الرخصة الموحدة، ودراسة حال «المصرية للاتصالات» وإمكانية دخولها لسوق المحمول، ولكن تلك الدراسة لم تكتمل، وأصرت الشركة المصرية على تمسكها بالمحمول رغم عدم وجود أى ملامح واضحة لنجاحها فى هذا المجال، خصوصا أنه ليس لديها خبرات، وسط حالة تشبع كبيرة للسوق، ووجود منافسين أقوياء. فى حين أكد عمرو بدوى الرئيس التنفيذى السابق لجهاز تنظيم الاتصالات أن الهدف من طرح الرخصة لم يكن حصول الدولة على مليارات منها بقدر ما كان لتحقيق حالة من تكامل الخدمات التى تقدمها كل شركة، لذا كانت فكرة طرح الرخصة الجديدة للمحمول فى مزايدة أمرا مستبعدا. تجدر الإشارة إلى أن وزير الاتصالات أقال النواوى قبيل انتهاء مدته التى تنقضى فى 11 أغسطس المقبل، بينما رجح بعض المتابعين لقطاع الاتصالات أن المهندس هشام العلايلى رئيس جهاز تنظيم الاتصالات قد يواجه مصير النواوى فى حال لم يضبط سوق المحمول فى ما يخص جودة الخدمات المقدمة للجمهور، والقضاء على عشوائية بيع خطوط المحمول دون بيانات.