هل صعوبة قراءة الموقف المصرى إزاء القضايا الاستراتيجية فى المنطقة هى نتيجة لمدى تعقيده والحنكة السياسية التى تقود تحركات مصر، وتحدد اختياراتها، أم نتيجة لعشوائية القرار وعدم وجود خط استراتيجى واضح والتعامل مع كل ملف على حدة؟ لا يخفى على أحد أن الوضع فى المنطقة متأزم، وهناك ثمة تضاربات وتناقضات تؤثر على فهم خريطة الصراع المتغيرة كل يوم، لكن على عكس الموقف المصرى، فإننا من الممكن فهم الخطوط الاستراتيجية العامة لبعض اللاعبين الأساسيين فى المنطقة، مع ترك مساحة للتخمينات والتوقعات فى ما يخص التفاصيل. فالسعودية تشارك بقوة كلاعب إقليمى من أجل تحجيم النفوذ الإيرانى الذى ربما يؤثر على سيطرتها فى المنطقة، فها هم حلفاء إيران يسيطرون شمالا فى العراق، وينتشرون جنوبا فى اليمن، وموجودون بقوة فى الشام، سواء كان نظامى الأسد أو حزب الله. كما أن فرص إيران للنمو اقتصاديا بعد إتمام تسوية نهائية بشأن ملفها النووى تجعلها منافسا قويا للسعودية، ولذلك فتحركات السعودية استراتيجيا فى المنطقة حتى وإن فشلت أو اختلفنا معها فإنها نتيجة الدفاع عن مصالحها الاقتصادية والسياسية من خلال مواجهة إيران. أما بخصوص دولة مثل قطر فإن وجودها كلاعب ناشط فى المنطقة يأتى نتيجة سعيها لتوسيع قاعدة نفوذها خارج حدودها الضيقة، من أجل مصالح استثمارية لا يمكن الحصول عليها دون قدرة سياسية فاعلة. فكان اختيارها لمساندة الإخوان نتيجة حسابات خاطئة ظنت أنه من خلالها تستطيع الوجود فى الشام ومصر. فشلت خطتها فى هذا الصدد، لكن تبقى استراتيجيتها موجودة وتحدد اختياراتها المستقبلية. أما إذا تطرقنا إلى الموقف التركى فإننا نرى دولة فقدت وجودها فى المنطقة بالشكل الذى تصورته فى 2011 عقب اندلاع الثورات العربية حينها، وهى الآن فى موقف الخصومة مع الطرف المصرى، وكانت على خلاف جذرى مع السعودية فى الشام، حيث إنها كانت تساند أطرافًا مثل جبهة النصرة على عكس السعودية. أما الآن فتحاول تركيا العودة من جديد كلاعب فى المنطقة من خلال مساندة السعودية فى حربها الأخيرة على اليمن. بالنسبة إلى إيران فموقفها واضح، وهو العودة إلى تصدر المشهد كقوة إقليمية، سواء على الصعيد السياسى أو الاقتصادى، فهى تمتلك المفاتيح التى تؤهلها لذلك، سواء من خلال قاعدة حلفائها من التنظيمات غير التابعة للدولة مثل حزب الله أو بسبب وجودها القوى فى العراق، بالإضافة إلى استعدادها لانطلاقة اقتصادية كبرى بعد إتمام التسوية النهائية لملفها النووى من خلال تصديرها المواد البترولية أو فتح أسواقها بشكل عام. كما تمتلك إيران قدرات صناعية وعلمية جيدة، نتيجة لعملها على الملف النووى فى العقود السابقة، ولذلك فتحركاتها فى الحرب الإقليمية تتمحور حول نشر نفوذها وتقييد تحركات دول الخليج الرافضة لإتمام التسوية النهائية ورفع العقوبات. عودة إلى مصر مرة أخرى، أخشى ما أخشاه أن تكون تحركاتنا منحصرة فى فكرة الأمن مقابل الغذاء. فلا شك أن أمن الخليج هو امتداد لأمن مصر القومى، لكن كلمة أمن الخليج هى كلمة مطاطة وتتسع لتصورات متباينة ومتضاربة. فما هو تعريف مصر للأمن الخليجى الآن؟ وما تصورات مصر للمكاسب السياسية والاقتصادية التى ستعود من المشاركة فى مثل هذه الحرب؟