كما تعلمنا يوماً وتأصلت بداخلنا قيمة أن الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية، و بناءً على ذلك كنا نختلف بل وقد نتجادل وربما يحتدم هذا الجدال حول موضوع بعينه، قد يتعارض مع إيمان راسخ بقيمة أو عقيدة ما، لكننا بنهاية الأمر وعندما نفرغ من تلك المناقشات، لا يوجد بداخل أحدنا أية ضغينة تجاه الآخر، بل سرعان ما نعود لنتبادل الحديث وتعلو ضحكاتنا وكأن خلاف لم يحدث منذ قليل. كما كانت هناك حدود قاطعة بين المختلفين بالرأي لا يتعداها أحد منهم، فاحترام الآخر وعدم التطاول عليه كان أهم هذه الحدود، إذ أن هناك جملة شهيرة كانت بمفرداتنا اللغوية إلى زمن ليس ببعيد و هي (مع احترامي ل…… فإني أختلف). أي أن الاحترام والتقدير كان قاسماً مشتركاً بين غالبية المختلفين الذين كانوا يعبرون عن آرائهم دون تجاوز و رغبة بإحراج الآخر و التقليل منه و مما يتبني من وجهات للنظر. وحقاً ما دفعني للخوض بهذا الموضوع، ما يحدث بمجتمعنا من عداءات و تطاولات و تنمرات قد بلغت أدني درجات الإنحطاط الأخلاقي بين المختلفين، هؤلاء الذين صارت خلافاتهم بأي موضوع عداء معلن و قطيعة بغير رجعة ، لما قد يصدر عن طرف تجاه الآخر من سب وقذف وتطاول غير مبرر، خارجاً عن نطاق العقل و المنطق ، و كأن نفوساً قد اكتظت بأدرانها لدرجة الإنفجار دون سبب مقنع. فقد دارت بمصر في الأسابيع القليلة الماضية دائرة من الخلافات والاختلافات بالرأي ما بين مؤيد ومعارض حول فيلم الست الذي يجسد حياة سيدة الغناء العربي أم كلثوم، بشكل قد تخطي حدود التقييم لعمل سينمائي ليصل إلى حد السب و الاتهام بالتآمر. نهاية: أتمني أن نعود إلى إعلاء قيمة أن الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية كما تعلمنا. ونعتد بها كقيمة أخلاقية أصيلة قد توارت تحت موجات التربص و التنمر و الكراهية التي لم نعهدها من قبل ببلادنا ذات الخلق و السماحة ورحابة الصدر.