خلال متابعتي لبرنامج هنا العاصمة للإعلامية لميس الحديدي في حوارها مع د.المعتز بالله عبدالفتاح أستاذ العلوم السياسية فوجئت بها تتحدث عن ضرورة المصالحة بين فئات شعبنا المنقسمة بعيداً عن كل من تلوثت يداه بدماء المصريين حتي تعود للحالة المصرية الاتساق والهدوء والتلاحم. كلام جميل لا يختلف عليه عاقل ولكنه يفجر هموماً ومعاناة استمرت طوال خمس سنوات كان فيها الإعلام الراعي الرسمي لتعزيز الانقسام والبغضاء والكراهية والتخوين. الآن وبعد أن دارت آلة الحرب الإعلامية في كل الاتجاهات يطالبون الناس بضرورة التمسك بالقيم والأخلاقيات. القيم ليست وليدة اللحظة أو مجرد تعليمات ندير بها دفة البشر ولكنها مفاهيم وثوابت استقرت وتعمقت في الضمائر والعقول. في زمن الثورات هدم الإعلام كل الثوابت بممارسته اللامسئولة وساهم بشكل مباشر وواضح وصريح في بث الفُرقة وكانت البداية التي نعاني من توابعها هي تقسيم الشعب إلي 25 يناير و30 يونيه فتعمقت الخلافات واتسعت الهوة والمسافات وبدأ التراشق والتخوين وتجلت مظاهر العنف في أبشع صورها وبدأنا عصر تصفية الحسابات والاغتيالات المعنوية والتجريح والإهانات بالحزاء أو بغيره!! عشنا زمن "تلفيق الاتهامات بالباطل" ودون سند صار إعلامنا يعامل كل من ينصف أو يميل لعصر مبارك وكأنه عميل أو يتخابر مع دولة معادية. إعلام غذي الخصوم وزرع بذور الفتن والعداوة وأشعل الصراعات الأيدولوجية حتي لمن ليس لديهم أي انتماءات. إعلام طوال الوقت يتحدث عن الخلايا النائمة والطابور الخامس وأعداء الدولة وصناع المؤامرات فمن يعارضنا ليس منا حتي نسي الناس المقولة القديمة "الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية" لكن علي أرض الواقع وفي كل المواقف وجدنا أن الخلاف يحق حبال الود ويذبح جسور الثقة والاحترام إعلام ساهم في صنع التشوهات الكثيرة التي أصابت النفوس لدرجة أدخلت البعض في دائرة جهنمية ليسحق ويدمر الاخر فعشنا سنوات تدهور وإخفاق هددت منظومة الأمن المجتمعي والديني والأخلاقي والثقافي ووصلنا إلي حالة معقدة من الانفعالية اللامعقولة وانفصام الشخصية. لقد وصليت الأخطاء إلي حد الجرائم التي تدمر المجتمع في مرحلة فاصلة تستوجب الوعي واليقظة. نسوا أنه في أوقات الخطر والمحن ينبغي وضوح الرسالة والرؤية والتزام الدفة والموضوعية نسوا أن المصداقية والصدق تعد الدافع لأدبيات التعامل مع المنتج الإعلامي. اعترف أن منابرنا الإعلامية كانت أداة لتخريب وتسميم العقول والنيل من الآخرين فكان النتاج والحصاد كراهية وضغينة وحقداً. لقد أصبحت مشكلة الإعلام أكبر من غياب ميثاق الشرف والتشريعات. إعلامنا لم يكن علي قدر المسئولية ولم يكن أداة تعمير وبناء للعقل الإنساني. بعد كل هذه الممارسات هل يستطيع أن يصحح رسالته لتصبح رسالة مسئولة في إطار قيمنا وأخلاقنا لتعيد الحالة المصرية إلي المسار الصحيح؟!