ألقى الرئيس عبد الفتاح السيسي، كلمة تاريخية، اليوم الأربعاء، أمام البرلمان الإثيوبي، أكد فيها أن يد مصر ممدودة لشركائها في دول حوض النيل، مشيرًا إلى أن مصر لم ولن تكون دولة معتدية، ونهر النيل يمثل حياة المصريين. إلى نص كلمة الرئيس السيسي: السيد/ رئيس جمهورية إثيوبيا الفيدرالية الديمقراطية السيد/ رئيس وزراء جمهورية إثيوبيا الفيدرالية الديمقراطية السيد/ رئيس مجلس نواب الشعب الإثيوبي السيد/ رئيس المجلس الفيدرالى الإثيوبي السيدات والسادة أعضاء مجلس نواب الشعب والمجلس الفيدرالى الحضور الكريم.. إنها لحظة تاريخية فارقة تلك التى أقف فيها أمامكم فى بيت الشعب الإثيوبى لأحمل لكم رسالة أخوة صادقة ومحبة خالصة وأيادٍ ممدودة بالخير تنشد التعاون من أجل التقدم والرخاء من أخوتكم فى مصر، الذين تطلعوا معكم لتلك اللحظة، التى تجسد إرادة سياسية متبادلة للحوار والتواصل والتعاون على كافة المستويات ومن خلال مختلف المحافل.. فنحن ومنذ بدء التاريخ ننهل ونرتوى من نهر النيل العظيم، الذى أجراه الخالق ليحمل الحياة والنماء لشعوب حوضه.. إنه النهر الذى باتت مياهه تجرى دماء فى عروق المصريين والإثيوبيين الذين سيظلون دوما أشقاء ولن يسمحوا لأى خلاف بأن يدب بينهم أو أن ينال من قوة الروابط التى تجمعهم، وهو ما يؤكده تواصلى المستمر مع أخى رئيس الوزراء الإثيوبى منذ لقائنا الأول فى مالابو.. وثقتى كاملة فى أنه يتطلع معى إلى توثيق وتفعيل ما بيننا من صلات والبناء عليها فى كل المجالات، وقد تأكدت تلك الثقة عندما سعدت بلقاء الأخ العزيز رئيس مجلس نواب الشعب الإثيوبى فى القاهرة بصحبة نخبة من أعضائه ووفد الدبلوماسية الشعبية. إن تلك الصلات التى تجمع بين بلدينا زادت قوة بانتمائنا معا إلى عائلة واحدة هى قارتنا الأفريقية التى تستضيف أديس أبابا رمز وحدتها، حيث كانت مصر من أشد المتحمسين لأن تكون هذه المدينة مقرا لها.. لقد كان وقوف بلدينا فى طليعة الآباء المؤسسين لمنظمة الوحدة الأفريقية أقوى تعبير عن إدراكهما لارتباط مصير أبناء تلك العائلة الأفريقية وحتمية نضالهم معا من أجل التحرر والاستقلال والوحدة، وأنه لا بديل عن تلبية نداء التعاون حتى يمكن لشعوب أفريقيا مجابهة التحديات التى كانت تواجهها.. واليوم وإن اختلفت طبيعة التحديات لكنها زادت جسامة وتعقيدا على نحو بات يحتم علينا درجة أوثق من التعاون والتضامن ومزيدا من الفهم المشترك للبناء على ما يجمعنا. السيدات والسادة... إننى وباسم تلك الأخوة وهذا المصير المشترك، ومن منطلق مسئوليتنا جميعا إزاء شعوبنا وأجيالنا القادمة أدعوكم اليوم كى نكتب معا صفحة جديدة فى تاريخ العلاقات المصرية الإثيوبية نسطر فيها آمال وطموحات شعبينا، ونتطلع فيها إلى مستقبلنا المنشود.. مستقبل زاخر بالرخاء ومفعم بالأمل، ونستلهم فيها أفضل ما فى تاريخنا من قيم سامية ومواقف مشرقة لن ينساها التاريخ من رحلة السيدة مريم العذراء والسيد المسيح عليهما السلام طلبا للأمان فى بلادنا التى باركها الله فى الإنجيل والقرآن إلى لجوء المسلمين الأوائل لإثيوبيا هربا من الاضطهاد حيث لقوا الحماية والرعاية من أهلها، وصولا إلى كفاحنا ضد الاستعمار وتدخل القوى الطامعة فى بلادنا. أدعوكم أيضا لنأخذ العبرة من الصعاب التى خضناها، ومن العقبات التى اعترضت سبيل علاقاتنا لكى نتخطى سلبيات الماضى التى يجب أن نتفق على أنها لن تضع قيودا على الحاضر، ولن تعيق تطلعاتنا نحو المستقبل.. نعم.. نحن بحاجة إلى بناء جسور الثقة، لكننا نريد أيضا أن نسد فجوات الشك والريبة التى ما كان يجب لها أن تترك لتتمدد أو أن تصبح هوة تفصل فيما بيننا.. وتلك مسئولية مشتركة تقع على عاتق السياسيين والمثقفين والإعلاميين فى بلدينا باعتبارهم قادة الرأى والفكر، وعليهم أن يرتقوا إلى قدر المسئولية الجسيمة التى يحملونها أمام الله وأمام الشعوب.. فمن الواجب علينا معا أن نترك لأجيالنا الجديدة ميراثا أفضل مما آل إلينا. كما نحتاج إلى أن نكتب معا صفحة جديدة فى تاريخ علاقاتنا الثنائية نستفيد فيها من مبادئ العصر الحديث الذى نعيشه وعلى رأسها التعاون وتحقيق المصالح المشتركة والفوائد المتبادلة.. فمن ينشد التقدم فى عالم اليوم يدرك أن عليه تجنب النزاعات غير المجدية، والنأى ببلاده عن الصراعات التى تستنفد الطاقات والموارد الثمينة، والتى يجب توجيهها عوضا عن ذلك إلى التنمية وتحقيق الرخاء من أجل الارتقاء على دروب العلم والمعرفة وامتلاك الأدوات التى تكفل استدامة التقدم والرقى. السيدات والسادة... أدعوكم اليوم لكى نضع معا ركائز مستقبل أفضل لأبنائنا ولأحفادنا.. مستقبل تضاء فيه كل فصول المدارس فى إثيوبيا ويشرب فيه كل أطفال مصر من نهر النيل كعهد آبائهم وأجدادهم.. مستقبل يتسع فيه اقتصاد البلدين ليستوعب قوتهما العاملة بما يضمن العيش الكريم لشعبينا.. ويحقق الإنتاج الوفير لبلدينا.. ولكى يستعيدا مكانتهما بين الأمم بما يتسق مع تاريخهما وقدراتهما.. فلا ينبغى أبدا أن يأمن أحدنا على مستقبله دون الآخر أو أن يبنى رفاهيته على حساب أخيه.. فكما أن لبلدكم الشقيق الحق فى التنمية وفى استغلال موارده لرفع مستوى معيشة أبنائه وكما لا ينبغى أن يشهد القرن الحالى مشاهد الجفاف والمجاعة التى أدمت قلوبنا جميعا وتألمنا لها فى القرن الماضى.. فإن لأخوتكم المصريين أيضا الحق ليس فقط فى التنمية ولكن فى الحياة ذاتها وفى العيش بأمان على ضفاف نهر النيل الذى أسسوا حوله حضارة امتدت منذ آلاف السنين ودون انقطاع. إن هذه الحضارة التى أقامها المصريون أدركت منذ القدم قيمة النهر العظيم فكان يوم وفائه عيدا، وخاطبه المصريون بالشعر والغناء كأنه يسمع ويعى مدى اِرتباطهم به.. إن ذلك التخليد ليس إلا تعبيرا بسيطا عن محورية النيل الذى كان ولا يزال المصدر الوحيد للمياه.. بل وللحياة لما يقرب من 90 مليون مصرى يعيشون على جانبيه ويتعلقون به وتقوم حياتهم فى الوادى الضيق الذى يشقه وسط صحراء شديدة الجفاف تمثل نحو 95% من مساحة مصر. كما أن نشأة الدولة المصرية ذاتها ارتبطت بدورها الرئيسى فى تنظيم الحياة حول نهر النيل وفى إدارة حقوق المواطنين فى الاستفادة من مياهه.. وقد امتد هذا الدور على مدى العصور التالية تأكيدا للارتباط الوثيق بين مصر وبين نهر النيل، فقامت الحضارة المصرية وأبدعت فى مختلف مجالات الحياة لتسهم فى إثراء التراث البشرى.. واليوم وبرغم زيادة السكان بمعدلات كبيرة وتعاظم الاحتياجات وتوسعها لتحقيق متطلبات التنمية الشاملة لم تشهد موارد مصر من المياه أية زيادة تتناسب مع كل هذه الاستخدامات الأساسية.. وإننا بإذن الله عازمون على أن تعود مصر لمكانتها وعلى أن تزداد حضارتها تألقا، على أن يكون التعاون والمشاركة وسيلتنا لتحقيق النماء والازدهار والرخاء لنا فى مصر ولأشقائنا فى إثيوبيا وفى حوض النيل بأكمله، ولاسيما فى ظل ما لدى دول الحوض من الموارد ومن الإمكانيات البشرية، وذلك فى إطار سياسة الانفتاح على أفريقيا التى تحرص عليها مصر الجديدة، التى لا تكتفى بالأقوال بل تتخذ من الأفعال سبيلا لتعزيز علاقاتها العضوية مع قارتها الأم ودولها الشقيقة. السيدات والسادة... إن لدينا اليوم الفرصة السانحة لنصوغ معا رؤيةً طموحة للمستقبل حتى يسجل التاريخ أننا كنا على قدر المسئولية التى تحملناها، وأننا سعينا دون تقصير لضمان حقوق شعوبنا الأساسية بما فى ذلك الحق فى حياة كريمة خالية من الجوع والعطش ومن الظلام والفقر للوفاء بالوعود التى قطعناها على أنفسنا لأبناء الوطن نحو مزيد من التنمية، والتى نثق أنها سوف تمتد حتما لتعم دول المنطقة وقارتنا بأكملها.. لنقدم مثالا يحتذى به للتعاون والعمل المشترك والمثمر، ولدينا اليوم هذه الفرصة من خلال إنفاذ الإرادة السياسية التى أنجزت اتفاق المبادئ الذى وقعنا عليه فى الخرطوم مؤخرا، وذلك باِستكمال الإجراءات الدستورية فى دولنا حتى يدخل حيز النفاذ دون إبطاء أو تأجيل.. فالعبرة ليست بالكلمات والشعارات ولا بتوقيع الوثائق والاتفاقيات، وإنما بتنفيذها بصدق وإخلاص. ولسوف تذكر الأجيال القادمة أننا اخترنا فى لحظات حاسمة أن ننحاز إلى مستقبل أفضل وألا نبقى أسرى للماضى،