لم ينجح الرئيس السيسى، حتى الآن، فى إصلاح أحد أهم أخطاء التركة الكارثية التى قامت الثورة ضدها، وهو الخاص بتورط عدد من كبار وصغار المسؤولين فى بعض أجهزة الدولة، التى يُفتَرَض فيها الحيدة، إلى أن يعملوا ضد الهدف من إنشاء هذه الأجهزة بأن يجعلوها وقد انحازت إلى صفّ الحاكم ضد المعارضين السلميين لسياساته وقراراته، بل إلى التعامل معهم وكأنهم من أعداء الوطن! وهى واحدة من أهم أسباب زرع الفتنة بين الشعب والأجهزة الممولة من المال العام، وفيه الضرائب التى يدفعها المواطنون، من أجل أن تقوم هذه الأجهزة بخدمتهم والسهر على راحتهم لا أن تكون خنجرا فى يد الحاكم يطعنهم به إذا أراد! بل تصل خطورة هذه الأجهزة أحيانا، فى إطار الانحراف عن مهامها التى يحددها القانون، إلى أن تبادر طواعية، ودون تعليمات، بأعمال قد تتسبب فى وقيعة بين الحاكم وقطاعات من شعبه، وقد تتسع دائرة المضارين، وقد يناصبون الحاكم العداء لأخطاء لم يقترفها! وهذا ما يجعل الحاكم، الملتزم بالدستور والقانون، صاحبَ مصلحة، مثله مثل المعارضة، فى علاج جذور هذا الانحراف ومعاقبة المنحرفين! ولكن، وللأسف، فإنه لا يزال هناك، حتى بعد أربع سنوات من ثورة انفجرت لهذ السبب، بعضُ المسؤولين فى بعض الأجهزة الأمنية يكيدون بالباطل ضد بعض المعارضين! بل لقد تخلصوا سريعا من الموقف الحَرِج الذى كانوا فيه بعد الثورة مباشرة، وارتدّوا إلى ما كانوا يلتزمون به فى أسوأ أيام مبارك! بل تطرفوا بالمزيد مع إحساسهم بأن الثورة قامت ضدهم، وأنهم قد تعرضوا بسببها لفقدان بعض مكانتهم ومميزاتهم التى كانوا يتحصلون عليها مكافأة من نظام مبارك على تجاوزاتهم! وقد جاءت بعض الأحكام القضائية مؤخرا لتثبت براءة عدد من المعارضين من تهم لو صَحَّت لوجب تغليظ العقوبة عليهم، مثل الاتهام بالاستيلاء على سلاح ميرى من أحد أفراد أجهزة الأمن أو سرقة جهاز لاسلكى من فرد آخر، وقد أسقطت المحكمة مثل هذه التهم إما لوضوح التلفيق فيها أو لعدم وجود أدلة ثبوتية! واضح أن بداية مسار هذه الدعاوى التى أبطلتها المحكمة كانت من محاضر سابقة التجهيز حررها بعض رجال الأمن، ثم تحركت إلى ساحة القضاء، وكان يمكن أن تُدخل الغشَّ على قضاة آخرين غير من تمعَّنوا فى التفاصيل الدقيقة وقضوا بالبراءة. وفى كل الأحوال، وخاصة فى أحكام الإدانة فى تهم أخرى، فإن الأمر ليس كما يُصرّ البعضُ على اعتباره موقفا من القضاة ضد من ينتمون إلى الثورة، لأن القاضى مُجبَرٌ على تطبيق القانون لا أن يُشرِّع القوانين. كان بطلان هذه التهم جديرا، مباشرة بعد النطق بالحكم، أن يوليه الرئيس السيسى شخصيا أكبر اهتمام، ومعه كبار معاونيه، وكان ينبغى إجراء تحقيقات جادة للتوصل إلى المسؤول عن هذه الأخطاء الجسيمة، وإنزال العقاب القانونى به، مع ضرورة ممارسة أكبر قدر من الشفافية بإشراك الرأى العام فى كل التفاصيل ومعرفته بالنتائج. هل هنالك ما يضير أى نظام حكم منتخب فى انتخابات حرة ديمقراطية، متمسك بالدستور والقانون، تؤيده أغلبية المواطنين، أن يعلن على هؤلاء المواطنين أنه أنزل عقابا بأحد العاملين فى الدولة، مهما علت رتبته ومكانته ونفوذه، بعد اكتشاف أنه أخطأ فى ممارسته للسلطة التى تخولها له وظيفته؟ الأمر على درجة عالية من الأهمية، لأنه وقعت مفارَقة كبيرة عندما صدر حُكمٌ بتبرئة مبارك، ثم تلاه بأيام أحكام بالحبس على عدد من شباب الثورة! وكان يجدر بالرئيس السيسى أن يسعى إلى علاج وقع المفارَقة بالتعامل مع الجانب الذى يمكنه أن يتعامل فيه، حتى إذا لم يكن هو المتسبب فى إحداث المفارَقة. هذا من بنود التناول السياسى فى التعامل مع القضايا العامة، ودون ذلك نتائج سلبية لا يمنعها إخلاء المسؤولية عن السلطة الحاكمة. يُضاف خطأ كارثى آخر، فى التعنت الشديد من بعض الأجهزة ضد بعض المعارضين، وهو ما لم يعد يخفى على عين البسطاء، بإعمال نصوص القوانين بلا أى قدر من المواءمات، حتى إذا كان قانونا مشهورا بالرفض، مثلما يحدث فى تطبيق النصوص الجائرة فى قانون التظاهر، وهو القانون الذى تَحفَّظ عليه بشدة كل الأطراف، من المجلس القومى لحقوق الإنسان إلى القوى والتيارات السياسية المعتبرة، كما أنه لم يحظ بأى تأييد شعبى، بل إن بعض المشاركين فى الحكم أعربوا عن رفضهم له وطالبوا بتعديله! فإذا ببعض الأجهزة تجتهد فى القبض على المتظاهرين بشكل سلمى من اتجاهات سياسية بعينها وتُحرِّك الدعاوى القضائية ضدهم، ولا تطمئن حتى تصدر الأحكام القاسية عليهم، وكل جريمتهم أنهم لم يتبعوا المسائل الإجرائية مثل عدم الحصول على تصريح بالتظاهر! المؤكد أن تعمدهم التظاهر دون تصريح خطأ يستحق المجازاة، ولكن المؤكد، أيضا، أن العقوبة مبالغ فيها! خاصة أن نفس القانون يكاد أن يكون مجمدا فى الكثير من تظاهرات جماعة الإخوان، برغم أنهم أشد أعداء الثورة دون جدال، كما أن استخدامهم للسلاح فى تظاهراتهم يترتب عليه فى معظم الحالات أخطار حقيقية، وعدوانهم السافر على المنشآت العامة وتخريبها وإحراقها، إضافة إلى المخاطر التى يتعرض لها المارة..إلخ أن كثرة وخطورة المعارك المفروضة على مصر، وخطط الأعداء لضرب حصار على مجال الحركة، واحتضانهم للإرهابيين على الحدود، كل هذا هو أدعى للعمل على توطيد العلاقة بين أجهزة الدولة وكل فئات المواطنين، بل إن هذا الهدف يحتل الأولية عن الخطوات الناجحة التى يتخذها الرئيس السيسى فى اختراق الحصار الخارجى الذى تحاول أن تفرضه أمريكا، والذى تتحدى به اختيار الشعب منذ قرر أن يطيح بحكم الإخوان. روح الثورة مع حق التظاهر مهما بلغ الشطط فى شعارات المتظاهرين، شريطة أو يلتزموا بالسلمية، وكان المتوقع أن يحترم قانون التظاهر هذا الحق وأن يضع له الإجراءات واجبة الاتباع، وليس القيود المانعة للحق، وذلك حتى لا تحس فئة بالاضطهاد إذا أرادت أن تعلن رأيها، وحتى يكون نجاح الدولة فى التواصل مع مواطنيها هو القاعدة الراسخة التى تعتمد عليها فى السعى لكسر الحصار الخارجى.