عزيزى القارئ.. ما رأيك أن نواصل اليوم (أنا وإياك) الهروب إلى بساتين الإبداع والأدب؟ سأفترض أنك وافقت.. بَيْد أن مُوجبات الاستقامة وأصول الأخلاق الحميدة تفرض على العبد لله مصارحتك بأن حكاية الأدب التى انتخبتها لحضرتك هذا الصباح ستبدو لك مستوحاة مما يدور حولنا ونكابده هذه الأيام فى المحيطين الإقليمى والدولى، وأقصد تلك المواقف المزرية المؤذية التى تتخذها قوى دولية (الولاياتالمتحدة بالذات) وقوى و صراصير إقليمية (من نوع حكام قطر) من عصابات القتل والتخريب والطائفية التى تعافر حاليا لتقويض مجتمعاتنا ودولنا، بل والحضارة الإنسانية كلها، إذ يبدو المشهد الراهن فجًّا مفضوحًا ومخجِلاً، حيث يجمع التهور الإجرامى هذه القوى والصراصير بعصابات السفاحين معًا فى حلف شيطانى فائق الخطورة ومتفوق فى المسخرة واللا معقول كذلك، حتى إنك أحيانا لا تستطيع أن تمنع نفسك من الضحك، لكنه الضحك الأمرّ من البكاء!! والبكاء الموجود فى الحكاية التى ستقرؤها حالا هو بكاء ندم لا يفيد ولا ينفع عندما يأتى وقت الحساب ويحل دفع ثمن التحالف مع الشيطان. ففى واحدة من أشهر حكايات الأدب الغربى الحديث والمعاصر، فإن طبيبًا (أو مشعوذًا) يُدعى فاوست أبرم عقدا مع الشيطان مفيستو فاليس بمقتضاه قايض الأول وباع روحه للثانى مقابل أن يمنحه قدرات خارقة للطبيعة تمكِّن هذا المشعوذ من تحقيق أطماعه وإشباع ملذاته. هذه القصة التى صارت فكرة محورية عالجتها وتناولتها مئات الأعمال الإبداعية فى الغرب وعبرت الحدود بين أنواع وأجناس الفنون المختلفة من الرواية والمسرحية والشعر إلى الموسيقى والأوبرا، يقال إن لها أصلاً تاريخيًّا حقيقيًّا تجسِّده سيرة شخص أفّاق عاش قبل قرون فى إحدى المقاطعات الألمانية، لكن الحكاية تأسطرت (أصبحت أسطورة) بمرور الزمن وحوَّرتها وتناقلتها الروايات الشعبية قبل أن يستلهم منها مبدعون وفنانون كبار أعمالا حلَّق بعضها فى أعلى سماوات الروعة، مثل مسرحية فاوست التى تعد أجمل وأشهر أعمال الشاعر الألمانى الأكبر يوهان فولفجانج جوته.. فإلى ملخص مكثَّف (ومُخلّ تماما) لقصة الحِلف مع الشيطان كما رسمها جوته شعرًا فى مسرحيته: يبدأ خط الدراما فى المسرحية صعوده عندما يكون الدكتور فاوست فى معمله يحاول الخلاص من حياته بالانتحار بعدما بلغ قمة القنوط واليأس، غير أن الشيطان يدركه قبل أن يتناول السم ويموت ويعرض عليه المساعدة فى إنهاء كل الهموم وتزويده بما يريد من قوة وقدرة وشباب مقابل أن يتنازل له عن روحه، وإذ يقبل فاوست عرض مفيستو ويوقّع على بنود عقد الاتفاق بنقطة من دمه، يشرع الشيطان فى تنفيذ الغوايات التى أوقعه بها فيخلّصه على الفور من مظاهر الشيخوخة ويرده شابًّا فتيًّا وسيمًا. يغترّ الدكتور فاوست بشبابه وفتوته الشيطانية ويندفع فى طريق الملذات إلى أن تقع فى طريقه ذات يوم فتاة بتول طاهرة تُدعى مارجريت، فيعرض عليها أن تبادله العشق والحب لكنها تأبى وتبدى نفورا منه، فيستعين بشيطانه مفيستو الذى يبدى له فى البداية تمنُّعه عن أداء هذه الخدمة متعللا بطُهر الفتاة وورعها، غير أن فاوست يهدده بفسخ العقد فيقوم الشيطان بكل ما يلزم لإغواء الفتاة، وينجح كيده بعدما أوعز إلى حليفه المغرم بأن يرسل إلى معشوقته صندوقا مملوءا بحلىٍّ وجواهر جعلها تلين فعلا، بَيْد أن أمّها تشم فى الهدية الثمينة رائحة الحرام وتستدعى قسيسا من الكنيسة يؤكد هذا المعنى ويقرر أن يصادر الصندوق لصالح الكنيسة، قائلا: بإمكان الكنيسة وحدها أن تهضم الحرام !!يحاول مفيستو من جديد إنجاز المهمة واستمالة مارجريت ويضطر إلى اللجوء إلى الساحرة الشريرة جارة الفتاة، التى تنجح فى الجمع بين فاوست ومحبوبته ويتبادلان الاعتراف بالعشق، وتصل الغواية والإثارة بمارجريت إلى حد أن تدس لأمها عقارا منوما لكى يخلو لها الجو ويدخل العشيق إلى مخدعها إذ يقع المحظور وتحمل منه سفاحا. يتسرب خبر ما جرى للفتاة العذراء إلى مسامع شقيقها فالنتين الذى يندفع للثأر من فاوست داعيا إياه لمبارزة بالسيف، هنا يتدخل الشيطان لصالح حليفه فيشلّ يد الشاب، مما يمكن فاوست من هزيمة غريمه وقتله.. وتتحول حياة مارجريت إلى جحيم، فأمها ماتت بسبب جرعة العقار المنوّم الذى دسّته لها، كما أن أخاها مات على يد عشيقها، وقد اضطرت إلى قتل وليدها الذى حملت به سفاحا.. أما فاوست فقد صار هو الآخر أتعس كائنات الدنيا وهو الذى كان يظن أن حلفه مع الشيطان سيمكّنه من سعادة أبدية.