نماذج امتحانات الصف الخامس الابتدائي pdf الترم الثاني جميع المواد التعليمية (صور)    يبدأ التسجيل اليوم.. المستندات المطلوبة للتقديم بوظيفة معلم رياضيات بالأزهر    نائب رئيس جامعة دمنهور تفتتح معرض منتجات الطلاب ضمن مبادرة «إنتاجك إبداعك»    أسعار الخضروات والأسماك والدواجن اليوم 15 مايو بسوق العبور للجملة    هبوط كبير في أسعار الذهب الفورية اليوم الخميس.. أدنى مستوى منذ 30 يومًا    لأول مرة، جيتور تستعد لإطلاق X70 Plus المجمعة محليا بالسوق المصري    استشهاد 27 فلسطينيا بقصف إسرائيلي على خانيوس وارتفاع عدد الضحايا خلال 24 ساعة إلى أكثر من 110 شهداء    100 شهيد في 24 ساعة.. حصيلة ضحايا القصف الإسرائيلي على خان يونس    إيران تُحدد شروطها للاتفاق النووي مع أمريكا.. ما هي؟    قناة مفتوحة نتقل مباراة مصر والمغرب في نصف نهائي كأس أمم إفريقيا للشباب اليوم    لايف.. تليفزيون "اليوم السابع" يكشف حقيقة فيديو حريق كورنيش مصر القديمة    السيطرة على حريق كورنيش النيل بالملك الصالح    مصر.. أمة السينما العربية الناجحة، سميح ساويرس وعمرو منسي في ندوة بمهرجان كان السينمائي    أمين الفتوى: لا يجوز صلاة المرأة خلف إمام المسجد وهي في منزلها    مصر تتصدر منافسات ثالث أيام بطولة إفريقيا للمضمار.. برصيد 30 ميداليات    واشنطن بوست: زيلينسكي اعترض على إرسال وفده إلى إسطنبول    لطلبة الشهادة الاعدادية 2025.. موعد امتحانات النقل والشهادة بمحافظة الوادى الجديد    صام "مو" وفاق مبابي، حلم الحذاء الذهبي يتلاشى عن محمد صلاح    الكشف عن نظام المشاركة في بطولة دوري أبطال أوروبا 2025-2026    أيمن بدرة يكتب: الحرب على المراهنات    الدكتور حسام موافي يكشف 4 أسباب للأنيميا تهدد حياة الإنسان (فيديو)    المجلس الرئاسي الليبي يعلن وقف إطلاق النار في طرابلس    من بينهما برج مليار% كتوم وغامض وحويط.. اعرف نسبة الكتمان في برجك (فيديو)    ريهام عبد الحكيم تُحيي تراث كوكب الشرق على المسرح الكبير بدار الأوبرا    مصرع وإصابة 17 شخصاً في حادثي سير بالفيوم    جدول امتحانات الصف الثالث الابتدائي الترم الثاني 2025 في جميع المحافظات    موجة شديدة الحرارة يعقبها انخفاض.. بيان مهم من الأرصاد يكشف طقس الأيام المقبلة    تراجع أسعار الذهب اليوم في السودان وعيار 21 الآن ببداية تعاملات الخميس 15 مايو 2025    وزير الخارجية: الرئيس السيسي يقود جهودًا دبلوماسية لوقف العدوان على غزة وإيصال المساعدات    موعد إجازة وقفة عرفات وعيد الأضحى المبارك 2025 فلكيًا    «5 استراحة».. اعثر على القلب في 5 ثوانٍ    سالي عبد السلام ترد على منتقديها: «خلينا نشد بعض على الطاعة والناس غاوية جلد الذات»    مصرع بطل مصر في كمال الأجسام إثر حادث تصادم بالتجمع الخامس.. ماذا حدث ؟    مصرع رجل وزوجته في حادث تصادم سيارتين أجرة ونقل على طريق طنطا- كفرالشيخ    بريمونتادا +90 أمام مايوركا.. ريال مدريد يؤجل احتفالات برشلونة في الدوري الإسباني    وصول حسام البدري والفوج الأول من الرياضيين المصريين إلى القاهرة    خالد بيبو: حمزة علاء تهرب من تجديد عقده مع الأهلي    رئيس الوزراء القطري: إسرائيل غير مهتمة بالتفاوض على وقف إطلاق النار في غزة    "أول واحدة آمنت بيا".. محمد رمضان يكشف أهم مكالمة هاتفية في حياته    وفاة الفنان السوري أديب قدورة بطل فيلم "الفهد"    تبرعت بمنزلها لتحفيظ كتاب الله بالمجان.. وفاة الشيخة «محاسن» أقدم محفظة قرآن بالمنيا    كيف قضى قانون الجديد العمل على استغلال الأطفال وظيفيًا؟    عدد أيام إجازات المرأة وفقًا لقانون العمل الجديد    تحركات برلمانية لفك حصار الأزمات عن أسوان ومستشفيات الجامعة    ترامب ل أمير قطر: لدينا أفضل المعدات العسكرية وأنتم تشترون الكثير منها    حكم الأذان والإقامة للمنفرد.. الإفتاء توضح هل هو واجب أم مستحب شرعًا    حجز الحكم على قهوجى متهم بقتل شخص فى أوسيم إلى 13 يوليو    الكويت: سرطان القولون يحتل المركز الأول بين الرجال والثاني بين الإناث    وكيل صحة الدقهلية يشيد بجهود الآطقم الطبية والإدارية في شربين    محافظ الدقهلية: لن أترك ملفا دون حل وأؤمن بأن الإعلام شريك أساسى فى خدمة المواطن    حقيقة مفاوضات الأهلي مع عمر فايد لضمه قبل كأس العالم للأندية    الرئيس يتابع تنفيذ المشروع القومي لبناء الإنسان    توسعات ل«إيجاس وهاربور إنرجي» في استكشاف الغاز ب«حقل دسوق»    أخبار × 24 ساعة.. مجلس الوزراء: رسوم عبور قناة السويس تُحصل بالعملات الأجنبية    الخارجية الأمريكية: ترامب يريد تحسن الوضع الإنسانى المتفاقم فى قطاع غزة    وكيل تموين الإسماعيلية تتفقد صوامع القمح بالقنطرة شرق    ب«3 دعامات».. إنقاذ مريض مصاب بجلطة متكاملة بالشريان التاجى في مستشفى شرق المدينة بالإسكندرية (صور)    «الرقابة الصحية» تشارك بالنسخة الأولى من المعرض العربي للاستدامة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كنز أدبى وسياسى على الرصيف
رسائل توفيق الحكيم تكشف عن موقفه من كامب ديفيد والعلاقة مع إسرائيل
نشر في الأهرام اليومي يوم 26 - 04 - 2014

لم يكن الكاتب الراحل توفيق الحكيم اسما عابرا فى تاريخ الثقافة المصرية ،فهو واحد من بين فئة من الكتاب لا تزيد على عدد اصابع اليد الواحدة وضعت قواعد التأسيس ليس على الصعيد الادبى فقط وانما على صعيد دور الكاتب.
فمنذ بدأ كتابة مقالاته الصحفية فى " الاهرام " وهو يساهم فى توجيه الرأى العام ورسم السياسات العامة ومن ثم فإن الاطلاع على كتاباته بامكانه ان يمثل مدخلا لاعادة قراءة تاريخ مصر من منظور ثقافى ، فالكاتب الذى يزعم دارسو اعماله أنه ظل فى البرج العاجى اختار ان يكون مؤثرا ضمن فئة من الكتاب يعمل لها الف حساب ومن ثم لم يكن كلامه عفو الخاطر كما ان مواقفه لم تكن مجانية أبدا

الحكيم يهاجم اليسار ويعترف بعجزه خلال رئاسة اتحاد كتاب مصر
كتب - سيد محمود حسن:
تكشف الاوراق التى عثرت عليها الفنانة هالة القوصى عن طريق المصادفة وقدمتها لنا عن زاوية جديدة فى النظر الى توفيق الحكيم وموقفه من كامب ديفيد واتفاقية السلام التى وقعها الرئيس الراحل انور السادات مع اسرائيل فى عام 1979.
وهو موقف يمكن لنا وصفه ب" المغاير " اذ ظلت النخب المصرية فى قطاعها العريض غير مرحبة بهذه الخطوة او متوجسة منها وتكشف الاوراق بجلاء عن منطلقات الحكيم فى تبنى هذا الموقف وعن تصوراته لفكرة التعاون الثقافى الدولى فى ظروف التوتر السياسى بين بلدين متحاربين .
وفيها يعترف الحكيم بعجزه خلال رئاسته لاتحاد كتاب مصر عن الوصول لصيغة توافقية تجمع كتاب اليسار وكتاب اليمين حول موقف محدد ، مؤكدا ان الايديولوجيا سجن ومن ناحية يؤكد فى رسالة مكتوبة عقب اغتيال الكاتب يوسف السباعى فى قبرص (18 فبراير 1978 ) أن على الكاتب أن ينخرط سياسيا وإلا سيتم شجبه كسجين لبرجه العاجي، او فكره الحر. فخيانة الكاتب تأخذ معنى مخالفات. والكتاب الأحرار من سطوة السلطة ينظر إليهم فى بلادهم كخونة" .
ويقترح الحكيم فى واحدة من رسائله لمدير اليونسكو والتى كتبت عقب وفاة ابنه الوحيد اسماعيل "إنشاء "مجلس حكماء" لإحياء روح التعاون الثقافى المتجرد من كل تبعات سياسية " وفى رسالة ثانية يقترح " إنشاء مؤسسة إسرائيلية - عربية تحبذ التواجد المشترك للشعبين وهى الفكرة التى كتب لها مقالا بالفرنسية نشر فى جريدتى (لوبوان - 12 نوفمبر 1977 و لونوفيل أوبزرفاتير - 5 ديسمبر من نفس العام ) كما يتحدث عن ظروف المقاطعة العربية لمصر عقب زيارة الرئيس السادات للقدس عام 1977 ويشير الى الارهاب الذى يتعرض له بسبب اختلاف مواقفه عن الجماعة الثقافية.
وفى خطاب ثالث يشير الحكيم الى تجربته فى زيارة فلسطين عام 1945 قبل تأسيس اسرائيل فى 1948 لافتا الى ما يعتبره تجربة فريدة فى التعاون الثقافى ، متحدثا عن عرض تلقاه فى إمكانية إنتاج مسرحيته سليمان الحكيم والمبنية على الإنجيل والقرآن. ويتساءل : لماذا إذن تحول كل هذا إلى عداء؟ معتبرا أن إلقاء إسرائيل فى البحر ما هى إلا فكرة مجنونة وغير مرغوبة حتى لدى الجيران الأكثر تطرفا. وحسب مزاعمه " | لا يوجد إنسان واحد فى العالم أكمل لا يتمنى أن يشهد عودة اليهودى المشتت كما لا يريد أحد أن يشهد تشتت الفلسطيني.
وبخلاف الرسائل ذات المحتوى السياسى تضمنت الاوراق التى اكتشفتها القوصى مجموعة من الأوراق تشمل 5 صفحات كمقدمة ومسرحية من ثلاثة فصول صفحاتها مرقمة من 1 إلى 15 ومن 28 إلى 32 صفحة ومسرحيتين قصيرتين إحداهما عليها تاريخ نوفمبر 1927‫.‬ المسرحيتان تستلهمان من التاريخ وتتميزان بلهجة خيالية ساخرة تظهر فيها بجلاء لمحات من الأسلوب الذى تميز به الحكيم فى كتاباته اللاحقة‫.‬ وفى مقالها المرفق تروى هالة القوصى قصة العثور على هذه الاوراق والرسائل النادرة وتشير بوضوح الى ازمة فى التعامل مع تاريخنا حيث لا يزال قانون الوثائق الحالى عاجزا عن تنظيم عملية الحصول على الارشيفات الخاصة وتنظيمها واتاحتها أمام الباحثين ومن ثم ستظل عبارة " تاريخ على الرصيف " دالة فى وصف الحال الذى وجدت القوصى عليه رسائل الحكيم ومخطوطاته ومن حسن الحظ أن انتهت الى يد من يقدرها ويعتنى بها.

عن الصدفة والاقتناء وأشياء أخرى
كتبت - هالة القوصى:
انتقلت هذه الأوراق - المنشورة هنا ترجمة لجزء منها- إلى حوزتى فى العام الماضي، بمحض الصدفة . كنت قد التقيت صديقا صاحب مجموعة مهمة من المقتنيات المتنوعة وشربنا القهوة ثم صادفنا بائع أغراض قديمة (روبابيكيا).
يستطلع صديقى ما بحوزة البائع الجائل دون اهتمام وأسأله أنا إن كان معه صور فوتوغرافية فيعرض على حافظة بلاستيكية رخيصة.
- شوفى الورق ده كده. اللى جابهملى قاللى دول بتوع كاتب مشهور.
وأجيبه بحسم فأنا لا يهمنى غير الصور
- أنا مليش فى الورق.
- يا أستاذة طيب بصى بس بصة كده.
وحتى لا أحرجه استجيب لإلحاحه. أتصفح فى الحافظة على مهل فتطالعنى أوراقا بخط اليد باللغة الفرنسية التى أتقنها؛ أوراقا متنوعة، بعضها بخط جميل، منتظم ورشيق وبعضها بخط مرتجف ومتعجل، بعضها مكتوب بالحبر وبعضها بالرصاص، بعضها يخلو من الأخطاء ومعظمها يعج بالتعديلات والتصليحات ما بين إضافة وحذف.
يعاجلنى البائع مستحثا ومشيرا:
- فى شهادة، معاهم شهادة، بصى كده…
ترجمة فرنسية لشهادة تخرج من كلية الحقوق الملكية مكتوبة على الآلة الكاتبة للطالب حسين توفيق الحكيم أفندي، تاريخ ميلاد 1902 ومحل الميلاد الاسكندرية. وتبدأ الأسئلة فى التسارع فى رأسي. من حسين توفيق الحكيم هذا؟ هل كان لتوفيق الحكيم اسما مركبا؟ وإن كانت الأوراق لتوفيق الحكيم، فلماذا لا يقول البائع ذلك؟ أيجهل من هو توفيق الحكيم؟ هل لأن الأوراق بالفرنسية، استعصى عليه الاستدلال على صاحبها؟ ومن أين أتت هذه الأوراق؟ وكأن الشهادة الرسمية أرفقت بالأوراق لا لشيء إلا للإشارة إلى شخصية صاحبها. فهل حسين توفيق الحكيم هو توفيق الحكيم؟ الآن يتملكنى فضول مثير. أقرأ على عجل فى الأوراق وأترجم لصديقي. وتتوالى الدلائل أن كاتب هذه الأوراق هو فعلا توفيق الحكيم. من مسودة خطاب: "مرة أخرى أشكركم على تعاطفكم بمناسبة موت ابنى الوحيد."، " وحدثونى عن إمكانية إنتاج مسرحيتى سليمان الحكيم والمبنية على الإنجيل والقرآن."، "وقد أعلمنى هذا المستعرب النابغة فى خطاب بأسلوب عربى رصين أنه كان بصدد ترجمة كتابى "نائب فى الأرياف" إلى الإنجليزية." ثم أجد ضالتى التى تقتل الشك: توقيع على أحد الأوراق:
T. El Hakim
الأوراق تقدم نفسها بجلاء على أنها للأديب الكبير توفيق الحكيم. لكن هل من الممكن أن تكون هذه الأوراق مزورة؟ الورق أصفر ومهترىء واللغة الفرنسية سليمة ورصينة وإن كان بها بعض الأخطاء اللغوية والنحوية لكنها مفهومة فى سياق أن الأوراق فى معظمها مسودات أولية والمقاطع المحذوفة، مشطوبة بعفوية لا يمكن أن تكون مصطنعة. أسأل صديقى الخبيرعن احتمال أن تكون الأوراق مزورة. فيجيب بثقة الخبير بأن عناء تزوير مثل هذه النوعية من الأوراق ضخم بالمقارنة بقيمتها فى سوق المقتنيات فمعظم من ستقع فى أيديهم هذه الأوراق لن يقيموها حق قدرها لأنها بالفرنسية. وتتابع فى رأسى أسئلة أخرى: ماذا أنا فاعلة الآن؟ الأوراق لا تقع فى نطاق اهتمامي، لكنها دون شك أوراق قيمة. هل يشتريها صديقي؟ ماذا سيطلب فيها البائع؟ أسأل صديقى إن كان سيشتريها ولسبب لا أعرفه حتى الآن يُعرض ولكن ليس دون أن يحثنى على ألا أتركها، فأدحر ترددى - فأنا لا أقتنى الأوراق - وأشترى أوراق الحكيم.
أكثر من مرة سمعت فى أوساط المقتنين حكايات طريفة داعبت خيالى عن أشياء قيمة ولا يدرك قيمتها أحد، تقع بين أيدى أحدهم بمحض الصدفة. وها أنا فى هذا الموقف. أسهر الليلة أتصفح فى الأوراق على مهل وأحصيها. محتويات الحافظة البلاستيكية كالآتي:
1. ترجمة لشهادة تخرج من كلية الحقوق الملكية.
2. مسرحية من صفحتين مذيلة بتاريخ نوفمبر 1927 بعنوان الأبدي.
3. مسرحية من خمس صفحات بعنوان المجنونة.
4. تقديم لمسرحية فاوست الثالث من خمس صفحات.
5. مسرحية فاوست الثالث من ثلاث فصول صفحاتها مرقمة من 1 إلى 15 ومن 28 إلى 32.
6. ثلاث مسودات لخطاب إلى مدير اليونسكو جاك دورميسون من 29 صفحة، منها مسودة كاملة من 6 صفحات موقعة فى آخرها باسم توفيق الحكيم ومنها ما يقارب فى طابعه المقالة من 12 صفحة بعنوان الصداقة وعدم العداء.
ربما لم أشعر بهذا القدر من السعادة لإتقانى الفرنسية قدرهذه الليلة. لسنين طويلة وبعد انتهائى من الدراسة الثانوية، قبعت هذه اللغة كامنة فى طيات عقلى بلا فائدة واضحة والآن هاهى تعود إلى وتفتح لى أبوابا إلى عالم الكاتب الكبير الذى لا أعرف عنه إلا القليل الذى قرأته له فى سنين مراهقتي. ويفرض سؤالا نفسه: لماذا كتب الحكيم بالفرنسية؟ منطقى أن يخط مسودة خطاب إلى مدير اليونسكو بالفرنسية لكن ماذا عن بقية الأوراق؟ بعض الأوراق مؤرخة فى سنة 1927وأطالع سيرته الذاتية على الإنترنت: حسب سيرته الذاتية كان الحكيم يدرس فى فرنسا بين عام 1925 و1928، فهناك بعض من المنطق هنا أيضا. لكن ماذا عن مسودة فاوست الثالث والتى تنتمى بوضوح إلى آواخر حياته؛ من تشابه خطها بخط الخطاب إلى مدير اليونسكو 1978- 1979؟ هل كانت هذه عادة للحكيم؟ أم أنه كان له غرضا آخر؟ وتتوالى الاكتشافات المثيرة الواحدة تلو الآخرى: فى الخطاب يتكشف عمق توافق توفيق الحكيم مع التطبيع وتتجلى حدة الانقسام الداخلى بين المثقفين المصريين والعرب عقب مباحثات السلام؛ وفى المسرحيتين المبكرتين، تظهر بدايات استخدام الحكيم للرمزية الخيالية واتباعه للاختزال اللغوي؛ والمفآجأة ربما الأكثر إثارة كانت فى مجموعة أوراق فاوست الثالث والتى يقدمها الحكيم على أنها أوراق خطها الحفيد المصرى للكاتب الألمانى الكبير جوته ويسترسل: مترجم فاوست إلى الفرنسية جيرار دى نرفال والذى أقام فى مصر فترة اتخذ خلالها لنفسه خليلة مصرية، اصطحبها معه إلى ألمانيا فى زيارة للكاتب الكبير وهناك ضاجعت المصرية جوته ووضعت ابنتها المزعومة منه فى مصر وصاحب هذه الأوراق هو حفيد هذه الإبنة غير الشرعية لجوته. ما هذه الرواية الخرافية؟ هل كان لجوته فعلا حفيد مصري؟ أم أن هذا من بنات خيال الكاتب؟ أما عن مضمون الأوراق لحفيد جوته المزعوم فأقل ما يقال عنه أنه مثير للجدل: مسرحية من ثلاث فصول، متضمنة لحوار ساخر بين الرب ومفيستو (الشيطان كما عرفه جوته فى فاوست) فى زمن مستقبلى يختفى فيه الرجل والمرأة ولا يبقى على الأرض إلا كائنات أحادية الجنس. وهو ما لا يغفله الحكيم فى تقديمه لها:
"اليوم وأنا أعيد قراءة كتابك المهم واللذيذ عن الله، تذكرت هذه الصفحات القديمة لحفيد جوته المزعوم وفكرت أن أهديها لك بالرغم من أسلوبه الفقير وكفره المبالغ فيه. لا أدرى لماذا يسئ ابن جوته للرب بهذا الشكل؟ جوته نفسه يبدو لى فى فاوست وفى فاوست الثانى مؤمنا أو محترِما بقدر معقول للاهوت وأيضا للدين بوجه عام، شاملا الإسلام." إلى من يقدم الكاتب هذه الأوراق؟ من صاحب الكتاب المهم واللذيذ عن الله؟ أليس الحكيم نفسه هو كاتب مقالات"حديث مع وإلى الله" والذى نشر مسلسلا فى الأهرام عام 1983 وأثار جدلا واسعا حوله؟ هل كان ينتوى نشرها فى كتاب كما كتب؟ هل كان لا ينتوى نشر هذه الأوراق لمضمونها الجدلي؟ لكنه يقول فى تقديمه: "على العموم ما يهمنى فى كل هذه الحكاية أولا العلاقة بين جوته والإسلام فى حقبة لم يكن فيها الإسلام النفطى معروفا، ثم هذه الصفحات التى أراجعها عند مراجع العربية الخاص بى فى "طبعة محدودة جدا" لأعطيها فرصة أن تُدرس." هل رأت هذه الطبعة المحدودة النور؟
خلدت إلى النوم والأسئلة تلاحقني. ماذا أنا فاعلة بهذه الأوراق؟ هل أستخدمها فى عمل فني؟ عن ماذا؟ هل أترجمها للعربية؟ ولأى غرض؟ ماذا سيكون رد الفعل لهذا المضمون الجدلى فى ضوء المناخ العام الشديد التحفظ؟ هل سيفتح على هذا بابا من أبواب جهنم؟ هل أنا قادرة على تحمل التبعات؟ وارتئيته عبئا ثقيلا لا طاقة لى به على المستويين النفسى والعملى وخصوصا وأن خط الحكيم فى آواخر حياته كان متعجلا وغير منتظم وأن الأوراق ناقصة وغير متسلسلة، فأجلته لفترة، تحققت خلالها من بعض التفاصيل الواردة فى الأوراق. يبقى تاريخ ميلاد توفيق الحكيم كما ورد فى ترجمة شهادة التخرج من كلية الحقوق الملكية - 1902 متعارضا مع تاريخ ميلاده المعروف 1898 وهى نقطة تستوجب بحثا أكثر دقة ربما يقوض بشكل قاطع افتراض نسبها للحكيم. واستطعت فى وقت لاحق أن أحسم حكاية المصرى حفيد جوته المزعوم بالرجوع إلى كتاب جيرار دى نرفال "رحلة إلى المشرق" من 1851 والذى تضمن تدوينا مفصلا لإقامته فى مصر سنة 1842 ومقارنة روايته بالرواية المذكورة فى تقديم الحكيم. بالفعل كما ورد فى كتابه كان لجيرار دى نرفال خليلة خلال إقامته فى مصر. اتفق عرف الفترة على أن العزاب لا يحق لهم الإقامة إلا فى حجرات مستأجرة فى فنادق ولكن دى نرفال آثر الإقامة وحده فى منزل استأجره فاشترط عليه صاحب المنزل الزواج فى خلال أسبوع وبالفعل ابتاع دى نرفال لنفسه جارية من شبه الجزيرة الهندية، من جاوا تحديدا، اسمها زينب. جاءت زينب إلى مصر فى قافلة من قوافل الحجاج بعد موت مالكها الأول فى الحجاز، لتباع فى أسواق نخاسة القاهرة. كانت زينب تتحدث العربية بطلاقة لكن لم يكن ممكنا أن تكون مصرية أو عربية بأى حال من الأحوال فقد كان محظورا فى تلك الفترة بيع أى من رعايا الدولة العثمانية فى أسواق النخاسة. رحل دى نرفال مع زينب بعد ثمانية شهور قضاها فى مصر ليكمل رحلته إلى جبل لبنان. وماكان من أمر زينب بعد ذلك لا أجد له ذكرا فى أى من سير دى نرفال الذاتية ولكن المعروف عنه أنه انتحر شنقا فى باريس عام 1855 بعد معاناة طويلة من الأمراض النفسية.
مع بدايات العام الجديد، إحساسا منى بالمسئولية تجاه الأوراق بحوزتي، وعن قناعة بأنه فى ضوء تراوح الأداء المؤسساتى على الجميع أن يبذل ما فى مقدرته إلى أن تستقيم الأمور، تحمست لإنهاء الترجمة بغرض نشرها لتصل إلى أكبر عدد من القراء وليتحقق المتخصصون فى أدب توفيق الحكيم من صحة نسبها إليه من عدمه وليضعوها - إن ثبت أنها أصلية - فى سياق مشواره الأدبي، مؤمنة بأن القدر لم يضعها بين يدى إلا لتخرج إلى النور؛ وربما بشكل غير مباشر لتبعث الحماسة فى آخرين لإيجاد حلول بديلة وأكثر فعالية خارج المنظومة الرسمية لحماية ونشر التراث. وكلى أمل أن تجد فرصة لاحقة للنشر بشكل كامل وأن تنتقل فى القريب العاجل لحوذة مؤسسة قومية تحفظها بشكل يليق بإرث ومكانة الكاتب الكبير توفيق الحكيم.
ولدت في القاهرة عام 1974. بعد حصولها على بكالوريوس إدارة الأعمال من الجامعة الأمريكية فى القاهرة فى 1996.عملت كمصورة فى مجال الإعلانات حتى عام 2000. فى 2002 حصلت القوصى على شهادة الماجستير فى الصورة و الإتصال من كلية جولدسميث، جامعة لندن و حاضرت عن التصوير الفوتوغرافى فى الجامعة الأمريكية مابين عامي 2002-2003. فى 2005 حصلت على منحة تفرغ لمدة عامين فى برنامج الرايكس أكاديمى فان بلدندى كونستن فى أمستردام وهو برنامج عالمى متخصص للفنانين البصريين. حصلت القوصى على جائزة أبراج للفنون و هى أكبر جائزة من نوعها فى العالم.


خطابات الحكيم إلى مدير اليونسكو جان دور ميسون
هذه الأوراق هى فى الغالب مسودات مختلفة لنفس الخطاب إلى جان دورميسون رئيس منظمة اليونسكو فى السبعينات.وفيما يلى ترجمة لها بعد ترتيبها.
المسودة الأولى كاملة من خمس صفحات

السيد جان دورميسون
باريس
صديقى العزيز،

مقالكم المهم جدا "خيانة الكتاب" أثار فى إهتماما عميقا. فى الحقيقة نحن نعيش فى عالم غاية فى الخطورة على الثقافة وعلى الأدباء الذين يتمنون أن يخدموا بحرية قضية القلم. أغلبية الكتاب يجدون أنفسهم هذه الأيام محاطين بالسياسة ومصنفين يساريين أو يمينيين بشكل حاسم وخصوصا فى العالم العربى والعالم الثالث.
بصفتى رئيس إتحاد كتاب مصر، أجد صعوبة فى ضم اليساريين واليمينيين فى منطقة مشتركة. وهذا يمكن أن يكون مقبولا إن بقت الأيدلوجيا كقناعة شخصية نقية. لكنها تصبح القلعة المحصنة للسلطة. اليوم يجب على الكاتب أن ينخرط سياسيا وإلا سيتم شجبه كسجين لبرجه العاجي، فكره الحر. خيانة الكتاب تأخذ إذا معنى مخالفا. الكتاب الأحرار من سطوة السلطة ينظر إليهم فى بلادهم كخونة. بالطبع أنا لا أتحدث فى فرنسا. لكن مقالك لا يوضح الفرق. لقد كتبت: "إنصياع الثقافة للسياسة تمثل الشكل الحديث لخيانة الكتاب". نعم لكن من وجهة نظر من؟ أوروبا الغربية بالطبع. لكن بالنسبة لأوروبا الشرقية هو العكس تماما: هناك خيانة الكتاب هى رفض انصياع الثقافة للسياسة وهذا مصدر الشر. كل توجه سيء من جهة وحسن من الجهة الأخرى. وهكذا هو صعب أن تبقى كاتبين واقفين على نفس الأرضية وأجد نفسى فى مواجهة موقف معقد ومؤسف فى إتحاد كتاب بلدي.
كيف أجد السبيل إلى جمع الكتاب من جميع البلاد حول عالمية مهمتهم من أجل تقدم الإنسانية؟ للأسف، حتى كلمة تقدم لم تعد تعنى شيئا واحدا. عندما نقول تقدميا نعنى شيوعيا. كيف إذا نعيد جمع الكتاب فى بلد واحد أو فى كل البلاد ونجعلهم يتكلمون نفس اللغة فى خدمة الإنسان، الإنسان باختصار، بعيدا عن تأثير السياسة. هذه هى المشكلة التى تشغلك من موقعك الإنسانى فى اليونسكو منذ سنين عديدة. اليوم لم تنس هذه المهمة النبيلة وتقترح على اليونسكو أن تتولى الأمر لإنشاء "مجلس حكماء" يمكن له أن يعيد إحياء روح التعاون الثقافى المتجرد من كل تبعات سياسية.
الكتاب الأحرار يجب أن يهنئوا أنفسهم على هذا الاقتراح. لكن لا يجب أن نحجب عن أنفسنا العوائق التى تهدد مبادرتكم. الكتاب أنفسهم ليسوا مجمعين على تعريف حريتهم.
مع شكرى لكم أضع نفسى تحت تصرفكم فى ما يخص أى مجهود تجاه تحقيق مهمتكم النبيلة وأدعوكم لتقبل صديقى العزيز مشاعرى المخلصة وصداقتى الوفية.

توفيق الحكيم

المسودة الثانية كاملة من خمس صفحات
الصديق العزيز
مرة أخرى أشكركم على تعاطفكم بمناسبة موت ابنى الوحيد. لأسترخى بعض الشيء كنت قد خططت لرحلة. لكن بسبب الإرهاب ينصحنى أصدقائى بعدم ترك بلدى وخصوصا بعد إغتيال نائب رئيس إتحاد الكتاب والذى أنا رئيسه فى قبرص العام الماضي. كانت جريمته التى استحق عنها الموت أنه أنضم لمبادرة السادات وزيارته للقدس. أنا نفسى كتبت فى كل مكان للتصديق على هذه الزيارة واقترحت أيضا إنشاء مؤسسة إسرائيلية - عربية تحبذ الوجود المشترك للشعبين (جريدة لوبوان - 12 نوفمبر 1977 و لونوفيل أوبزرفاتير - 5 ديسمبر )

اليوم بعد السلام بين مصر وإسرائيل لابد من إقامة صداقة حقيقية بين الشعبين. لقد ذكرتُ فى راديو إسرائيل تسامح الشعب المصرى الذى لم يعرف أبدا التفرقة بين اليهود والمسيحيين والمسلمين. وبالخصوص اليهود الذين يتم تشويه صورتهم بغير وجه حق فى بعض بلاد، حتى فى أوروبا، هؤلاء ننظر إليهم لدينا نظرة جيدة. لى صديق قديم يحدثنى عن أمانة واستقامة شركائه اليهود. حتى رئيس حزبنا، حزب العمل، نشر مؤخرا مقالا يذكر فيه تاريخ العلاقة الطيبة التى كانت تربط عائلته واليهود وأكد أن اليهود يستحقون كل ثقة. فى المجال الأدبى لن أنسى أبدا أن الزميل فى الأكاديمية العربية الذى كان يجلس بجوارى كان الحاخام الأكبر لليهود دكتور حايم إفاهوم والذى كان نموذجا يبعث على الإعجاب فى تمكنه العميق من جذور اللغة العربية. كثير من المصريين من جميع الطبقات وفى مختلف المجالات يحتفظون بأفضل الذكريات لأصدقاء ومعارف من اليهود.
كل هذا أثار غضب المتشددين والذين وضعونى على "القائمة السوداء". ماذا فعلت؟ هل الدعوة للحب والعدل بين شعوب المنطقة جريمة؟ رؤية الإسرائيليين والفلسطينيين مستقرين فى سلام، كل فى وطنه، أليس هذا حلم كل العالم؟
تخيل صديقى العزيز لأى درجة يرى كاتب فيها نفسه مهددا بالموت؟! الإرهاب الآن يطال الكتاب المساكين الذين لا يملكون إلا كلماتهم الصادقة ليقولوها! لقد كتبت العام الماضى مقالا أحث فيه السيد السكرتير العام للأمم المتحدة دكتور فالدهايم على أن يفعل كل ما فى وسعه ليخلص الإنسانية من هذا البلاء الحديث: الإرهاب والذى يمثل خطرا فظيعا على حرية الإنسان فى زمننا. وأنا المستهدف؟ ماذا يجب على أن أفعل؟ حياتى لا تعنيني! فى سنى هذا، ما أهمية أن أعيش بضع لحظات أطول؟ لكن للآخرين؟ دول شقيقة، دول عربية قطعت علاقاتها على التوالى مع مصر تحت التهديد بسبب السلام مع إسرائيل. وللكتاب، إنه لمخجل أن حضارة القلم تقف عاجزة فى مكافحة هذا الخطر العالمى فى نهاية قرننا هذا.

صداقتى الوفية
المسودة الثالثة من 12 صفحة غير كاملة
الفائدة وعدم العداء

أنا أجد نفسى حاليا فى موقف محرج. هى مشكلة فى الأصل أدبية ولكنها قد تصبح سياسة أخلاقية. ككاتب مسلم مصرى ولغته العربية كان لدى معاون وهو كاتب يهودى وكان فيما سبق وزير خارجية إسرائيل. تبدأ الحكاية فى 1943 عندما كان الأستاذ أ. إيبهان فى الجيش البريطاني. وقد أعلمنى هذا المستعرب النابغة فى خطاب بأسلوب عربى رصين أنه كان بصدد ترجمة كتابى "نائب فى الأرياف" إلى الإنجليزية. وقد نشر الكتاب فى لندن سنة 1947 وكان خطوة البداية فى تعاون ثقافى مثمر تحول فى 1967 إلى عداء مؤذ. فى اللحظة الحالية وقد نفدت الطبعة الإنجليزية، تتوقف إعادة النشر لأن الأديبين المتعاونين أصبحا عدوين. إلى متى هذا العداء؟ أتمنى أن ينتهى سريعا حتى نستأنف تعايشنا السلمى كما فى العهود السابقة. السياسيون يعطوننا الانطباع أن هذه الكراهية على صورة تلك التى كانت بين فرنسا وألمانيا عبر أجيال وهى كراهية كان يعتقد إنها فطرية من روح وطبيعة هذين الشعبين. وهو ما تم نفيه تماما فى أيامنا هذه. أيجب إذا أن نربى أجيال الشرق الأوسط بإيمان كهذا مبنى على الكراهية؟ من ناحية يصرخون: اقتلوا العرب ومن ناحية أخرى: ارموا الصهيونى فى البحر. ماهو المستقبل الذى ينتظر أبناء العمومة سلالة إسماعيل وإسحق ولدى إبراهيم؟ لا شيء إلا الدمار الشامل والأسلحة النووية المتاحة اليوم وكل هذا يفضى إلى لا شيء فى النهاية لأن أى انتصار نهائى وحاسم فى أيامنا هذه ماهو إلا كابوس. هل هناك أمل فى الشباب، أن يتولوا مسئولية أقدارهم ويبنوا مستقبلهم على الصداقة بدلا عن العداء؟
أتذكر فترة (1945) تلقيت فيها دعوة من مجموعة من الشباب الإسرائيلى والفلسطينى على الغداء فى مطعم من مطاعم تل أبيب وكان الكل سعيدا ومبتسما. فى نفس المطعم قابلت صديقا موظفا مصريا، كان على رأس بعثة من المتخصصين الزراعيين أتوا ليبحثوا مع زملائهم الإسرائيليين مشاكل متعلقة بالزراعة فى الصحراء. وأيضا تمت دعوة عمداء وأساتذة جامعة القاهرة لحضور افتتاح الجامعة العبرية. وعندما حضر إلى القاهرة توسكانينى ليقود أوركسترا القاهرة السيمفوني، لمس أن الأوركسترا ينقصها بعض العازفين وتمت استعارتهم من تل أبيب. وفى خلال إقامتى فى تل أبيب استقبلنى مخرجو الفرقة المسرحية المشهورة " حابيما" (أو هابيما) وهناك قابلت ماكس برود، صديق كافكا والذى كان حينها المستشار الأدبى للفرقة. وحدثونى عن إمكانية إنتاج مسرحيتى سليمان الحكيم والمبنية على الإنجيل والقرآن. إلى هذا الحد كان التعاون الثقافى والفنى ممارسا فى تلك الفترة. لماذا إذا تحول كل هذا إلى عداء؟ هذه حكاية طويلة. ولكل طرف حجته، لكن فى رأيى ليس هناك إلا جذر واحد لشجرة الشقاء هذه: الخوف. الخوف لدى إسرائيل أن تجد نفسها ملقاة فى البحر على يد جيرانها العديدين. خوف لدى جيرانها من أن يجدوا أنفسهم مهددين بالعسكرة الإسرائيلية. هل يمكن أن نقنع هؤلاء وهؤلاء أن خوفهم مبالغ فيه ولا أساس حقيقيا له. إلقاء إسرائيل فى البحر ما هى إلا فكرة مجنونة وغير مرغوبة حتى لدى الجيران الأكثر تطرفا. لا يوجد إنسان واحد فى العالم أكمل لا يتمنى أن يشهد عودة اليهودى المشتت كما لا يريد أحد أن يشهد تشتت الفلسطيني. هل هو مستحيل أن نطرد الخوف، مصدر كل المآسي؟ الخوف أبو العسكرة والعسكرة بدورها (أبو) الإرهاب. السلاح الوحيد فى رأيى ضد الخوف هو التفاهم. التفاهم المبنى على الفائدة وليس على العداء. الفائدة من الوجود معا لكل - (ناقص من صفحة 6 -8)
صفحة 9
- بين أيادى السياسيين والذين استخدموا الأزمة لأغراض تخدم سياساتهم الداخلية والخارجية. لا أعرف إن كان الوقت الآن قد فات لإصلاح هذا الشر. منذ عشر سنوات وفى زيارته لمصر قال لى سارتر أن الأمل فى اليسار. وكان يريد بذلك فيما يبدو لى أن اليسار فى المنطقة يمكنه أن يتخلص من العسكرة التى تضخم من حجم الجيوش والأسلحة كما ونوعا بتكلفة باهظة وخطيرة وتهدد بهذا الشكل السلام بمنع الشعوب من حقهم فى أن يعيشوا حياة جيدة. وبالفعل هذا برنامج جيد لليسار. لكن ألا يمكن لليمين أن يحقق نفس هذه النتيجة الجيدة. أنا لست سياسيا لكن أ. إبهان قبل أن يكون رجل سياسة هو رجل أدب، ومحب للإنسانية. ما رأيه فى كل هذا؟ هل يمكنه مثلا أن يغير من برنامج حزبه ليجعله أكثر فعالية فى تحقيق هذا الهدف؟ المأساة هى أن السياسيين المحترفين فى الشرق الأدنى يوجهون كما ذكرت سابقا الشعوب وخصوصا الشباب نحو مستقبل كئيب وحروب لا تنتهى يغلفونها بكلمات كبيرة وجميلة عن الشوفينية. أنا لا أريد أن أيأس من السياسيين المحترفين وخصوصا الذين تأسسوا فى العلوم الإنسانية مثل معاونى السابق أ. إبهان. أنا متفهم أن السياسة أكثر فعالية من الأدب وخصوصا فى الحاضر الآني. إن كانت برامج الأحزاب القديمة لم تعد مناسبة، هل يمكنكم سيد إبهان أن تطرق طريقا آخر لنشر السلام فى المنطقة والتعايش المفيد. مستقبل سلام وهناء ليس بضرورة لنا نحن العجائز لكنه وبعمق ضرورة للشباب لأن الشباب هو المستقبل. إذا فشل السياسيون العجائز، يجب على الشباب إذا أن يتولوا مستقبلهم بأنفسهم ويبحثوا عن الطريق الذى سيقودهم بعيدا عن تعاسة الحروب. وكبداية يجب على الشباب أن يثبت بوسائل محددة وملموسة أن التعايش السلمى لكل - (ناقص)

ظهر الصفحة 11 من هذه المسودة وبقلم مختلف
فى انتظار كلمة السياسيين أردت أن أبدأ بخطوة تقود إلى التعايش المأمول وباقتراح تأسيس مؤسسة عربية إسرائيلية. أنا قد قدمت لهذا الغرض مبلغ 300 دولار وهو ما باستطاعتى فى الوقت الحالي. هل أنا على صواب؟ هل سيكون لى أصدقاء ومقربين سيدعمون هذا الاقتراح؟ أنتظر بأمل وتفاؤل.

مسودات متفرقة

فى نفس العدد من لو نوفيل أوبزرفاتير 5 ديسمبر 1977 صرح السيد منديز فرانس:
"كيف يمكن الآن للإسرائيليين أن يمنعوا عن الآخرين وبالخصوص الفلسطينيين ما نشدوه هم لأنفسهم وعن استحقاق لزمن طويل؟"
نفس الشيء كتبه سارتر والذى عرف نفسه كصديق لإسرائيل وهو أن العالم الذى كان يرفض وجود اليهودى المشتت يرفض أيضا وجود الفلسطينى المشتت.

منذ بضعة أسابيع تلقيت زيارة من عضو الكنيست السيد يورى أفينيرى والذى كان لتوه قد قابل الرئيس مناحم بيجين ونقل لى عنه رأيه فى أن إقامة دولة فلسطينية مجاورة هو خطر حقيقى على أمن إسرائيل. وقد أجبته: هذا ما هو إلا افتراض. من يدري؟ هناك أيضا احتمال آخر. لا شيء يمنع من اعتقاد أن دولة فلسطينية من الممكن أن تكون جارة طيبة لإسرائيل. لماذا نفقد الأمل؟

لكن الإرهاب لا يجادل. هو لا يعرف الحوار. أنا لم أقابل أبدا إرهابيا يعرض وجهة نظره. هو يتهمنى بالخيانة ويحكم على بالموت دون أن يسمعني.

--------------------------------------
بيسمارك المنتصر يأمر قواته التى تستعد لدخول فيينا بأن يبقوا بعيدا عن المدينة حتى لا يهينوا أهلها والمقدر لهم أن يرتبطوا بالألمان بحكم التعايش الودي.
--------------------------------------
يورى أفينيرى عضو الكنيست

تواريخ
لونوفيل أوبزرفاتير - 5 ديسمبر 1977
جريدة لوبوان - 12 نوفمبر 1977

السيد جان دورميسون
يونسكو
1، شارع ميوي
15732 باريس سيديكس 15
محبة
تعاطفكم الكبير بمناسبة موت ابني

صداقتى

الحكيم يستلهم قصة غرام فتاة مصرية بالشاعر جوتة فى مسرحية
هذه المجموعة من الأوراق تشمل 5 صفحات كمقدمة ومسرحية من ثلاثة فصول صفحاتها مرقمة من 1 إلى 15 ومن 28 إلى 32. ننشر هنا المقدمة كاملة والنص المنشور هنا على لسان الحكيم.
كاتب هذه السطور رجل غامض كان يدعى أنه الحفيد غير الشرعى لجوته. والدة جدته كانت محظية الشاعر الألمانى الكبير. هذه الحكاية الغريبة التى يصعب تصديقها حكاها لى صديقى ومترجمي: جاستون فييت، المدير السابق لمتحف الفن العربى فى القاهرة قبيل الحرب العالمية الثانية ثم الأستاذ بالكوليج دى فرانس والذى توفى فى باريس بعد الحرب. حدثنى عن حسناء مصرية ذات عيون سوداء والتى كانت محظية جيرار دى نرفال خلال فترة وجوده فى مصر. دى نرفال كان مترجم فاوست وكان جوته يقدره. دى نرفال قدم هذه الحسناء المصرية لجوته فى صيف 1830 بنواحى فرانكفورت. هذه المصرية التى تربت فى مدرسة فرنسية بعد حملة نابوليون على مصر كانت قد قرأت نسخة فاوست التى ترجمها عشيقها جيرار دى نرفال وسيطرت عليها فكرة إنجاب طفل من النابغة جوته. عند عودتها للقاهرة كانت حاملا وأنجبت بنتا أسمتها مارجريت ونسبتها إلى جوته. لكن جيرار دى نرفال منعها من نشر هذه الحكاية. تزوجت هذه البنت لاحقا من موظف فى شركة تجارية فرنسية بالقاهرة وأنجبت ولدا. كانت جدة الصبى تحشو رأسه بحكايات عن كونه حفيد جوته العظيم. كان صديقى جاستون فييت يعتقد أن الولد فى حقيقة الأمر الحفيد غير الشرعى لجيرار دى نرفال وليس حفيد جوته. لكن الولد كان يحكى باستمرار أنه حفيد جوته وبدوره أنجب هو ولدا اسماه يوهان.
يوهان أيضا بدوره كانت رأسه ممتلئة بحكاية أنه حفيد جوته وكان معلما فى مدرسة الجيزيوت بالخرنفش فى القاهرة ومات قبل الحرب العالمية الأولى. كانت هذه الأوراق بحوذته، هذه الصفحات بعنوان "فاوست الثالث" لجوته (الإبن). هل كان لديه النية يا ترى لإكمال هذا المشروع؟ لكنه مات منتحرا فى مصحة للمجانين ولم يترك إلا هذه الصفحات. حصل عليها فييت من صديقه الطبيب مدير المصحة وأودعنى إياها فى 1933 بمناسبة نشر الدراما الخاصة بى "كهف الحكماء" المستلهمة من "نيام إفيس" بتقديم مهم لفييت والذى استخدم فيه معرفته الغزيرة بهذه الحقبة الإنجيلية والقرآنية. اعتقد فييت أن هذه الصفحات للإبن المزعوم لجوته قد تثير اهتمامى وقد أستطيع أن أعطى رأيى فى شكل هذا العمل: هل هذه بدايات دراما أم حكاية؟ لم يحدد الكاتب. أما بالنسبة للشخصية الحقيقية للكاتب لم يقل عنها فييت الكثير. كنت مشغولا جدا فى هذه الفترة ولم أعط اهتماما لكل هذا وألقيت بهذه الأوراق فى حافظة أوراق قديمة… اليوم وأنا أعيد قراءة كتابك المهم واللذيذ عن الله، تذكرت هذه الصفحات القديمة لحفيد جوته المزعوم وفكرت أن أهديها لك بالرغم من أسلوبه الفقير وكفره المبالغ فيه. لا أدرى لماذا يسئ ابن جوته للرب بهذا الشكل؟ جوته نفسه يبدو لى فى فاوست وفى فاوست الثانى مؤمنا أو محترما بقدر معقول للاهوت وأيضا للدين بوجه عام، شاملا الإسلام. هنا سأنقل مقطعا بالإنجليزية لتوماس كارلايل فى كتابه "الأبطال، عبادة الأبطال". كارلايل قال حرفيا: الله أكبر الرب عظيم وأيضا: الإسلام، أننا يجب أن نسلم وجهنا لله، وأن كل قوتنا تكمن فى التسليم الخاضع له مهما يفعل بنا - لهذا العالم وللعالم الآخر، ما يبعثه لنا كان موتا أو أسوأ من الموت سيكون خيرا، سيكون أفضل، نحن نسلم وجهنا لله. هل هذا هو الإسلام، يقول جوته. هل لسنا كلنا نعيش فى الإسلام؟ متى يقول جوته هذه الجملة وهل لهذه الجملة علاقة بالمصرية ذات العيون السوداء التى أتت إليه من بلاد الإسلام؟ هل تستوجب هذه الأقصوصة بعضا من البحث أو التحقيق؟ لا أدرى (هذه الجملة السابقة مشطوبة). لكن هذا المدعو يوهان الابن المزعوم ليوهان ولفجانج جوته - فى مصر ينطق يوهان بشكل آخر: جان أو حنا. تستحق هذه الحكاية أن تدرس اليوم فى وقت فيه الإسلام مرتبط بالبترول وفيه شيوعى قديم مثل جارودى يتحول إلى الإسلام ويجذب حول اسمه بعض الأكاذيب الشقية مثل "الإسلام الذى له رائحة البترول". على العموم ما يهمنى فى كل هذه الحكاية أولا العلاقة بين جوته والإسلام فى حقبة لم يعرف فيها الإسلام النفطى بعد ثم هذه الصفحات التى أراجعها عند مراجع العربية الخاص بى فى "طبعة محدودة جدا" لأعطيها فرصة أن تدرس.
فى الثلاثينيات كان لدينا فى مصر قضية مماثلة. لم يكن لرئيس مجلس الشيوخ والذى كان غنيا عجوزا ومقتنيا مهما لفان جوخ وسيزان إلخ إلخ وريثا ( قاصدا محمد محمود خليل صاحب المتحف الشهير ).
ادعت مغامرة شابة جميلة أن لديها طفل منه ونفى هو بشكل قطعى وكانت هناك قضية شهيرة وحسب القانون الإسلامي: الابن هو الفراش يعنى أنه من الكافى أن تكون هناك علاقة بين رجل وامرأة ليتم الاعتراف بطفل كطفلهما ipso -facto
كسبت السيدة القضية وورثته بالرغم من محاولات الثرى العجوز الإثبات بشكل طبى أن سنه لا يسمح له بإنجاب أطفال. لكن من ناحية آخرى هناك كهول عمرهم ثمانون عاما أو أكثر وتزوجوا من شابات فى العشرين وأنجبوا أولادا.. جوته العجوز نفسه كانت لديه مشاعر حب متأججة تجاه فتاة شابة فى العشرين وكان يريد الزواج منها لكن أصدقاءه منعا "للفضيحة" فعلوا كل ما فى وسعهم لجعله يتراجع عن هذا المشروع المجنون. ربما هذا الميل عند جوته هو ما دفع صديقه ومترجمه جيرار دى نرفال أن يقدم له هذه المصرية الشابة الجميلة؟ لكن العلاقة الجنسية فى هذه السن هذا موضوع طبى أكثر من أى شيء آخر.
لأختم أضع بين أيديكم يا صديقى العزيز والكاتب الكبير لكتاب مرموق عن الله هذه الصفحات لابن جوته المزعوم والتى تثير اهتمامى فى عمرى الذى بلغ الآن عمر جوته وقت مغامرته التى حدثت قبل موته مباشرة.
فى صفحة 2 مكرر والمكتوبة بقلم مختلف وأغلب الظن المضافة لاحقا
… كان معروفا عنه أنه مدرس لغة فرنسية فى مدرسة ثانوية فى الصعيد ولم يكن له عائلة أو أصدقاء. كان يعيش وحيدا واختفى فى يوم ما ووجدت مشنوقا فى حجرته ولم يترك إلا حقيبة كبيرة وجد داخلها أشياء مختلفة، ملابس مقطعة، أحذية مثقوبة، كتب قديمة، قاموس، أوراق متفرقة من ضمنها هذه الفصول تحت عنوان فاوست الثالث لجوته الابن. لم يوجد أحد قريب من هذا الرجل الوحيد المنتحر فى مدينة عادية فى الصعيد.
فقط فى عام 1933 أعطانى جاستون فييت صديقى ومترجم درامتى المبنية على القصة المسيحية والقرآنية: نيام إفيس، هذه الفصول للحفيد الصغير لجوته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.