عباس شراقي: فيضانات السودان غير المعتادة بسبب تعطل توربينات سد النهضة    البداية الرقمية للنقل الذكي في مصر.. تراخيص إنترنت الأشياء للمركبات تدخل حيز التنفيذ    وزير الإسكان: بدء تصنيف حالات الإيجار القديم وفق شرائح الدخل    لماذا كل هذه العداء السيساوي لغزة.. الأمن يحاصر مقر أسطول الصمود المصري واعتقال 3 نشطاء    مقتل شخص وإصابة 15 في هجوم روسي على مدينة دنيبرو الأوكرانية    تشكيل منتخب مصر أمام نيوزيلندا في كأس العالم للشباب    سلوت عن جلوس صلاح على مقاعد البدلاء أمام جالاتا سراي: رفاهية الخيارات المتعددة    خطة إطاحة تتبلور.. مانشستر يونايتد يدرس رحيل أموريم وعودة كاريك مؤقتا    مصرع 7 عناصر إجرامية وضبط كميات ضخمة من المخدرات والأسلحة في مداهمة بؤرة خطرة بالبحيرة    الأرصاد: الخريف بدأ بطقس متقلب.. واستعدادات لموسم السيول والأمطار    مفتي الجمهورية يبحث مع وفد منظمة شنغهاي آليات التعاون ضد التطرف والإسلاموفوبيا    مواقيت الصلاة فى أسيوط غدا الأربعاء 1102025    ماجد الكدوانى ومحمد على رزق أول حضور العرض الخاص لفيلم "وفيها ايه يعنى".. صور    أمين الفتوى: احترام كبار السن أصل من أصول العقيدة وواجب شرعي    ولي العهد يتسلم أوراق اعتماد سفراء عدد من الدول الشقيقة والصديقة المعينين لدى المملكة    محافظ القاهرة يناقش ملف تطوير القاهرة التراثية مع مستشار رئيس الجمهورية    من القلب للقلب.. برج القاهرة يتزين ب لوجو واسم مستشفى الناس احتفالًا ب«يوم القلب العالمي»    بعد رصد 4 حالات فى مدرسة دولية.. تعرف علي أسباب نقل عدوى HFMD وطرق الوقاية منها    جارناتشو يقود هجوم تشيلسى ضد بنفيكا فى ليلة مئوية البلوز    البورصة المصرية.. أسهم التعليم والخدمات تحقق أعلى المكاسب بينما العقارات تواجه تراجعات ملحوظة    هل يجوز للمرأة اتباع الجنازة حتى المقابر؟ أمين الفتوى يجيب.. فيديو    "أنا حاربت إسرائيل".. الموسم الثالث على شاشة "الوثائقية"    أحمد موسى: حماس أمام قرار وطنى حاسم بشأن خطة ترامب    محافظ قنا يسلم عقود تعيين 733 معلمًا مساعدًا ضمن مسابقة 30 ألف معلم    داعية: تربية البنات طريق إلى الجنة ووقاية من النار(فيديو)    نقيب المحامين يتلقى دعوة للمشاركة بالجلسة العامة لمجلس النواب لمناقشة مشروع قانون "الإجراءات الجنائية"    بلاغ ضد فنانة شهيرة لجمعها تبرعات للراحل إبراهيم شيكا خارج الإطار القانوني    "الرعاية الصحية" تطلق 6 جلسات علمية لمناقشة مستقبل الرعاية القلبية والتحول الرقمي    البنك الزراعي المصري يحتفل بالحصول على شهادة الأيزو ISO-9001    محمود فؤاد صدقي يترك إدارة مسرح نهاد صليحة ويتجه للفن بسبب ظرف صحي    مصر تستضيف معسكر الاتحاد الدولي لكرة السلة للشباب بالتعاون مع الNBA    بدر محمد: تجربة فيلم "ضي" علمتنى أن النجاح يحتاج إلى وقت وجهد    «العمل» تجري اختبارات جديدة للمرشحين لوظائف بالأردن بمصنع طوب    بعد 5 أيام من الواقعة.. انتشال جثمان جديد من أسفل أنقاض مصنع المحلة    المبعوث الصينى بالأمم المتحدة يدعو لتسريع الجهود الرامية لحل القضية الفلسطينية    اليوم.. البابا تواضروس يبدأ زيارته الرعوية لمحافظة أسيوط    حسام هيبة: مصر تفتح ذراعيها للمستثمرين من جميع أنحاء العالم    موعد إجازة 6 أكتوبر 2025 رسميًا.. قرار من مجلس الوزراء    الأمم المتحدة: لم نشارك في وضع خطة ترامب بشأن غزة    انتشال جثمان ضحية جديدة من أسفل أنقاض مصنع البشبيشي بالمحلة    وفاة غامضة لسفير جنوب أفريقيا في فرنسا.. هل انتحر أم اغتاله الموساد؟    برج القاهرة يتزين ب لوجو واسم مستشفى الناس احتفالًا ب«يوم القلب العالمي»    لطلاب الإعدادية والثانوية.. «التعليم» تعلن شروط وطريقة التقديم في مبادرة «أشبال مصر الرقمية» المجانية في البرمجة والذكاء الاصطناعي    تعليم مطروح تتفقد عدة مدارس لمتابعة انتظام الدراسة    التقديم مستمر حتى 27 أكتوبر.. وظائف قيادية شاغرة بمكتبة مصر العامة    كونتي: لن أقبل بشكوى ثانية من دي بروين    «مش عايش ومعندهوش تدخلات».. مدرب الزمالك السابق يفتح النار على فيريرا    «الداخلية»: تحرير 979 مخالفة لعدم ارتداء الخوذة ورفع 34 سيارة متروكة بالشوارع    احذر من توقيع العقود.. توقعات برج الثور في شهر أكتوبر 2025    عرض «حصاد» و «صائد الدبابات» بمركز الثقافة السينمائية في ذكرى نصر أكتوبر    بيدري يعلق على مدح سكولز له.. ومركزه بالكرة الذهبية    الملتقى الفقهي بالجامع الأزهر يحدد ضوابط التعامل مع وسائل التواصل ويحذر من انتحال الشخصية ومخاطر "الترند"    قافلة طبية وتنموية شاملة من جامعة قناة السويس إلى حي الجناين تحت مظلة "حياة كريمة"    انكماش نشاط قناة السويس بنحو 52% خلال العام المالي 2024-2025 متأثرا بالتوترات الجيوسياسيّة في المنطقة    ضبط 5 ملايين جنيه في قضايا اتجار بالنقد الأجنبي خلال 24 ساعة    التحقيق مع شخصين حاولا غسل 200 مليون جنيه حصيلة قرصنة القنوات الفضائية    السيسي يجدد التأكيد على ثوابت الموقف المصري تجاه الحرب في غزة    الأهلي يصرف مكافآت الفوز على الزمالك في القمة للاعبين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سمير فريد يكتب:مدخل إلى ثلاثية سابو «شياطين الإنسانية» التى تعرضها مكتبة الإسكندرية من اليوم فى إطار احتفالها ب9 مايو «يوم أوروبا»

لم أحضر أى مهرجان قومى إلا فى مصر والمغرب والمجر. كان مهرجان المجر أول مهرجان قومى ألبّى دعوته عام 1969، وأنا فى السادسة والعشرين من عمرى، ولم أكن أعرف قبل ذلك أن هناك مهرجانات قومية، أى مهرجانات تخصص للإنتاج المحلى وحده، وإنما أعرف المهرجانات الدولية فقط منذ مهرجان «كان» فى دورته العشرين عام 1967.
طرت فرحاً بفكرة أن يكون هناك مهرجان أشاهد فيه إنتاج بلد واحد فى سنة كاملة، أو مختارات من ذلك الإنتاج، فهذه فرصة للدراسة والتأمل ولمعرفة أعمق بهذه السينما. وكان المهرجان يقام سنة فى العاصمة بودابست، والسنة التالية فى مدينة بيش من مدن الأقاليم المجرية. وكانت دورة 1969 فى بيش.
عدت من المجر، واقترحت على الصديق والأستاذ الكاتب الراحل سعدالدين وهبة إقامة مهرجان قومى للسينما فى مصر على غرار المهرجان القومى فى المجر، وكان وهبة آنذاك رئيساً لهيئة قصور الثقافة، وقلت لنبدأ بمهرجان قومى للأفلام التسجيلية والقصيرة فى القاهرة، ثم مهرجان قومى للأفلام الروائية الطويلة فى العام التالى فى إحدى مدن الأقاليم.
وبالفعل أقيم مهرجان الأفلام التسجيلية والقصيرة الأول فى القاهرة عام 1970، ثم مهرجان الأفلام الروائية الطويلة الأول فى بلطيم عام 1971، وبينما استمر مهرجان الأفلام التسجيلية والقصيرة كل سنة حتى الآن، توقف مهرجان الأفلام الروائية الطويلة بعد الدورة الثانية عام 1973، ولم يستأنف إلا عام 1991 عندما اقترحت على الفنان فاروق حسنى، وزير الثقافة، إقامته، وكنت عضو المكتب الفنى للوزير، والمستشار الفنى لصندوق التنمية الثقافية مع تأسيسه، وكان مديره الناقد التشكيلى سمير غريب.
ولمدة خمس سنوات على التوالى من 1987 إلى 1983 حضرت المهرجان القومى للسينما المجرية، وأصبحت صديقاً للعديد من المخرجين والنقاد والمؤرخين والخبراء المجريين، ومنهم المخرج وفنان السينما الكبير اشتفان سابو، الذى توثقت علاقتى به عندما كان يرأس لجنة تحكيم مهرجان أوبرهاوزن للأفلام التسجيلية والقصيرة عام 1978، وكنت عضواً فى اللجنة، مما أتاح قضاء أسبوع كامل معه، ومع بقية أعضاء اللجنة.
اشتفان سابو
لفتت موهبة «سابو» الأنظار منذ فيلم تخرجه فى أكاديمية بودابست عام 1961، وعنوانه «حفل موسيقى»، حيث فاز بجائزة نقاد السينما فى المجر عام 1962، وجائزة مهرجان أوبرهاوزن عام 1963، وكان أحد ثلاثة مهرجانات كبرى للأفلام التسجيلية والقصيرة فى العالم فى ذلك الوقت مع ليبزج فى «ألمانيا الشرقية»، وكراكوف فى بولندا.
وعن فيلمه الروائى الطويل الأول «وقت أحلام النهار» عام 1964 فاز سابو بالفهد الفضى فى مهرجان لوكارنو عام 1965، وعن الفيلم الثانى «أب» فاز بالجائزة الكبرى فى مهرجان موسكو عام 1967، ثم فاز بالدب الفضى عن فيلمه «ثقة» فى مهرجان برلين 1979. وهذه هى أهم الجوائز التى فاز بها، وليست كل الجوائز..
غير أن النجاح الدولى الكبير جاء مع فيلمه «ميفيستو» عام 1981 الذى عرض فى مسابقة مهرجان «كان» ذلك العام، وفاز بجائزة السيناريو، ثم فاز بأوسكار أحسن فيلم أجنبى عام 1982، وفاز بنفس الجائزة (أحسن فيلم أجنبى) فى نفس العام فى مسابقة «دافيد دى دوناتيللو» التى تعادل الأوسكار فى إيطاليا، وفى مسابقة نقاد بريطانيا، ومسابقة نقاد إيطاليا، ومسابقة نقاد بولندا، ومسابقة «ناشيونال فيلم رفيو» فى نيويورك، وأصبح من تحف السينما العالمية.
وبعد «ميفيستو» أخرج سابو «كولونيل ريدل» عام 1984، الذى عُرض فى مسابقة مهرجان كان، وفاز بجائزة لجنة التحكيم، ثم «هانوسين» عام 1988 الذى عُرض فى مسابقة مهرجان كان أيضاً.
ثلاثية شياطين الإنسانية
لم يطلق «سابو» على الأفلام الثلاثة أنها «ثلاثية»، ولكن بعض النقاد، وبعد الفيلم الثالث، قال إنه صنع الأفلام، ويترك للنقاد تقدير ذلك.
وفى رأيى أنها ثلاثية، ويمكن أن تسمى «شياطين الإنسانية»، وذلك لعدة أسباب هى، وبالترتيب، أنها فى نفس الفترة الزمنية من عشية الحرب العالمية الأولى (1914-1918) إلى صعود النازى إلى السلطة فى ألمانيا عام 1933، وأنها تدور فى نفس الأماكن بين بودابست وفيينا وبرلين، منذ نهاية الإمبراطورية المجرية النمساوية، وأن «سابو» صنع الأفلام الثلاثة على التوالى، مع كاتب سيناريو واحد، وهو بيتر دوباى، ومع مدير تصوير واحد هو لايوس كولتاى الذى صورها بالألوان،
 ومع مونتيرة واحدة هى سوزا ساكانى، ومدير فنى (ديكور وأزياء) واحد هو جوزيف رومفارى، وإن اشترك معه فى الفيلم الثالث لازلو ماكاى وجيولا روث، وبينما ألّف موسيقى الفيلمين الأولين زدنيكو تاماسى، ألّف موسيقى الفيلم الثالث جورجى فوكان، ومثّل الأدوار الرئيسية فى الأفلام الثلاثة كلاوس ماريا برانداور، وبالطبع تعبر الأفلام الثلاثة عن رؤية فكرية واحدة، وبأسلوب واحد، والاختلاف الوحيد بينها فى القصة الأدبية.
وقصص الأفلام الثلاثة يجمعها أنها مستمدة من حياة ثلاثة أشخاص حقيقية عاشت فى هذه الفترة، منذ بداية القرن العشرين حتى تولى هتلر السلطة فى ألمانيا عام 1933، والفترة التى سميت «بين الحربين» بعد بدء الحرب العالمية الثانية عام 1939.
فاوست وجوته
يعتبر الشاعر الألمانى جوته (1749-1832) من أعظم الشعراء فى كل اللغات وفى كل العصور، وتعتبر مسرحيته «فاوست» من أعظم أعماله.
صدرت الطبعة الأولى للترجمة العربية الأولى لمسرحية «فاوست» عام 1929، وترجمها عن الألمانية محمد عوض محمد فى سلسلة كتب لجنة التأليف والترجمة والنشر.
وقد قدم طه حسين لهذه الترجمة، فقال «قرأت فيما قرأت أن جوته قرأ فى آخر أيامه ترجمة فرنسية لفاوست أصدرها الشاعر الفرنسى المعروف جيرار دى نرفال، فأعلن الرضا عنها والإعجاب بها وقال لبعض محدثيه إنه منذ سنين لا يحب أن يقرأ فاوست فى الألمانية، وإن هذه الترجمة الفرنسية قد حببت إليه النظر فى هذا الكتاب. كان ذلك قبل أن يموت جوته بسنة أو سنتين.
وأشهد لو قُدّر لجوته أن يعيش إلى هذا العصر أو قُدّر لعوض أن تتقدم فيه الحياة إلى أوائل القرن الماضى لقال جوته فى ترجمته مثل ما قال فى ترجمة جيرار دى نرفال».
ويقول طه حسين: «المصدر الظاهر لهذه القصة هى أسطورة الدكتور فاوست التى كانت شائعة فى أواخر القرون الوسطى وأوائل العصر الحديث، والتى تناولها بعض الكتاب الإنجليز والألمان فكتبوا فيها كتباً مختلفة، بل وصنعوها صنعاً تمثيلياً، ولكن لهذه القصة مصادر أخرى، فلم تكن أسطورة الدكتور فاوست إلا قالباً صبت فيه فكرة أدبية فلسفية راقية».
ويلخص فاوست قائلا:ً «بدأ الشاعر بمحاكاة التوراة فى سفر أيوب، فأنشأ حواراً بين الله والشيطان حول حب الإنسان لله وقوته على الوفاء له، وانتهى هذا الحوار فى فاوست.. برهان بين الله والشيطان موضوعه هذا العالم الجليل الدكتور فاوست الذى أخلص حبه لله والعلم».
ويستطرد طه حسين: «يزعم الشيطان أنه قادر على إغوائه ويأبى الله عليه ذلك وينظره، فيندفع الشيطان إلى الدكتور فاوست فيصادفه فى ساعة سيئة من ساعات حياته، قد سئم العلم ويئس منه، وعجز الدين عن أن يسليه ويمنحه ما كان يطمح إليه من الوقوف على سر الحياة والاطمئنان إليه، فما يزال يحاوره حتى ينتهى به إلى عهد بينهما».
ويقول: «يصبح الشيطان عبداً لفاوست يتيح له كل ما يريد من يسير وعسير، ويذيقه كل ما يشتهى من لذات الحياة على اختلافها جليلها وحقيرها، على أن يكون فاوست فى آخر أمره، إذا لم يعجز الشيطان عن إرضائه، عبداً للشيطان».
وفى الكتاب الذى صدر لعباس محمود العقاد بمناسبة الذكرى المئوية الأولى لوفاة جوته عام 1932، وعنوانه «تذكار جوته»، ترجم العقاد مقاطع من فاوست فى لحظة اليأس: «لقد أصبحت لا تنازعنى وساوس ولا شكوك، ولا يروعنى ذكر الشيطان ولا الجحيم. ولكننى كذلك حرمت بهجة السرور. ولا أحسبنى تعلمت فى الواقع شيئاً نافعاً، أو أستطيع تعليم الأنام شيئاً فيه صلاح لهم وهداية».
وبينما اقتصرت ترجمة محمد عوض محمد على الجزء الأول من المسرحية، ترجم عبدالرحمن بدوى «فاوست» كاملة، وقدم لها بدراسة شاملة فاق حجمها حجم النص ذاته. وقد صدرت هذه الترجمة فى الكويت عام 1984، ولكن هناك شكوكًا حول احتمال تعرض الترجمة للحذف بواسطة الرقابة فى الكويت.
ومن المعروف أن أسطورة فاوست كانت موضوعاً للعديد من المسرحيات والروايات والقصائد لأكبر الكتاب والشعراء فى لغات عدة، ومنهم مارلو وأوسكار وإيلد فى الإنجليزية، وبوشكين فى الروسية، وتوماس مان وليسينج فى الألمانية، وبول فاليرى فى الفرنسية، وكذلك توفيق الحكيم فى «عهد الشيطان» 1938، وعلى أحمد باكثير فى «فاوست الجديد» 1967، وغيرهما من الأدباء والشعراء فى العربية.
ميفيستو
ميفيستو فيليس هو الشيطان فى مسرحية جوته، وهو الدور الذى عرف به الممثل الألمانى جوستاف جرند جينز (1899-1963) والذى عمل فى مسرح الطليعة الاشتراكى بمدينة هامبورج بين 1923 و1928، حيث مثل 50 دوراً وأخرج 17 عرضاً مسرحياً، بل مثل وأخرج من تأليفه عدة مسرحيات، منها مسرحية عن ممثل عاش فى القرن التاسع عشر، وكان جمهورياً، ولكنه استسلم لإغواء السلطة الملكية، فكان مصيره السجن.
وفى عام 1925 أخرج جرند جينز مسرحية «آنيا وإستر» من تأليف كلاوس مان، ومثلها مع إريكا مان وتزوج منها عام 1926، ولكنه طلقها عام 1929. وكلاهما كلاوس وإريكا- ووالدهما توماس مان وعمهما هانيريش مان- كلاهما من أعظم كتاب ألمانيا فى القرن العشرين.
ولكن بينما كان توماس مان الذى فاز بجائزة نوبل عام 1929، كاتباً محافظاً يدافع عن القيم الألمانية التقليدية، كان أخوه اشتراكياً ومعادياً للنازية، وكذلك كلاوس وإريكا. ولذلك تم نفيهما خارج ألمانيا بعد وصول النازيين بقيادة هتلر إلى الحكم عام 1933. وكان توماس مان خارج ألمانيا أيضاً، وبقى فى المنفى.
وكما فى المسرحية التى ألفها عن الممثل الذى استسلم لإغواء السلطة، استسلم جرند جينز لإغواء الحزب النازى بعد أن وصل إلى السلطة، وعيّنه هتلر بنفسه مديراً لمسرح الدولة فى برلين. وفى عام 1941 أخرج ومثل «فاوست» جوته بتفسير يرضى النازيين، وفى هذا العرض لم يمثل فقط دوره الأثير ميفيستو الذى كان يمثله منذ عام 1919، وإنما مثل أيضاً دور فاوست فى نفس العرض.
وفى عام 1936 نشرت «الباريز تسايتونج» جريدة المنفيين الألمان التى كانت تصدر فى أمستردام رواية كلاوس مان «ميفيستو» فى حلقات، والتى تستوحى حياة جوستاف جرند جينز، ولكن اسمه فى الرواية هندريك هوفن.
ونشرت الرواية فى كتاب عام 1956 فى برلين «الشرقية»، ثم نشرت فى برلين الغربية عام 1963، وذلك بعد أن مات كلاوس مان منتحراً فى فرنسا عام 1949، ومات جرند جينز منتحراً فى الفلبين عام 1963. وقد رفع ابن جرند جينز بالتبنى دعوى قضائية لمنع نشر الرواية فى ألمانيا، ولكنه خسرها فى الاستئناف عام 1968.
قدمت رواية كلاوس مان على «مسرح الشمس» فى باريس من إعداد وإخراج مؤسسته المبدعة أريان منوشكين عام 1979، وفى العام التالى بدأ اشتفان سابو تصوير فيلمه عن الرواية الذى عُرض عام 1981.
 وبالطبع فإن قيمة رواية كلاوس مان ومسرحية منوشكين وفيلم سابو لا تستمد من الحكاية مثل كل الأعمال الفنية الكبيرة، أى حكاية ممثل أغوته السلطة، وإنما من التعبير عن الشخصية على نحو مركب يعبر عن العصر، ويكشف آليات العلاقة بين المثقف والسلطة عموماً، ويحذر من البربرية بكل أشكالها، حتى إن هوفن يبدو غاوياً بقدر ما هو ضحية الإغواء.
كولونيل ريدل
مثّل جرند جينز دور ميفيستو وفاوست معاً، معبراً عن الانقسام الذى عاشه فى حياته عندما باع روحه للشيطان النازى، وكان الشيطان فى داخله فى نفس الوقت، أو أن الشيطان النازى أخرج الشيطان داخله، وربما لا يكون من الغريب، وهو الفنان الحقيقى الموهوب أن ينتهى الأمر به إلى الانتحار.
وفى الحقيقة أيضاً مات كولونيل ألفريد ريدل منتحراً عام 1913. وكان ضابطاً فى الجيش الثامن فى براج ورئيس قسم المخابرات العسكرية التابعة لوزارة الدفاع فى فيينا عشية سقوط الإمبراطورية النمساوية المجرية.
وفى عام 1924 أزاح إيجون أروين كيش، وهو صحفى من براغ، جدار الصمت حول انتحار ريدل فى كتابه «المخبر الصحفى المتوهج»، الذى جاء فيه أن ريدل أعطى معلومات للروس، وأن الملحق العسكرى الروسى فى فيينا هدده بتأكيد ما يتردد عن أنه مثلى جنسياً ويهودى إذا لم يتعاون معه.
وفى عام 1945 كتب كيش مسرحية عن ريدل عُرضت فى المكسيك بواسطة المهاجرين الألمان هناك. كما كانت قضية ريدل موضوعاً لبحث قام به المؤرخ الأمريكى روبرت ب. أسبرى، وأوحت برواية ستيفان زفايج «عالم الأمس»، ومسرحية جون أوزبورن «بورتريه شخصى».
وبقدر ما كانت النازية شيطان جرند جينز، كان التطلع الطبقى بحكم نشأته فى أسرة فقيرة، والعداء لليهود والمثليين، شيطانى ريدل اللذين دفعاه ليصبح ضابطاً فى جيش الإمبراطورية النمساوية المجرية عندما كان السائد أن يكون الضباط من الطبقة الأرستقراطية.
ومن حيث المشكلة الطبقية كان هذا حال هتلر ذاته، كما أن من سمات النازية الأساسية العداء لليهود ضمن العداء لكل ما هو غير مسيحى، وكل ما هو غير ألمانى، والعداء للمثليين ضمن العداء لكل ما هو «غير طبيعى»، بمن فى ذلك الأغبياء والمتخلفون عقلياً.
هانوسين
أما هانوسين، فهو عن «الساحر» كلاوس شنيدر، الذى أطلق على نفسه اسم إريك يان هانوسين، وكان من أشهر «السحرة» فى أوروبا فى العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين، ودوّت شهرته الآفاق عندما «تنبأ» بفوز هتلر فى انتخابات 1933 وحرق البرلمان الألمانى (ريشتاخ) وتحققت نبوءته، ورأى الحزب النازى أن يستعين به، وبقدراته غير العادية، وكان أصله جنديا صغيرا فى جيش الإمبراطورية النمساوية المجرية أثناء الحرب العالمية الأولى.
هانوسين ليس الممثل الذى مثّل دور الشيطان، وتعاون مع شيطان الإنسانية النازى، ثم أصبح من شياطينها بدوره، وليس ريدل الذى قفز من قاع المجتمع إلى قمته، وعانى من شياطين الإنسانية النازيين، وسقط فى الحفرة التى حفرها للآخرين، ولم يحتمل الحياة، فانتحر، وإنما هانوسين هو الشيطان ذاته مجسداً على الأرض على شكل «ساحر» من البشر، يتنبأ بالانتصار السياسى لساحر آخر هو هتلر الذى يبدو وكأنه «سحر» الشعب الألمانى وشعوب أخرى فيما يعرف باسم «كاريزما» الزعماء السياسيين والنجوم فى كل المجالات. وقد ذهب كلاهما، وكل شياطين الإنسانية، إلى الجحيم.
اشتفان سابو
* مجرى.
* مخرج وكاتب سيناريو.
* وُلد عام 1938.
* تخرج فى قسم السينما بأكاديمية الدراما 1961.
* أخرج ثلاثة أفلام تسجيلية و4 أفلام روائية قصيرة من 1961 إلى 1976.
* فاز بالدب الفضى فى مهرجان برلين عام 1979 عن «ثقة» وعام 1992 عن «إيما الوديعة وبوبى العزيز».
* فاز بأوسكار أحسن فيلم أجنبى عام 1982 عن «ميفيستو».
* أفلامه الروائية الطويلة:
1- وقت أحلام النهار 1964
2- أب 1966
3- فيلم عن الحب 1970
4- 25 شارع فريمان 1973
5- الأول 1974
6- حكايات بودابست 1976
7- ثقة 1979
8- الطائر الأخضر 1979
9- ميفيستو 1981
10- مسرحية القطط 1982
11- بال 1983
12- كولونيل ريدل 1984
13- هانوسين 1988
14- لقاء فينوس 1991
15- إيما الوديعة وبوبى العزيز 1992
16- شروق الشمس 1999
17- الانحياز 2001
18- أن تكونى جوليا 2004
19- أقارب 2006
 [email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.