حذَّرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، اليوم السبت، من أن الأوضاع في قطاع غزة، الآن، أسوأ بكثير من الفترة التي سبقت حرب الصيف الماضي بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، من كل اتجاه، مؤكدةً أنَّ مشاهد البؤس هي واحدة من أشياء قليلة متوفرة في الشريط الساحلي الذي وصفته ب"المطحون". وقال مايكل بوث، مدير مكتب الصحيفة في القدسالمحتلة، في تحقيق نشر اليوم على الموقع الإلكتروني للصحيفة، إنَّ إعادة بناء عشرات الآلاف من المنازل المدمرة والمتضررة في القتال الذي بدأ بعد ستة أشهر تقريبًا من وقف إطلاق النار ستستغرق عقودًا لكي يعاد بناؤها من جديد، وفق معدلات البناء الحالية، موضحًا أنَّ الاقتصاد يعاني ركودًا شديدًا، وأنَّ التعهدات بمليارات من المساعدات لم تنفذ، بينما ترفض الحركة الإسلامية الحاكمة للقطاع "حماس" أن تخفف من قبضتها على القطاع وتعد من جديد للحرب. ويرى عمر شعبان، وهو خبير اقتصادي مرموق في قطاع غزة: "بعد كل حرب.. نقول إنَّ لا شيئًا يمكن أن يكون أسوأ، لكن هذه المرة أقول إنها هي الأسوأ على الإطلاق". وأضاف: "لا وجه للحياة هنا.. التجارة.. الاستيراد.. الإعمار.. المساعدات.. ميتة.. لا أبالغ عندما أقول للأصدقاء في الخارج غزة قد تنهار.. قريبًا جدًا". وذكرت الصحيفة أنَّ غزة تتلألأ في المساء بضوء آلاف من مواقد الحطب حيث لا تتوافر الكهرباء سوى ست ساعات في اليوم، وأن نحو عشرة آلاف من سكان القطاع ما زالوا ينامون على أرضيات مدارس تديرها الأممالمتحدة، وأن كثيرين آخرين يعيشون في عربات كبيرة متنقلة "كرافانات" أو في خيام أو داخل منازلهم المتضررة جراء القصف. وأضافت أنَّ حرب الخمسين يومًا بين إسرائيل وحماس -وهي الحركة التي تعتبرها الولاياتالمتحدة إرهابية- خلفت أكثر من 2100 فلسطيني قتيل، 70% منهم مدنيون، وفق إحصاءات الأممالمتحدة، وتقول إسرائيل إنَّ نصف الفلسطينيين القتلى مسلحون. وقتل في الحرب 72 إسرائيليًا غالبيتهم من الجنود، كما توقفت المساعدات المالية من الأممالمتحدة للاجئين المشردين، وأفلس البرنامج الشهر الماضي. واعتبر إسحق هرتزوج، زعيم حزب العمل الإسرائيلي، في مؤتمر أمني، في ميونيخ، الأسبوع الماضي، أنَّ غزة أصبحت "برميل بارود" يمكن أن ينفجر في أي لحظة، مضيفًا أنَّ غزة في حاجة إلى خطة مارشال مصغرة تشبه البرنامج الأمريكي الذي بموجبه تم إعادة بناء اقتصادات مدمرة في اوروبا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية. وأشارت الصحيفة إلى أنَّ المانحين تعهَّدوا في مؤتمر في القاهرة، في أكتوبر الماضي، بتقديم نحو خمسة مليارات دولار للفلسطينيين، تذهب معظمها للإعمار، غير أن أيًا من هذه التعهدات لم يتحقق وفقًا لمسؤولين في الأممالمتحدة في قطاع غزة، موضحةً أن أحد أسباب الامتناع عن المساعدات هي الحركة الإسلامية الحاكمة للقطاع الذي يأوي مليون و800 ألف نسمة. ونوهت الصحيفة إلى أنه لدى الانضمام ل "حكومة وحدة" العام الماضي وافقت حماس على السماح للرئيس الفلسطيني محمود عباس والسلطة الفلسطينية "السلطة المعتدلة في الضفة الغربية" بالعودة إلى قطاع غزة، وأشارت الى أن حماس فازت في انتخابات عام 2006 وخاضت حركة فتح معركة دامية وخاسرة ضد حماس للسيطرة على قطاع غزة في عام 2007. وفي الأشهر التي أعقبت حرب الصيف الماضي نأت حماس بنفسها عن كثير من مسؤوليات الحكم لكنها لم تتخل عن قبضتها المحكمة على قطاع غزة، والشهر الماضي أدار الجناح العسكري للحركة معسكرات تدريب ل 17 ألف شاب تتراوح أعمارهم بين 15 و21 على بنادق الكلاشينكوف والقفز وكيفية إجراء المساعدات الأولية، تمهيدًا للحرب المقبلة ضد إسرائيل، ونفذت حماس هذه التدريبات في الوقت الذي لم تدفع فيه الرواتب لموظفي البلديات. وقالت "واشنطن بوست" إنَّ وزير الخارجية الإسرائيلي أفيجدور ليبرمان تنبأ الأسبوع الماضي أن حربًا أخرى مع حماس "لا مفر منها"، منبِّهةً إلى أنَّ إسرائيل وحماس خاضتا ثلاثة حروب في ستة أعوام، وقالت إنَّ قوات حماس الأمنية ما زالت تفرض سيطرتها من جانبها على ثلاثة معابر للتجارة والسفر مع إسرائيل ومصر وقطاع غزة، والصحفيون الذين يصلون من إسرائيل يجب أن تدمغ أوراقهم وتصريحاتهم من كوادر حماس. وأوضحت أنه بعد ستة أشهر من وقف إطلاق النار مازال هناك 100 ألف مشرد ويطهو الناس طعامهم على نار يوقدونها في العراء في الوقت الذي تبخرت فيه أموال المساعدات، وأنَّ السلطة الوطنية الفلسطينية فشلت في تأكيد نفسها بأي شكل ملحوظ، وأنَّ رئيس وزراء حكومة الوحدة لم يقم بزيارة القطاع سوى مرة واحدة منذ تشكيل الحكومة. وأشارت إلى أنَّ الإسلاميين الذين يعتبرون حركة حماس "معتدلة" اقتحموا المركز الثقافي الفرنسي في قطاع غزة الشهر الماضي لغضبهم من رسوم صحيفة شارلي إيبدو الفرنسية الساخرة، وفجَّروا ماكينات الصراف الآلي بالقنابل في قطاع غزة، ولا أحد يعرف من الذي يزرع تلك العبوات الناسفة، وخلال الشهر الماضي انفجرت ثلاث سيارات ملغومة على الأقل في غزة. وقال دبلوماسي أجنبي، تدير حكومته برامج مساعدات في قطاع غزة، تحدث، شريطة عدم الكشف عن هويته، إنَّ عباس وحكومته يعتبران قطاع غزة مثل "حفاظة قذرة" لا أحد يريد أن يلمسها. وقالت الصحيفة إن إسرائيل تحد من الواردات إلى قطاع غزة وتخضعها للرقابة بسبب مخاوف عسكرية من أن تستخدم مواد البناء كالأسمنت والمواسير في بناء الأنفاق والحصون والصواريخ. وقال ضابط في المخابرات الحربية الإسرائيلية في مقابلة، إنَّ حماس بالفعل تصنع صواريخ وأنه منذ نهاية حرب الصيف الماضي أطلق مسلحو حماس ثلاثة صواريخ على إسرائيل. ومضت الصحيفة تقول إن الفلسطينيين في غزة يشعرون الآن أنهم محاصرون أكثر من أي وقت مضى فيما يصفونه ب "سجن مفتوح" فإسرائيل تقيد الخروج ولا تسمح إلا للمرضى والشركاء التجاريين وبعض الحالات الإنسانية الخاصة بالعبور.