بعد مرور شهرين على إعلان اتفاق وقف إطلاق النار بين الفصائل الفلسطينية، وإسرائيل برعاية مصرية، لا شيء تغير في شوارع وأحياء قطاع غزة سوى توقف الموت. ولا يشعر سكان قطاع غزة (1.9 مليون نسمة)، بعد ستين يوما، سوى بالإحباط فالمعاناة الإنسانية تتفاقم، وتزداد يوما بعد آخر، وتطال كافة مناحي الحياة، بسبب تداعيات الحرب الإسرائيلية الأخيرة، وما خلّفته من آثار على مدار 51 يوما، بالتزامن مع استمرار الحصار، وعدم فتح المعابر، كما تنص اتفاقية الهدنة. وتوصل الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي، قبل ستين يوما (يوم 26 أغسطس/ آب الماضي)، إلى هدنة طويلة الأمد، برعاية مصرية، تنص على وقف إطلاق النار، وفتح المعابر التجارية مع غزة، بشكل متزامن، مع مناقشة بقية المسائل الخلافية خلال شهر من الاتفاق، ومن أبرزها تبادل الأسرى وإعادة العمل إلى ميناء ومطار غزة. وجاءت هذه الهدنة، بعد حرب شنتها إسرائيل على قطاع غزة في السابع من يوليو/تموز الماضي، واستمرت 51 يوماً، أسفرت عن مقتل 2165 فلسطينياً، وإصابة أكثر من 11 ألفاً آخرين، فضلاً عن تدمير 9 آلاف منزل بشكل كامل، و8 آلاف منزل بشكل جزئي، وفق أرقام فلسطينية رسمية. في المقابل، أفادت بيانات رسمية إسرائيلية بمقتل 68 عسكريا، و4 مدنيين إسرائيليين، إضافة إلى عامل أجنبي واحد، وإصابة 2522 إسرائيلياً، بينهم 740 عسكريا. ويوم 23 سبتمبر/أيلول الماضي، توافق الجانبان الفلسطيني والإسرائيلي، على الالتزام بتثبيت التهدئة لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، وقدما مقترحاتهما لجدول أعمال بحث القضايا العالقة على أن يتم استكمال المفاوضات غير المباشرة نهاية الشهر الجاري بالقاهرة. وبعد مرور شهرين من اتفاق وقف إطلاق النار، يقول مسؤولون فلسطينيون إنه ما من تغيير فعلي، على إجراءات رفع الحصار عن غزة، لم تبدأ، وأنّ الحركة التجارية على معابر القطاع لم تشهد أي تغيير. وبعد شهرين من الهدنة، ترصد وكالة الأناضول للأنباء، أبرز التطورات والأحداث الميدانية في الشهرين الأولين للهدنة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية. - في الرابع عشر من الشهر الجاري، سمحت إسرائيل بدخول دفعة أولى من مواد بناء (نحو 75 شاحنة) من مواد البناء إلى قطاع غزة، عبر معبر كرم أبو سالم، المنفذ التجاري الوحيد لقطاع غزة بعد حظر دام سبع سنوات، وفقاً لاتفاق ثلاثي بين إسرائيل والسلطة، والأممالمتحدة، الخاص بتوريد مواد البناء، لإعمار ما دمرته الحرب الإسرائيلية الأخيرة. ويشتمل اتفاق الأممالمتحدة، على آلية لمراقبة ضمان عدم استخدام مواد البناء التي سيتم توريدها إلى غزة لأغراض أخرى بخلاف عملية الإعمار( في إشارة لاستخدام الفصائل المسلحة مواد البناء في تشييد الأنفاق). وتتمثل هذه الآلية، في الاعتماد على جداول يقدمها الفلسطينيين، مسبقا، بحاجتهم من مواد البناء للجهات المختصة لاعتمادها ومراقبة استخدامها من خلال مراقبين دوليين. وبعد دخول الدفعة الأولى لم يتم إدخال أي دفعات أخرى وفق منير الغلبان، مدير الجانب الفلسطيني من معبر كرم أبو سالم. وقال الغلبان، لوكالة الأناضول، إن مواد البناء التي تدخل إلى قطاع غزة، هي لصالح المشاريع الخاصة بوكالة غوث وتشغيل اللاجئين "أونروا". ووفق الغلبان، فإن المعبر، ومنذ وقف إطلاق النار، منذ شهرين يعمل بالحجم الاستيعابي الذي كان يعمل به وقت الحرب الإسرائيلية على القطاع، ويُفتح لإدخال البضائع الغذائية، والإغاثات والشاحنات المحملة بالمساعدات. ولفت إلى أن معدل الشاحنات خلال الشهرين بشكل يومي، كان يتراوح ما بين 200 شاحنة إلى 350، لافتا إلى أن عدد الشاحنات لم يصل أو يتجاوز (400) شاحنة، ما يعطي فوق قوله مؤشرات بتحسين العمل على المعبر. ويربط قطاع غزة بإسرائيل في الوقت الحالي، معبران، الأول هو معبر بيت حانون شمالي قطاع غزة، الخاص بتنقل الأفراد من غزة إلى الضفة، ومعبر كرم أبو سالم، أقصى جنوب قطاع غزة وهو المعبر التجاري الوحيد الذي أبقت عليه إسرائيل بعد إغلاقها لأربعة معابر تجارية، في عام 2007، عقب سيطرة حماس على القطاع. وبالنسبة لمعبر بيت حانون "إيريز"، فقد ظل مفتوحا أمام سفر المرضى، ورجال الأعمال من غزة إلى الضفة، وإسرائيل بمعدل (50_350 مسافرا) يوميا، وفق الغلبان. وسمحت إسرائيل ل"1500، فلسطيني من قطاع غزة، بالتوجه إلى مدينة القدس خرجوا على ثلاث دفعات خلال أيام عيد الأضحى. وهي المرة الأولى التي تسمح السلطات الإسرائيلية فيها لفلسطينيين من سكان غزة، بزيارة مدينة القدس، منذ عام 2007. واشترطت السلطات الإسرائيلية أن يكون الراغبون بزيارة المسجد الأقصى، قد تجاوزوا الستين من أعمارهم، وألا يكونوا قد انخرطوا سابقا في "أعمال مناهضة للجيش الإسرائيلي". وأكد الغلبان أن الوعود التي نقلها الارتباط الفلسطيني، بأن إسرائيل وعدت بإدخال تسهيلات جديدة متعلقة بسفر سكان قطاع غزة إلى الضفة الغربية أو العمل داخل الأراضي الإسرائيلية، لم يتحقق منها أي شيء. وقامت السلطات الإسرائيلية، بإعادة ، شاحنات محمّلة ب14 طنا من المنتجات الزراعية، كانت في طريقها من قطاع غزة، إلى الضفة الغربية، للمرة الأولى منذ عام 2007، بعد قرار السماح بتصديرها. ومنذ عام 2007، وبعد أن فرضت إسرائيل حصارا مشددا على قطاع غزة، منعت تصدير أي منتجات زراعية إلى الضفة الغربية، واكتفت بالسماح بتصدير كميات محدودة إلى الأسواق الأوروبية. -أما معبر رفح ، الواصل بين مصر وقطاع غزة، فقد قال ماهر أبو صبحة، مدير دائرة المعابر في غزة، إنّ المعبر، ما زال مفتوح جزئيا، ويعمل بنفس الآلية التي بدأ العمل بها خلال الحرب الإسرائيلية على القطاع. ويربط معبر رفح البري، قطاع غزة بمصر، وهو معبر مخصص للأفراد فقط. وأغلقت السلطات المصرية، معبر رفح، الواصل بين قطاع غزة ومصر، بشكل شبه كامل، عقب عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي، في يوليو/ تموز 2013. ولم يتحدث اتفاق الهدنة بين الفصائل الفلسطينية، وإسرائيل، حول فتح معبر رفح، على اعتبار أنه "منفذ مصري فلسطيني"، ولا علاقة لإسرائيل به. وتنص اتفاقية المعابر التي وقعتها السلطة الفلسطينية مع إسرائيل، في 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2005 ، على وجود بعثة مراقبين أوروبيين، وكاميرات مراقبة إسرائيلية لفتح المعابر. ومنعت إسرائيل المراقبين الأوروبيين من دخول غزة، منذ منتصف عام 2006، في أعقاب أسر حركة حماس، للجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط (أفرج عنه بموجب صفقة تبادل أبرمتها إسرائيل مع حركة حماس برعاية مصرية في 11 أكتوبر/ تشرين الأول 2011). ومنذ ذلك الوقت، يعمل معبر رفح دون الاعتماد على أي اتفاقية، حيث تفتحه السلطات المصرية على فترات متباعدة للحالات الإنسانية، باعتباره معبرا رئيسيا يخضع لسيادتها، ولا يمكن أن تسمح بفتحه، حسب مصادر مسؤولة، إلى من خلال اتفاقية مع السلطة الفلسطينية التي تعتبرها السلطات في مصر هي السلطة الشرعية في فلسطين. -وتفاقم الوضع الإنساني في قطاع غزة، خلال الفترة الماضية، ويشكو الأهالي من انقطاع التيار الكهربائي، والمياه. ومع حلول فصل الشتاء، حذر مسؤولون فلسطينيون أن بينة غزة التحتية غير مجهزة لاستقبال الأمطار، وأن حلول الشتاء دون إعمار البيوت المدمرة، والبنية التحتية سيفاقم الوضع الإنساني أكثر فأكثر. وبحسب إحصائيات فلسطينية، فقد تجاوزت الخسائر الاقتصادية الإجمالية المباشرة وغير المباشرة في المباني والبنية التحتية وخسائر الاقتصاد بكافة قطاعاته في قطاع غزة، 5 مليار دولار تقريبا. وبعد شهرين من إعلان وقف إطلاق النار، لا يزال الركام الذي خلفته الحرب الإسرائيلية، متراكما في شوارع قطاع غزة، والذي قدرته وزارة الأشغال والإسكان الفلسطينية ب" 2.5 مليون طن"، مشيرة في ذات الوقت، إلى أن إزالته تحتاج إلى تمويل عاجل يُقدر ب"30′′ مليون دولار وفق الوزارة. وكان مؤتمر اعمار قطاع غزة، الذي عقد في القاهرة في الثاني عشر من الشهر الجاري ، قد جمع مبلغ 5.4 مليار دولار نصفها خصص لإعمار غزة، فيما خصص الجزء المتبقي لتلبية احتياجات الفلسطينيين. غير أن قطاع غزة، لم يشهد أي خطوة فعلية وحقيقية في بدء الإعمار، وبناء ما خلفته الحرب الأخيرة. وازدادت معدلات الفقر والبطالة في قطاع غزة، وبحسب اللجنة الشعبية لرفع الحصار عن قطاع غزة (غير حكومية)، فإنّ الحصار المفروض على القطاع، والحرب الإسرائيلية الأخيرة، خلّفا وضعاً كارثياً طال كافة مناحي الحياة، ورفعا نسبة الفقر إلى 90%، والبطالة إلى 65%، فيما معدل دخل الفرد اليومي وصل إلى دولار واحد فقط يومياً. وقال اتحاد العمال في قطاع غزة، إن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، رفعت عدد العاطلين عن العمل إلى قرابة 200 ألف عامل، يعيلون نحو 900 ألف نسمة. وعلى الصعيد الميداني، اتهم الفلسطينيون إسرائيل باختراق الهدنة، لتوغلها في مناطق جنوب قطاع غزة. وتوغلت آليات الجيش الإسرائيلي لمئات الأمتار، على أطراف مدينتي خانيونس، ورفح جنوبي قطاع غزة، 5 مرات خلال شهري الهدنة، وقامت بتجريف أراضٍ زراعية للمواطنين. فيما قالت نقابة الصيادين الفلسطينيين في قطاع غزة، إن أبرز الانتهاكات الإسرائيلية خلال الشهرين الماضي، تمثل في إطلاق نيران البحرية الإسرائيلية صوب مراكب الصيادين. وأُصيب صياد فلسطيني، خلال شهري الهدنة، كما يؤكد نقيب الصيادين الفلسطينيين في قطاع غزة، نزار عياش. ويقول عياش، إن البحرية الإسرائيلية تُطلق النيران بين الفينة والأخرى تجاه الصيادين، وتقول إنهم تجاوزوا مساحة الصيد المسموح بها، والمقدرة بستة أميال بحرية. ووفق عياش، فقد اعتقلت البحرية الإسرائيلية خلال شهر من الهدنة 18 من الصيادين، على فترات متباعدة. ووفق وزارة الزراعة في قطاع غزة، فإنّ قوات البحرية الإسرائيلية، قلّصت ، مساحة الصيد في بحر غزة إلى خمسة أميال بحرية، خلافا لاتفاق الهدنة الذي يسمح للصيادين بالوصول إلى ستة أميال. ووفق نقابة الصيادين في غزة، فإن نحو 4 آلاف صياد، يعيلون أكثر من 50 ألف نسمة يعملون في مهنة الصيد، تعرضوا لخسائر فادحة طيلة الحرب الإسرائيلية تجاوزت ال"6′′ ملايين دولار. ويقول مخيمر أبو سعدة، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر بغزة، إنّه وخلال شهري الهدنة، لم يتغير أي شيء على أرض الواقع، بل ازداد الأمر سوءا. وأضاف أبو سعدة لوكالة الأناضول:" الوضع كارثي جدا، وسكان قطاع غزة، خاصة المُدمرة بيوتهم، والمشردين تنتابهم أحاسيس الغضب والإحباط، فكل ما يتم تداوله عبارة عن تصريحات إعلامية، ووعود". وحذر أبو سعدة، من إمكانية تفجر الأوضاع في قطاع غزة، حال استمر الحال على ما هو عليه دون أي تغيير إيجابي. واستدرك بالقول:" لا يتم إدخال مواد بناء، وما تم إدخاله هو للإعلام فقط، البطالة تزداد، ومعدلات الفقر ترتفع، وأمام هذا الوضع الكارثي، فقد نشهد عودة إلى المشهد الذي يسبق الحرب الأخيرة، فتأخر إعادة إعمار القطاع، قد يكون "بمثابة قنبلة موقوتة" لحرب جديدة أو جبهة جديدة من الصراع". ووفق بيانات أممية، فإن أكثر من مائة ألف شخص من سكان غزة مازالوا مشردين حتى اللحظة، بينهم 50 ألف يعيشون في مبانٍ تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا).