فشل مشروع القرار الفلسطينى، رغم تعديله ومراجعته أكثر من مرة، الذى تقدمت به السلطة الفلسطينية إلى مجلس الأمن الدولى عبر الأردن (العضو غير دائم العضوية فى مجلس الأمن)، الذى يطالب بإنهاء الاحتلال الإسرائيلى وإعلان الدولة الفلسطينية. والآن وبعد فشل هذه الخطوة ما خيارات السلطة الفلسطينية، أو بالأحرى ما البدائل الممكنة لتحقيق المطالب التى وردت فى نص هذا المشروع، التى تضمنت التالى: العمل على التوصل إلى اتفاق سلام مع إسرائيل خلال سنة، وانسحاب إسرائيلى كامل من الأراضى المحتلة بحلول نهاية عام 2017. كما تضمن هذا المشروع الدعوة إلى وجود دولتين تتمتعان بالسيادة والديمقراطية والأمن هما فلسطين وإسرائيل، وأن تكون القدسالشرقية عاصمة لدولة فلسطين، وإلى إنهاء البناء الاستيطانى فى الضفة الغربيةوالقدسالشرقية. سؤال الخيارات البديلة إجابته شديدة الصعوبة لحزمتين من الأسباب، الحزمة الأولى تتعلق بالعجز العربى من ناحية عن طرح أى بديل له احترامه وقادر على تحقيق الأهداف الوطنية المشروعة فى الاستقلال وحق تقرير المصير، وللرفض الإسرائيلى والأمريكى المطلق لأى حل بديل للمفاوضات الثنائية المباشرة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية. أما الحزمة الثانية من الأسباب فتتعلق بالانقسام الفلسطينى حول خطوة التوجه إلى مجلس الأمن فى ظروف غير مواتية على نحو ما هو موجود الآن، ولضعف ما أعلنه الرئيس الفلسطينى محمود عباس (أبو مازن) من سياسات اعتبرها انتقامية فى حالة فشل المشروع، ورفضه فى مجلس الأمن، وهى سياسات اتخذت كدليل اتهام ضد الرئيس الفلسطينى نفسه من جانب معظم فصائل المعارضة الفلسطينية. مشروع القرار الفلسطينى لم يحظ إلا بثمانى دول مؤيدة، وكان المطلوب أن يحصل على تسع دول كى يمكن تمريره من إجمالى أعضاء مجلس الأمن البالغ عددهم 15 دولة. لكن حتى فى حالة الحصول على تسعة أو عشرة أعضاء مؤيدة كانت الولاياتالمتحدة ستستخدم حق الاعتراض الفيتو لإسقاطه حسب ما هددت الولاياتالمتحدة، ومن هنا كان اعتراض أطراف فلسطينية وعربية على إصرار السلطة على تقديم مشروعها الشهر الماضى دون انتظار التغيير، الذى سيلحق بعضوية مجلس الأمن هذا الشهر، الذى كان يمكن أن يوفر أغلبية مأمونة تضع الولاياتالمتحدة فى مأزق المصداقية وتضطرها إلى استخدام الفيتو ، لكن تسرع السلطة فى عرض المشروع أعفى الولاياتالمتحدة من استخدام الفيتو ، حيث وافق على المشروع الفلسطينى ثلاثة أعضاء دائمين من الأعضاء الخمسة: روسيا والصين ومعهما فرنسا فى تطور جديد ومهم وجدير بالاعتبار، فى حين صوتت ضده الولاياتالمتحدة، وامتنعت بريطانيا عن التصويت فى تطور جديد أيضا، يتماشى مع المواقف الأوروبية الجديدة المؤيدة لحق الشعب الفلسطينى فى إقامة دولته المستقلة. الآن، تقف إسرائيل والولاياتالمتحدة بالمرصاد ضد أى محاولة لفرض حل من طرف واحد وخارج إطار التفاوض الثنائى الإسرائيلى- الفلسطينى، الذى لم يحقق منذ اتفاق أوسلو عام 1993 أى خطوة إيجابية فى اتجاه ما ظل يُعرف ب حل الدولتين ، كل ما حدث هو أن إسرائيل مدعومة أمريكيا استغلت السنوات لفرض مشروعها هى ولتفريغ حل الدولتين من مضمونه عن طريق التوسع فى سياسة الاستيطان وتهويد الأرض، وفرض مشروع شعب واحد لدولة واحدة أى جعل فلسطين دولة موحدة للشعب اليهودى وحده دون منازع، وجعل القدس الموحدة أيضا عاصمة أبدية للدولة اليهودية. من هنا جاءت ردود الفعل الإسرائيلية استفزازية إلى أقصى حد على فشل مشروع القرار الفلسطينى على نحو ما جاء على لسان كل من وزير الخارجية إفيجدور ليبرمان ووزير الدفاع موشيه يعالون. فقد اعتبر ليبرمان أن فشل مشروع الفلسطينيين يجب أن يعلمهم حقيقة عدم تمخض الاستفزازات والمحاولات لفرض إجراءات أحادية على إسرائيل عن أى إنجاز . أما يعالون فكان أكثر صراحة عندما أكد أن حكومته لن تقدم التنازلات للفلسطينيين على حساب إسرائيل ومستقبلها . هذا الرفض الإسرائيلى لا يقارن بتطرف موقف الكونجرس الأمريكى المسيطر عليه الآن من الأغلبية الجمهورية على نحو ما ورد على لسان السيناتور ليندس جراهام، رئيس لجنة الميزانيات الخارجية بمجلس الشيوخ، الذى هدد الأممالمتحدة بوقف التمويل السنوى الأمريكى لها إذا هى تورطت وقبلت بمشروع القرار الفلسطينى، وأكد فى لقائه بتل أبيب مع نتنياهو أن الرد الأمريكى سيكون عنيفا من الكونجرس على كل محاولة من مجلس الأمن لوضع شروط للمفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين من دون إجراءات مباشرة بين الطرفين . واقع صعب لا يتوافق مع ما أعلنه الرئيس الفلسطينى محمود عباس من إجراءات تهديدية ردا على فشل مشروعه فى مجلس الأمن تتلخص فى الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية، ووقف التنسيق الأمنى مع إسرائيل وحل السلطة الفلسطينية. الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية يمكن أن يجلب مشكلات لعدد من قادة إسرائيل إذا ما صدرت قرارات بحقهم تتهمهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، لكنه لن يحل معضلة تعطل المفاوضات، وغياب فرص الحل. كما أن التهديد بوقف التنسيق الأمنى مع إسرائيل فتح أبواب الإدانة على مصراعيه للسلطة ورئيسها من كل فصائل المعارضة لاعترافه بوجود تنسيق أمنى بين السلطة والاحتلال، أما خيار حل السلطة فهو من وجهة نظر الكثير ليس أكثر من قنبلة دخان لا يقدر عليها أبو مازن. لكن تبقى أبواب الرد مفتوحة، إذا كانت هناك نية حقيقية على التوحد الفلسطينى حول مشروع وطنى لتحرير فلسطين. وهذه قضية أخرى فى حاجة إلى تفصيل.