«الثورة ومصر فى غرفة الإنعاش» رأى صادم، لم يتردد المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وكيل مؤسسى حزب الدستور «تحت التأسيس»، الدكتور محمد البرادعى، فى إعلانه ومصارحة الجميع به، خلال حواره التليفزيونى الذى أجرته معه الزميلة الصحفية لميس الحديدى، مساء أول من أمس، وذلك فى أول ظهور إعلامى له بعد عودته الأخيرة من العاصمة النمساوية فيينا، وعقب الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية. البرادعى، شدد على أن المرحلة التى تعيشها مصر حاليا، دقيقة، وقال «يجب أن نجد وسيلة لنتعايش معا قبل أن ينفجر الوضع»، لافتا إلى أن الثورة أديرت بطريقة بائسة، من قبل المجلس العسكرى والقوى السياسية، ومن ثم كانت الضحية، وللأسف، هم من قامت الثورة من أجل تحسين وضعهم، فى حين بات مكمن الخطر فى هذا المشهد هو «أننا نسينا مصريتنا، وأصبح كل طرف فى معسكره، كلٌّ له أجندة، وكلٌ يخون الآخر»، معتبرا أن إحباط الشعب جعل البعض يرغب فى عودة النظام السابق. البرادعى قدم حلولا للخروج من المأزق السياسى الحالى، وقال إن الديمقراطية هى فن الممكن، وحماية الأقليات، والتوافق والتصالح، مقترحا أن يكون الرئيس القادم مؤقتا لمدة سنة، حتى الانتهاء من الدستور، ثم يمكن إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية جديدة. وحول مستقبل الدستور الجديد واللجنة التأسيسة للدستور، أشار البرادعى إلى أن الدستور هو البداية لأى دولة عاقلة تمر بمرحلة التغيير، كما أن «التأسيسية» يجب أن تمثل كل أطياف المجتمع، كما كانت لجنة الخمسين التى شكلت دستور 1954، قاطعا بأن اللجنة التأسيسية للدستور حاليا لا تعبر عن كل المصريين، معتبرا أن حذف كلمة «مبادئ» من المادة الثانية، سيزيد من تأزم الوضع، فى حين طالب بأن يتضمن الدستور الجديد مبادئ الحرية والعدالة الاجتماعية، وقال فى تلك الحالة، قد أقبل الانضمام إلى اللجنة التأسيسية للدستور، رافضا الانضمام الآن دون وجود نية حقيقية، وفى ظل عدم الإصرار أو التمسك بوضع باب الحريات من دستور 54. من جانب آخر، أشار البرادعى إلى أن الشعب اكتشف أن البرلمان «أليف، وليس له أى صلاحيات»، وأن «المجلس العسكرى أحبط الثورة، وأساء إلى إدارة المرحلة الانتقالية»، وتابع: «من خلال زياراتى الأخيرة لبيروت وبروكسل، يمكننى التأكيد على استحالة قدوم المستثمرين إلى مصر فى ظل الأوضاع الحالية»، لافتا إلى أن مصر على حافة الإفلاس الاقتصادى، وأن الخطأ الحقيقى أن الثورة لم تُدِرْ نفسها فى عام ونصف، كما أن الثوار أخطؤوا، لأنهم لم يديروا الثورة ولم يتفقوا ولم يتحدوا، متسائلا «كيف يقول المجلس العسكرى إنه حمى الثورة، ونحن لم نر محاكمات لمن قتلوا الثوار؟». صاحب نوبل قال «حاولت أن أقود الثورة، ولكن الشباب تفرّق بعدها، ويجب أن نتعلم العمل العام، وتوحيد الصف، وتحكيم العقل، وليس العواطف، وأن نعرف أن القائد وحده لا يستطيع قيادة الحرب»، وأضاف: «ما زلنا نستمع إلى الأحاديث عن الأيادى الخفية والمؤامرات وهى سمات النظام الفاشى». وبخصوص انتخاب رئيس من دون دستور، وعدم ترشحه فى السباق الرئاسى، قال البرادعى «تحضرنى مقولة مارى منيب (إنتى جاية تشتغلى إيه؟)»، وتساءل «كيف أقبل الترشح لمنصب لا أعرف مهامه وصلاحياته؟»، ووصف المشهد الحالى والعلاقة بين السلطة القضائية والتشريعية والتنفيذية بالقول «ما تقوم به السلطات الثلاث حاليا هى وصلات ردح، والبلد الآن مالهاش صاحب»، وتابع: «السياسة هى عدم المساومة على المبادئ، فالثبات على المبدأ هو طريق الوصول إلى المراد». «العزل السياسى لقيادات النظام السابق، أمر طبيعى بعد أى ثورة» هكذا قطع وكيل مؤسسى حزب الدستور «تحت التأسيس»، لافتا إلى أن استخدام القانون يجب أن يؤدى إلى استقرار سياسى، ومن ثم فإذا كان الهدف من استخدامه مشروعا، فالأسلوب غير صحيح، حيث إن القانون الحالى يحمل شبهة عدم دستورية، وقال «أرى ضرورة العودة إلى فكرة مجلس رئاسى، إذا تم الحكم بدستورية قانون العزل، وبعدها نكتب دستورا جديدا». من جانب آخر، انتقد البرادعى، مشهد السباق الرئاسى، وقال إن «مرشحى الثورة كانوا كُثرا، ولكن لم يتفقوا على مرشح واحد، ليلتف الجميع حوله، وكنت أفضل أن لا يتقدم مرشحو الثورة فى تلك الانتخابات المشوهة، كما كنت أتمنى أن يتمسك الإخوان بمبدأ المشاركة لا المغالبة، فليست تلك هى الديمقراطية وليست التى كنا نتمناها»، قبل أن يقطع بأنه فوجئ بترشح اللواء عمر سليمان والفريق شفيق، مشددا على أن عدم وصول أحد مرشحى الثورة للإعادة كان نتيجة الانقسام، بينما شدد على أن خروج عمرو موسى من السباق لم يفاجئه، وقال «كانت نصيحتى له بعدم ترشحه، نظرا لارتباطه بالنظام السابق فى نظر أغلبية الشعب». «لن أترشح للرئاسة فى حال إعادة الانتخابات مره أخرى»، تأكيد جديد من قِبل البرادعى، لعزوفه عن السلطة، وقال إن «قرارى عدم الترشح نابع من ضميرى، وكنت أعتقد أن وسيلة الضغط القوية فى ظل الظروف الحالية هى عدم المشاركة فى انتخابات بدون دستور، ولذلك لم أدعُ أحدا إلى دعم مرشح معين»، نافيا وجود أى اتفاق مسبق على دعمه من قبل جماعة الإخوان المسلمين، وتابع بحسم: «لم أجتمع معهم فى أى إطار رسمى بعد الثورة»، وأوضح أن شرعية المجلس الرئاسى الآن، لن تأتى بدون توافق وطنى، وعليه فإن الفكرة الأقرب للتطبيق من وجهة نظره، هى انتخاب رئيس مؤقت لمدة عام وكتابة دستور جديد، مشددا على أن الديمقراطية ليست فقط الصندوق، ويجب أن يتوافر مناخ عام مساعد. وكيل مؤسسى حزب الدستور، قال «لم أشارك فى المرحلة الأولى، ولن أشارك فى المرحلة الثانية، ولن أشارك فى العملية الانتخابية المشوهة، ولن أوجه أحدا فى المرحلة الثانية، ويجب على الجميع أن يحكِّموا ضمائرهم، ويفعلوا ما يرونه صحيحا»، وكشف عن أن مرشحى جولة الإعادة، محمد مرسى، وأحمد شفيق، حاولا الاتصال به بطرق غير مباشرة، لكنه تابع: «لن أقابل الفريق شفيق لرمزه، لا لشخصه، وإذا طلب الدكتور مرسى سأقابله، لكن لن أقبل أى منصب تنفيذى فى المرحلة القادمة»، بينما توقع انفجار الأوضاع بصورة أقل فى حال وصول مرسى إلى الرئاسة، على عكس الفريق شفيق، حيث سيكون الانفجار أشد، «وفى جميع الأحوال لا أتمنى أن يحدث انفجار». وحول توقعاته لنتيجة الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، قال البرادعى «لنكون متسقين مع أنفسنا، يجب أن نقبل نتيجة الانتخابات طالما قبلنا بإجرائها، والإخوان جزء من العملية الانتخابية، وعليهم قبول ما يأتى به الصندوق، وعلى المجلس العسكرى والقوى السياسية والوطنية أن يتوافقوا وأن يقبلوا فكرة رئيس مؤقت إلى حين الانتهاء من الدستور, وعلينا أن نتقى الله فى وطننا، وفكرة الرئيس المؤقت إلى حين كتابة الدستور ستمنع الصدام». وتابع: «تشكيل لجنة الدستور من قبل البرلمان فيه تعارض مصالح، إذ يجب على نوابه أن يحلوا أنفسهم بعد كتابة الدستور»، بينما قال بمرارة «دائما نحاول اختراع العجلة ولكن برضه مابتمشيش، وإذا ما تيقنت القوى السياسية والمجلس العسكرى، أننا فى مأزق يجب أن نخرج منه، فإننى أتمنى أن يتوافقوا على فكرة الرئيس المؤقت»، قاطعا بأنه لا توجد قوة سياسية تملك قوة ضغط اليوم، ولا حتى المجلس العسكرى، لافتا إلى أن الشباب هم من فجّروا الثورة، ومن ثم وجّه إليهم رسالة مفادها «لا تدَعوا اليأس يتطرق إلى نفوسكم، الثورة ستنجح، فلقد حان الوقت لتسليم البلد للشباب، وسأظل أعمل من أجل مصر إذا ما كان فى العمر بقية». البرادعى شدد أيضا على أن حاجز الخوف انكسر، ولن يعود، موضحا أن المواطن البسيط، الذى قامت من أجله الثورة كفر بالنخبة، وأحيانا بالثورة، لأنه لم ير أى نتائج. البرادعى، شدد أيضا على أنه فى حال لم تتوافق القوى السياسية، ولم تقبل بحل الرئيس المؤقت، فلا يستعجب أحد من رد فعل الشعب «فللصبر حدود»، مؤكدا أنه إذا كان لدينا دستور يحمى الحريات مثل دستور 1954، فلن نقلق من وصول الإسلاميين للحكم، لأنهم لن يفرضوا شيئا على الشعب، وتساءل «كيف نكتب لمصر دستورا سيحدد رؤيتها خلال الخمسين سنة القادمة، فى ثلاثة أسابيع؟! فى السياق نفسه، وجه البرادعى فى رسائل قصيرة للإخوان قائلا «شاركوا ولا تغالبوا»، كما قال لشباب الثورة أَنِ «اتحدوا لتكونوا كالشَّلَّال»، ولحزب الكنبة «لازم تقوموا تعملوا شوية تمرينات! لازم تشاركوا»، وللفريق شفيق «لقد خضت الانتخابات فى مثل هذه الظروف، ويجب أن تقبل بما سيأتى به الصندوق وما ستأتى به المحكمة»، وللأقباط «أنتم أهلى وسأظل أحافظ على حقوقكم»، وللمواطن المصرى «إحنا ظلمناك والثورة ستنجح، وأنا عملى كله من أجل تحسين وضع سكان العشوائيات».