بعد مفاوضات ماراثونية غير مباشرة بين القوى المدنية وقوى الإسلام السياسى، تم التوصل إلى اتفاق حول تقاسم مقاعد الجمعية التأسيسية بين الطرفين، وكانت المفاوضات مجهدة للغاية، إذ سيطرت أجواء من عدم الثقة المتبادلة بين الطرفين وعرقلت الوصول إلى اتفاق بين الجانبين. من جانبها سعت قوى الإسلام السياسى إلى الفوز بالغالبية أى غالبية فى الجمعية، فقد تمسكت قوى الإسلام السياسى بالحصول على خمسة وخمسين فى المئة من المقاعد، وعندما احتدم النقاش ولوحت قوى المدنية بالانسحاب من المفاوضات نزلت قوى الإسلام السياسى بالنسبة إلى اثنين وخسمين فى المئة. كان سؤال القوى المدنية هو لماذا تحرص قوى الإسلام السياسى على الحصول على الغالبية؟ هل لديها ما تخشى عليه أم أن القوى المدنية يمكن أن تكتب ما تريد فى الدستور؟ هذا فى حين أن القوى المدنية لديها بالفعل ما تخشى عليه فهى تخشى إقدام قوى الإسلام السياسى على تغيير جوهر المادة الثانية من الدستور لتنص على أحكام الشريعة بدلا من مبادئ الشريعة أو حذف كلمة مبادئ فقط لتؤدى إلى نفس النتيجة، وهو ما أشار إليه حزبا الحرية والعدالة والنور، حيث أكدا توصلهما إلى اتفاق بهذا الشأن. وما إن تم التوصل إلى اتفاق مبدئى بتقاسم مقاعد الجمعية التأسيسية بين القوى المدنية وقوى الإسلام السياسى، ثم بدأت القوى المدنية ترتب أوراقها للاتفاق على مرشحيها للجمعية التأسيسية حتى فوجئت بأن حصتها تتضمن أحزابا ذات مرجعية دينية كحزب البناء والتنمية -حزب الجماعة الإسلامية- صحيح أن الدكتور صفوت عبد الغنى تنازل عن حصته (مقعدان)للقوى المدنية لحل الأزمة المترتبة على تمسك قوى الإسلام السياسى بالحصول على نصف المقاعد، إلا أن الصحيح أيضا أن د.صفوت عبد الغنى شارك فى اجتماع القوى المدنية لتسمية مرشحيها وقدم مرشحين تم الاتفاق على ضم أحدهما. أيضا تضمنت حصة القوى المدنية حزب الوسط، وجرى خصم حصص الأزهر والكنائس المصرية، وهيئات الدولة المختلفة من شرطة وجيش وقضاء ونقابات ومؤسسات من حصة التيار المدنى، ومن ثم فوجئ التيار المدنى بأن الحصة المتاحة له حقيقة لا تتجاوز ثلاثين مقعدا من مئة مقعد، فى حين حصل تيار الإسلام السياسى على حصته كاملة، بالإضافة إلى أن من ينتمى إليه فكريا من النقابات ومؤسسات الدولة والأزهر، وهو ما أثار مخاوف التيار المدنى بقوة، لا سيما بعد النزول بالنسبة إلى الأزمة للتصويت على مواد الدستور الجديد إلى سبعة وخمسين فى المئة فقط، وهو أمر بالقطع تمتلكه قوى الإسلام السياسى بعد أن حصلت على حصة النصف كاملة ودفعت حزبى البناء والتنمية والوسط إلى الحصول على حصتيهما من التيار المدنى، بالإضافة ما سوف تحصل عليه ضمن حصة مؤسسات الدولة والمجتمع مثل قضاء والأزهر والنقابات، فالمؤكد أن هناك فى هذه المؤسسات من هو متعاطف مع تيار الإسلام السياسى ويتوقع أن يصوت معه. أكثر من ذلك جرى الإعلان عن عقد جلسة لمجلس الشعب صباح اليوم (الإثنين) من أجل إصدار قانون يحصن الجمعية التأسيسية الجديدة من أى طعن، وهو أمر سبق ورفضته القوى المدنية على أساس أن التحصين لا بد أن يأتى لاحقا للتوافق على عضوية الجمعية، أما التحصين السابق على الاتفاق فيعنى ببساطة منح قوى الأغلبية شيكا على بياض لتفعل ما تشاء من خلال التصويت، بما فى ذلك الخروج على التفاهمات التى يتم التوصل إليها مع التيار المدنى. قد يرد البعض بالقول إن قوى الإسلام السياسى تمثل الغالبية فى مجلسى الشعب والشورى، ومن ثم لا بد من منحها الثقة، لأن هذه القوى يمكنها انتخاب من ترى فلها غالبية تتجاوز ثلثى مقاعد البرلمان، وهو قول صحيح، ولكنه لا يعنى حق هذه القوى فى تحصين الجمعية التأسيسية فى وقت سابق على الانتخاب، وأن حسن النيات والتوافق يقتضى أن يأتى التحصين لاحقا للانتخاب لا سابقا عليه. مقدمات التفاوض حول «التأسيسية» الجديدة لا توحى بأن ثمة جديدا عما جرى فى المرة الأولى، فالمقدمات توحى بأن النتائج قد تأتى متشابهة، وهنا مكمن الخطر على المحاولة الثانية لتأسيس الجمعية الجديدة لكتابة الدستور.