لا يخيفنا تصاعد الموجة الإرهابية، بل يزيدنا تصميمًا على المواجهة، وثقة فى النصر. لا يصدمنا ما تكشف عنه الأحداث من تطورات نوعية فى أساليب هذه العصابات الإجرامية وهى تمارس إرهابها المجنون، فنحن نعرف منذ البداية أننا فى حرب لا هوادة فيها، وندرك جيدًا أن هذه العصابات هى جزء من مخطط تشارك فيه دول وأجهزة مخابرات وتنظيمات عميلة يتم توفير كل سبل الدعم لها.. من مال وسلاح ومخدوعين يتصورون أن استخدامهم فى الحرب ضد مصر هو جهاد فى سبيل الله لا فى سبيل الشيطان!! الثقة كاملة فى قدرة جيشنا الوطنى وأجهزة الأمن الأخرى على حسم الجانب الأمنى فى المواجهة، كل محاولات الوقيعة بين الجيش والشعب ستفشل حتمًا، فهذا هو جيش الشعب الذى لم يكن انحيازه يومًا إلا للوطن، ولم يكن ولاؤه إلا لإرادة الشعب، ولم يرفع سلاحه يومًا إلا دفاعًا عن تراب مصر وحماية لاستقلالها. مهما فعلت عصابات الإرهاب، ومهما تلقَّت من دعم خارجى، فإن مصيرها هو الهزيمة الكاملة، لكن السؤال سيبقى كيف نستأصل هذا الفكر المتطرف الإجرامى؟ وكيف نحصِّن المجتمع من هذه الحشرات السامة حتى لا تعاود الانتشار كما عوَّدتنا على مدى ثمانين عامًا لم ينقطع فيها إرهابها إلا ليظهر مرة أخرى؟! ليس جديدًا أن نقول إن المواجهة لا بد أن تكون شاملة، يكفى فقط أن نعود إلى جولات سابقة فى هذه الحرب، لندرك أننا لم نهزم الإرهاب ونوقف تمدده إلا حين خاضت الدولة المعركة ضده باعتبارها حرب وجود لا بد أن تستخدم فيها كل الأسلحة وأن تتم على كل الجبهات.. الاجتماعية والثقافية والفكرية والاقتصادية والسياسية، مع المواجهة الأمنية الحازمة والحاسمة. تتحرَّك الدولة بأقصى قوتها الآن فى ظروف صعبة من أجل تحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية وخلق فرص عمل لنحو أربعة ملايين عاطل، 75٪ منهم من حملة الشهادات المتوسطة والجامعية، كما يقول آخر بيانات جهاز الإحصاء. هذا جانب مهم فى الحفاظ على ثروتنا البشرية وفى مواجهة مشاعر الإحباط لدى أجيال جديدة هى محور المعركة حول المستقبل، لكن هناك جوانب أخرى فى هذه الحرب لا بد من الالتفات إليها. مع كل التقدير لجهود الأزهر الشريف ووزير الأوقاف وبعض مؤسسات الدولة، فإن المواجهة الحقيقية للفكر الضال لهذه الجماعات الإرهابية لم تبدأ بعد، لا أتحدَّث هنا عن بيانات إنشائية أو عن ضجيح إعلامى، ولكن عن مناقشة علمية لهذه الأفكار الضالة تكشف تهافتها، وعن دراسات للفقهاء فى الدين والعلماء فى الاجتماع والسياسة والثقافة تحدد استراتيجية المواجهة وكيفية تحصين المجتمع من هذا الضلال. ثم يبقى المحور الأساسى الذى ينبغى أن يحظى منا بكل اهتمام، وهو خلق مناخ سياسى يستوعب الشباب بمختلف تياراته، ويفتح أمامه أبواب المشاركة حتى لا نجد أنفسنا مرة أخرى بين فكَّين تفترسان أحلام الثورة، هما فلول فساد الوطنى، وإرهاب الإخوان وحلفائهم!! الرئيس السيسى ناشد الأحزاب أكثر من مرة أن تستوعب الأجيال الجديدة وتجد لها مكانًا فى البرلمان القادم. لن تفعل الأحزاب لأنها عاجزة عن ذلك، ولأن نظام الانتخابات الحالى لا يساعد على ذلك. لكن القضية تبقى أكبر من التمثيل البرلمانى، القضية أن تعمل كل مؤسسات الدولة على أساس أنها تمثِّل مصر بعد ثورتين، وأن العودة للماضى مستحيلة. وأن تفهم فلول الوطنى أن حربنا ضد الإرهاب لا تعنى أن نسلم مصر لحزب الفساد الذى كان السبب فى ما وصلنا إليه!! القضية الآن هى: هل نصالح «حرامية أراضى الدولة».. أم نصالح شبابًا ربما قاده الحماس إلى الخطأ، ولكنه لم يذهب إلى الخطيئة، ولم يتحالف مع الإرهاب، ولم يتصالح مع فساد يريد العودة إلى ماضٍ بغيض ومرفوض؟! والقضية الآن هى أن ندرك أنه لا فرق بين كلاب مسعورة تقتل أبناءنا بقنابلها، وكلاب مسعورة أخرى قتلت أبناءنا بفسادها وتطل علينا الآن بوجهها القبيح عبر شاشات تليفزيون تعيش على أموال الفساد، وعبر فساد يتصوَّر أنه قادر على إعادة إنتاج نظام سقط ولن يعود. الحرب ضد الإرهاب هى -فى نفس الوقت- حرب ضد الفساد، وهى أيضًا حرب من أجل فجر بدأ فى 25 يناير.. وسيستمر!!