قبل أسبوعين علمت بالخبر، تصورتها مجرد شائعة، تواصلت مع حلمى فأكده مع الأسف، وأوضح أنه أجرى جراحة ناجحة وفى طريقه للشفاء، ووجدت حالته المعنوية مرتفعة، اعتبرته حديثًا ليس للنشر، مثل هذه الأخبار لا تستحق أن نعتبرها سبقًا، هذه هى قناعاتى المهنية مهما بلغت صداقتى بفنان أو نجم من الممكن أن أقسو عليه فى مقال نقدى مثلما حدث مع حلمى فى آخر أفلامه «صُنع فى مصر»، ولكن ليس من آداب المهنة ولا أخلاقياتها تناول المعاناة الشخصية لأحد. كان حلمى يتعرض فى الأشهر الأخيرة إلى اتهامات تنزع عنه وطنيته بسبب ذهابه إلى أمريكا بصحبة منى زكى لكى تُنجب طفلًا يحمل الجنسية الأمريكية، والحقيقة التى لم يستطع وقتها إعلانها أنها هى التى أصرت على أن تُصاحبه فى رحلته العلاجية، لقد تساءلوا: كيف أن من قدم «عسل أسود» برسالة تفيض بالوطنية عندما مزق فى نهاية الفيلم جواز سفره الأمريكى يتناقض عمليا مع نفسه؟ تحمل حلمى الاتهام القاسى وأنجب طفلًا أطلق عليه سليم، أظنه لا شعوريا كان يرنو إلى السلامة. وبينما النت يمتلئ بتفاصيل المرض، عدت إلى أرشيفى إلى «بورتريه» كتبته عن حلمى قبل 6 سنوات فى «الدستور الأسبوعى» وتفاءلت عندما وجدت العنوان «حلمى يقهر الوحش»، كنت أقصد بالوحش الخوف من المغامرة الفنية وقلت لم يفعلها أى نجم كوميدى من قبل.. إيرادات النجم عادة تخصم الكثير من روح الإقدام.. النجم يفضل أن يلعب بالمفردات التى تعوّد عليها جمهوره، يقدم له نفس النوع، فقط يحاول أن يضيف قدرًا من الإجادة، لكنه لا يسافر بعيدًا فى رحلة استكشافية، لو راجعت أفلام كل كبار نجوم الكوميديا فى تاريخنا لن تعثر على أى قدر من التمرد، ولكن محاولات خجول ومترددة فى المغامرة، كنت أتحدث عن تجربة «أحمد حلمى» فى فيلمه «آسف على الإزعاج»، وأضفت: لا ألوم نجما جماهيريا يريد الحفاظ على ما حققه من نجاح، ربما تؤثر تلك الاختيارات سلبًا على بوصلة شباك التذاكر. ثلاث صدف فى حياة حلمى صنعت نجوميته.. الأولى عندما قدم للإذاعية اللامعة سناء منصور فكرة برنامج عن الأطفال باسم «عالم الكبار» ليتولى إخراجه على أن يتم ترشيح مذيع لتقديمه، وكانت سناء فى تلك السنوات نهاية التسعينيات تشغل موقع رئيس القطاع الفضائى ووجدت فى ملامح وأسلوب «حلمى» وهو يشرح لها فكرة البرنامج درجة عالية من الحضور الذى ينبغى أن يتحلى به مذيع البرنامج، ولهذا قررت أن ينتقل موقعه من مخرج خلف الكاميرا إلى مذيع يواجه الكاميرا، يقدم فى كل حلقة لقاء تلقائيا مع طفل، فكان النجاح مدويًا. الصدفة الثانية عندما رشحه المخرج شريف عرفة عام 99 لمشاركة علاء ولى الدين بعد أن شاهده فى البرنامج وأسند إليه دورًا رئيسيا فى فيلم «عبود ع الحدود»، وهكذا انتقل فى سنوات قلائل من موقع المخرج إلى المذيع ثم إلى الممثل الكوميدى المحبوب. ثالثة الصُّدف عندما تردد الراحل علاء ولى الدين فى الموافقة على بطولة فيلم كان عنوانه «كارت إرهاب»، وبعد تعديلات طفيفة فى السيناريو أصبح «ميدو مشاكل» 2003، وانتقل حلمى سريعًا من نجاح جماهيرى إلى آخر ليعتلى القمة الرقمية سينمائيا فى السنوات الست الأخيرة. النجم صاحب الكاريزما يملك فى داخله طاقة جذب، لا يستطيع أحد أن يدرك مصدرها ولا أسبابها.. هى منحة إلهية ورغم ذلك فإنها تحتاج إلى عقل يضعها فى الإطار الصحيح وإلا انقلبت من طاقة تتجدد إلى طاقة تتبدد، من نور يضىء إلى نار تحرق. حلمى هو الفنان الوحيد بين نجوم الكوميديا الذى استطاع أن يقهر العدو الشرس الرابض بداخله، والذى يقول له أنت لا تحتاج إلى كاتب ولا مخرج.. أنت الفيلم والفيلم أنت، الوحش دائما داخل النجم.. و«حلمى» قهر الوحش وسيقهر تمامًا الوحش الآخر، ليعود إلينا صانع بهجة البيت المصرى لثلاثة أجيال، الأحفاد والآباء والجدود، سلامتك يا أبو سليم!