فى السنوات الأخيرة تستطيع أن ترى بوضوح شديد أن أحمد حلمى يريد أن يتمرد على القيود التقليدية التى تكبل نجوم الشباك.. الحقيقة أنه بقدر ما يبدو أن النجم الجماهيرى يتمتع بحرية فى اختيار السيناريو والأبطال المشاركين وأسلوب الدعاية وموعد عرض الفيلم فإنه مقيد تماماً بهاجس اسمه الإيرادات، النجم عندما يصل إلى مصاف «السوبر ستار» يجد نفسه يتابع بدقة وشغف وأيضاً خوف الأرقام التى تحققها أفلامه والأرقام التى يحققها الآخرون، الرقم هو الذى يفرض سعره فى السوق إنه لا يعنى فقط أن النجم يتقاضى الملايين ولكن يعنى أن النجم يتمتع بقدرة أكبر على الاختيار ولهذا فإن أغلب نجومنا خاصة فى مجال الكوميديا يترددون كثيراً عندما يصبح الأمر متعلقاً بالدخول إلى منطقة مجهولة لم يخابروا فيها مزاج الجمهور، يسعى النجوم عادة إلى تقديم نفس البضاعة المتعارف عليها للجمهور حتى لا يصطدم بما هو غير مألوف. قبل 6 سنوات أصدرت كتاباً عنوانه «سنوات الضحك فى السينما المصرية» رصدت فيه مسيرة نجوم كوميديا هذا الجيل الذى فجر نقطة انطلاقه محمد هنيدى وتبعه الراحل علاء ولى الدين وتتابعت الأسماء حتى وصلنا إلى حلمى وكتبت عن حلمى قائلاً إنه مفجر الثورة الثالثة لأن بعد هنيدى الذى احتل القمة الرقمية فى 1997 بفيلمه «إسماعيلية رايح جاى» ثم محمد سعد الذى أزاح هنيدى عن القمة الرقمية فى 2002 بفيلمه «اللمبى» لتستقر بعد ذلك فى يد حلمى بفيلمه «كده رضا». وقلت وقتها: حلمى هو أكثر نجوم هذا الجيل قدرة على التنوع فى الاختيار لأن بداخله يكمن ممثلاً يتوق لأن يسترد حريته وينطلق ويمثل.. إلا أننى أرى أن سيف الإيرادات الباتر سوف يحيل دائماً هذا الممثل المتلهف للحرية إلى سجين إلا إذا.. إلا إذا سيطر على الوحش الرابض فى أعماقه وأعماق أغلب النجوم وهو ما نجح فيه فى آخر أفلامه «كده رضا» مؤكداً أن حلمى هو النجم الأول فى ثورة تمرد المضحكين الجدد الثالثة. وصدق ما توقعته فى 2007 أفلامه الأخيرة لو استبعدنا «بلبل حيران» سنجد أنه يختار الفكرة التى تحمل ثراءً إبداعياً مثل «آسف على الإزعاج» و«ألف مبروك» و«عسل أسود» و«إكس لارج». رأيناه يمتزج فى فيلمه «إكس لارج» 2011 مع مخرج مخضرم صاحب العديد من الأفلام التى حققت إيرادات وصنعت نجوماً وهو شريف عرفة ويضع طوال الأحداث «ماسك» على وجهه ويأتى إلى فيلمه الأخير «على جثتى» ليقدم مخرجاً سينمائياً لأول مرة «محمد بكير» الذى شاهدنا له العديد من المسلسلات الدرامية الناجحة «طرف ثالث» وقبله «المواطن إكس» التى تبشر بأننا أمام مخرج لديه لمحاته الطازجة فهو متابع جيد لما تُقدمه الشاشة ويلتقط بعينه من هو قادر على أن يضيف إليه، وقدم أيضاً المؤلف تامر إبراهيم الذى شارك فى كتابة أكثر من مسلسل مثل «لحظات حرجة» ويدفع بالاثنين لأول مرة إلى السينما وطبقاً للقواعد المعروفة فى السينما المصرية فإن النجم يتحمل المسئولية فى الاختيار خاصة أن حلمى يشارك أيضاً هذه المرة فى إنتاج الفيلم فهو المسئول أدبياً ومادياً. إنها مغامرة بكل المقاييس أن يقدم دور رجل ميت أو هو على وجه الدقة مصاب بغيبوبة ويعيش فى رحلة بين الحياة والموت ويبدأ خلال ذلك اكتشاف نفسه، الكثير من الأفلام تعرضت لتلك الحالة سواء أكان البطل انتقل بالفعل للرفيق الأعلى أم لا يزال يقف فى منتصف الطريق، شاهدت مثلاً قبل 14 عاماً فيلم «الحاسة السادسة» بطولة بروس ويلز وإخراج نايت شيام آلان وكان الفيلم مرشحاً لأكثر من جائزة أوسكار.. تلك الأفلام تلعب فى مساحة داخل الإنسان وهى الرغبة فى اكتشاف العالم الآخر بينما هو قابع فى عالمه الأرضي، الشخصيات تبدو أنها فى تلك المرحلة بين الحياة والموت، السينما الأجنبية لا تخشى أن نكتشف فى النهاية أن البطل ميت مثلما حدث فى الفيلم الأمريكى وتبدو علاقة هؤلاء بالحياة أنهم يتابعون الناس ولكن لا أحد يراهم بينما السينما المصرية تخشى على الجمهور الذى لا يرضى عادة بموت أبطاله. الفكرة تبدو مثل الدور الثانى أو الملحق فى الامتحان عندما نفشل فى تحقيق الدرجة فى عمرك الزمنى الأول تشعر برغبة فى تحسين المجموع بامتحان آخر، هكذا أرى بطل الفيلم أحمد حلمى رجل الأعمال مهندس الديكور الذى يخاصم كل الحياة البخيل وهو مصاب بداء الشك، لديه إحساس بأن الجميع لديهم أطماع وأهداف أخرى دنيئة ويريدون استغلاله وهو دائماً مكروه من الدوائر القريبة منه لأنه لا يجيد التعامل مع الآخرين إلا باعتبارهم مجرد أدوات لتحقيق مصالحه، ولا يمنح موظفيه ما يستحقونه فهم لا يصنع أبداً جسوراً للحب والتواصل كما أنه فى داخل أسرته الصغيرة المكونة من زوجته التى أدت دورها غادة عادل وابنه الصغير يبدو أشبه بآلة صماء بلا مشاعر ولا أحاسيس. الفيلم لا ينسى بالطبع أن الجمهور قطع التذكرة من أجل أن يضحك وبين الحين والآخر تجد بالفعل ضحكة تأتى أحياناً على حساب عمق الفكرة، الحياة فى العالم الآخر تفتح الباب للخيال لكى يضيف الكثير لما يراه عادة فى الأفلام التى تجرى أحداثها على أرض الواقع ولكن كان السيناريو يبدو أمامنا وهو يخشى المغامرة ويفضل أن يقف على الخط كان عليه أن يقدم عالما متوازيا ولكنه فى الحقيقة استسلم تماما لعالم الواقع وبدى الامر وكأن ما نراه مجرد امتداد للواقع الذى عشناه فى بداية الاحداث .. ولهذا مثلاً تجد أن تقديم مشاهد أحمد السقا الذى يؤدى شخصيته أثناء تصوير أحد أفلامه تبدو هذه المشاهد فى الفيلم أقرب إلى محاولة الشريط المعروض شىء من الجماهيرية والحيوية ولكسر حدة الرتابة أيضاً ولكنه لا يعمق أو يضيف للفكرة الرئيسية، دخول شخصية خالد أبو النجا فى النصف الثانى من الأحداث الذى نكتشف أنه لم يكن لا صديق ولا شريك لبطل الفيلم هو نوع أيضاً من كسر الرتابة بلى عنق الدراما لإقحام شخصية داخل الفيلم لضمان تحقيق الجاذبية. الفكرة تظل مغامرة ولكن السيناريو لم يستطع أن يقدم عالماً موازياً للواقع يُطل من خلاله على ما يجرى فى الحياة، لا يمكن أن يُصبح الهدف هو فقط إدراك حلمى لرأى الآخرين فيه وهى رؤية سوف نكتشف أيضاً أنها تسيطر عليها الهلاوس ولا تعبر بالضبط عما هو حادث ولهذا فإن تكرار البصق على صورته أو ضربه بالأحذية من قبل العاملين معه وتلك الصفعات التى ينهال بها كلما أفاق من الغيبوبة على ابنه وزوجته تبدو فقط مجرد إيفيه لإثارة الضحك وبعضها زادت فيه الجرعة ففقد حتى قدرته على إثارة الضحك. العاملون فى شركة حلمى قدمهم السيناريو بلا ملامح فقط شخصيات بلا أبعاد وكأنهم مجرد أدوات لتقديم ملمح كوميدي، أتوقف بإعجاب أمام أداء المخضرم حسن حسنى ونضجت غادة عادل كثيراً فى شخصية الزوجة الخاضعة الراضية المستكينة. «على جثتى» مغامرة أخرى لحلمى ولكن لم تكتمل كل عناصرها فلم يتواز الديكور والموسيقى والإضاءة لخلق هذا العالم الموازى، لم ينجح المخرج ولا الكاتب فى الخطوة الاولى ولكن كما ان الفيلم يمنح الفرصة لملحق قادم فإن من حقهما أيضا فرصة أخرى . تستطيع أن ترى أن المنتج حلمى فى هذا الفيلم وافق على تلك المساحة الزمنية التى قدم من خلالها إعلاناً داخل الفيلم لشركة محمول كان يبدو فيه وكأنه يغتصب الدراما لكى يزرع هذا الاعلان لتحقيق أرباح.. وبرغم كل ذلك لا شك أن حلمى هو النجم الأول فى عالم المتمردين والمغامرين ولكنه هذه المرة كان نصف مغامر وشبه متمرد!! نشر بتاريخ 4/2/2013 العدد 634