فى السنوات الأخيرة نرى أحمد حلمى وهو يتمرد على القيود التقليدية التى تكبل نجوم الشباك.. الحقيقة أنه بقدر ما يبدو أن النجم الجماهيرى يتمتع بحرية فى اختيار السيناريو والأبطال المشاركين وأسلوب الدعاية وحتى من يعمل فى بوفيه الشاى فإنه مقيد تماما بهاجس اسمه الإيرادات. الرقم هو الذى يفرض سعره فى السوق، ولهذا يحرص النجوم عادة على تقديم نفس البضاعة المتعارف عليها للجمهور حتى يضمنوا ذهابه إليهم. حلمى هو أكثر نجوم هذا الجيل قدرة على التنوع فى الاختيار لأن بداخله يكمن ممثلا يتوق إلى أن يسترد حريته وينطلق ويمثل. أفلامه الأخيرة لو استبعدنا «بلبل حيران» سنجد أنه يختار الفكرة التى تحمل ثراء إبداعيا مثل «آسف على الإزعاج» و«ألف مبروك» و«عسل أسود» و«إكس لارج». رأيناه يمتزج فى فيلمه «إكس لارج» 2011 مع المخرج المخضرم شريف عرفة ويضع طوال الأحداث «ماسك» على وجهه ويأتى إلى فيلمه الأخير «على جثتى» ليقدم مخرجا سينمائيا لأول مرة محمد بكير الذى شاهدنا له العديد من المسلسلات الدرامية الناجحة وقدم أيضا المؤلف تامر إبراهيم الذى شارك فى كتابة أكثر من مسلسل، النجم يتحمل المسؤولية فى الاختيار خصوصا أن حلمى يشارك أيضا هذه المرة فى إنتاج الفيلم فهو المسؤول أدبيا وماديا. إنها مغامرة بكل المقاييس أن يقدم دور رجل ميت أو على وجه الدقة مصاب بغيبوبة ويعيش فى رحلة بين الحياة والموت ويبدأ خلال ذلك اكتشاف نفسه، الكثير من الأفلام تعرضت لتلك الحالة سواء أكان البطل انتقل بالفعل إلى الرفيق الأعلى أم لا يزال يقف فى منتصف الطريق، شاهدت مثلا قبل 14 عاما فيلم «الحاسة السادسة» بطولة بروس ويلز وإخراج نايت شيام آلان وكان الفيلم مرشحا لأكثر من جائزة أوسكار.. تلك الأفلام تلعب فى مساحة داخل الإنسان وهى الرغبة فى اكتشاف العالم الآخر، السينما الأجنبية لا تخشى أن نكتشف فى النهاية أن البطل ميت وتبدو علاقة هؤلاء بالحياة أنهم يتابعون الناس ولكن لا أحد يراهم، بينما السينما المصرية تعمل ألف حساب للجمهور الذى لا يرضى عادة بموت أبطاله. إنها تبدو مثل الدور الثانى أو الملحق فى الامتحان عندما تفشل فى تحقيق الدرجة فى عمرك الزمنى الأول تشعر برغبة فى تحسين المجموع، هكذا أرى بطل الفيلم أحمد حلمى رجل الأعمال مهندس الديكور الذى يخاصم روح الحياة مصاب بداء الشك، لديه إحساس أن الجميع لديهم أطماع وأهداف أخرى دنيئة ويريدون استغلاله وهو دائما مكروه من الدوائر القريبة منه لأنه لا يجيد التعامل مع الآخرين إلا باعتبارهم مجرد أدوات لتحقيق مصالحه، فهو لا يصنع أبدا جسورا للحب والتواصل معهم كما أنه داخل أسرته الصغيرة المكونة من زوجته التى أدت دورها غادة عادل وابنه الصغير يبدو أشبه بآلة صماء بلا مشاعر. الفيلم لا ينسى بالطبع أن الجمهور قطع التذكرة من أجل أن يضحك وبين الحين والآخر تجد بالفعل ضحكة تأتى أحيانا على حساب عمق الفكرة، الحياة فى العالم الآخر تفتح الباب للخيال لكى يضيف الكثير لما نراه عادة فى الأفلام التى تجرى أحداثها على أرض الواقع، ولكن السيناريو يبدو أمامنا وهو يستسلم للحلول التقليدية، كان عليه أن يقدم عالما موازيا ولكنه فى الحقيقة استسلم تماما لعالم الواقع وبدا الأمر وكأن ما نراه فى السماء مجرد امتداد لما عشناه على الأرض. الفكرة تنبئ تفتح شهيتنا لمغامرة ولكن السيناريو لم يستطع أن يرنو إلى تفاصيلها، نشاهد مثلا تكرار البصق على صورته أو ضربه بالأحذية من قبل العاملين معه وتلك الصفعات التى ينهال بها كلما أفاق من الغيبوبة على ابنه وزوجته تبدو فقط مجرد إيفيه لإثارة الضحك وبعضها زادت فيه الجرعة وفشل فى إضحاك الجمهور. العاملون فى شركته قدمهم السيناريو بلا ملامح وكأنهم مجرد ديكور. أتوقف بإعجاب أمام أداء المخضرم حسن حسنى ونضجت غادة عادل كثيرا فى شخصية الزوجة الخاضعة الراضية المستكينة. «على جثتى» مغامرة أخرى لحلمى لم تكتمل عناصرها فلم يتواز الديكور والموسيقى والتصوير والإضاءة والمؤثرات لخلق هذا العالم السحرى، حلمى وقف على الباب ولم يتخط العتبة!! قبل الفاصل الإخوان والرقص على إيقاع دوللى!!