لم ينفصل النجم الكوميدى أحمد حلمى عما يحدث فى الشارع السياسى فى فيلمه الجديد «على جثتى» ولهذا اختار موضوعه من «فلسفة الموت» وراهن مجددا على أجواء «الكآبة» والإحباط، وهذه المرة التى غطت سماء مصر من جثث شهداء الثورة إلى جثث البسطاء ضحايا الإهمال والفساد حتى ضحايا أصحاب السلطة الذين ينفصلون عن هموم أبناء الوطن على تيمة حب السيطرة وسوء الإدارة.
فى فيلم «على جثتى» يحلق «حلمى» فى رحلة بين السماء والأرض ويستعرض فيها خطايا التسلط الزائد وسلطة احتكار القرار من خلال شخصية المهندس «رءوف» رجل الأعمال الثرى المتمسك بالصرامة والانضباط فى محيطه الصغير «بيته» مع زوجته الشابة وابنه الصغير حتى فى محيط عمله بين العاملين معه فى معرض الأثاث والديكور الذى يمتلكه.. فالحقيقة لا يعرفها إلا هو و«الكلمة كلمته والشورى شورته»، حتى فى أدق التفاصيل البسيطة متجاهلا مشاعر ومطالب شعبه وطموحاتهم وكل من حوله معتنقا مبدأ الشك الديكارتى فى كل شىء لإثبات وجوده وسيطرته، فزوجته سجينة أفكاره الكلاسيكية فى ملابسها وسلوكياتها حتى رفضه المستمر لحلمها فى تحقيق ذاتها بالعمل معه وإطلاق مشروعها للأطفال ضمن استثماراته بينما ابنه الصغير «رفعت» محبوس بين جدران أفكاره وقيوده بفرض أسلوب تربوى لا يتناسب مع عمره، وتكفى الإشارة هنا إلى قسوته عليه بعد حصوله على 84 من 05 فى امتحان «مادة الحساب» وإصراره على عقابه، أما فى العمل فلا يراعى مطالب عماله أو حتى مشاعرهم.. وفجأة يتعرض «رءوف» لحادثة ويصاب بغيبوبة تفقده الوعى وقبل اكتشاف تفاصيل هذه الغيبوبة ينقلنا معه وروحه بين السماء والأرض، حيث يظهر فى الأحداث ولا يراه أحد يراقب بصحبة روح أخرى معلقة «حسن حسنى» «نوح» ومعه يتوقف على أحوال رعيته وعالمه فى رحلة ميتافيزيقية أو «ميتا حلمية».. ويكتشف أن كل من حوله يرفض تسلطه واحتقاره وإصراره على الانفراد بالقرار من زوجته «سحر» إلى ابنه الصغير ومنهم إلى الموظفين تحت إدارته المستبدة.
رغم أجواء الكآبة وشبح الموت طوال الأحداث لم يتخل «حلمى» عن مشروعه الكوميدى الذى يحمل توكيله الخاص ولا ينافسه فيه أحد سواء فى مشهد البداية الطويل مع عسكرى المرور أو حتى مع رفيق روحه بين السماء والأرض حسن حسنى، بينما تدور بينهما محاورات ذات طابع فلسفى حول الحياة والواقع، ولعل من أبرز المشاهد التى ينقلنا لها وأكثرها دلالة وذكاء مشهد ذهابهما إلى مقر رئاسة الجمهورية والجلوس على كرسى الرئاسة الذى يغير طبائع البشر ويدفعهم للتعالى والغرور والانفصال عن الواقع ثم الانتقال إلى جلسات مجلس الشعب والأعضاء من أصحاب الذقون والصراخ الذى لا يتوقف بلا جدوى فى إشارات واضحة لما يدور الآن فى مراكز صناعة القرار السياسى التى انفصلت عن طموحات الميدان والثورة.
فى رحلة السماء والأرض يكتشف رءوف ورفيقه حسن حسنى وهو يقدم نفسه أنه مستشار ورجل قضاء فى إشارة واضحة لرجال القضاء والمأزق الذى يواجهونه الآن فى ظل سيطرة الجماعات الإسلامية، محاورة أحمد حلمى وحسن حسنى كانت من أبرز مشاهد الفيلم وأكثرها إسقاطا على الواقع الذى يعيشه المجتمع المخنوق بقرارات دون تحقيق أحلامه ومطالبه المشروعة حتى يعود «رءوف» إلى الحياة شاطبا على كل أخطائه قبل فوات الأوان والتى أحالت حياة من حوله إلى جحيم.
أحمد حلمى كالعادة متألق وفريد ومتفوق وبدون ابتذال تمرح موهبته ومعه القدير حسن حسنى، أما مفاجأة الفيلم فهى ظهور النجم أحمد السقا بشخصيته الحقيقية كضيف شرف فى مشهدين ومعه أيضا خالد أبوالنجا، والحقيقة أيضا أن جميع من شاركوا فى الفيلم كانوا مجرد ضيوف شرف فى الأحداث وإن خرجت قليلا من هذا الإطار غادة عادل، أما أسماء مثل إدوارد وآيتن عامر وسامى مغاورى فلم تسمح أدوارهم كما هو مكتوب فى السيناريو الذى كتبه تامر إبراهيم بفرصة لمزيد من التألق بسبب محدودية وهامشية الأدوار، ولعل هذا ما يحسب ضد سيناريو الفيلم الذى أغفل مواهبهم وهى مسئولية مشتركة ما بين مخرج الفيلم محمد بكير رغم تفوقه فى الحفاظ على روعة وعبقرية أداء أحمد حلمى فى كل مشهد.
فيلم «على جثتى» صرخة جديدة من عالم «أحمد حلمى» - رغم الاشتباه فى اقتباسه من أفلام عالمية - على غرار أعماله السابقة «عسل أسود» و«1000 مبروك» و«إكس لارج» ورغم الأجواء المحبطة فى محيط شباك التذاكر وانصراف الجميع بالدراما السياسية والكوميديا السوداء فى أرض الواقع، فإن «حلمى» مازال هو الحصان الرابح القادر على تحريك الركود فى دور العرض والأمل بأن السينما مستمرة رغم العبث الذى يسكن أرجاء هذا الوطن.