يعيد "عادل امام" فى فيلمه "زهايمر" انتاج وتصنيع نكاته وايفيهاته الكوميدية التى سبق له تقديمها فى أفلامه ومسرحياته القديمة معتمداً على أن بعض الجمهور أصابه الزهايمر ولن يتذكرها، وربما ثقة منه أن الجمهور سيضحك على ايفيهاته مهما كانت مكررة ومستهلكة تماماً، ولما لا وبعض الجمهور يقبل الأفكار المستهلكة المضمونة التى يعرفها؟ المؤسف أن الكوميديا المقدمة فى "زهايمر" قد تليق بنجم كوميدى متوسط القيمة وليس نجم بحجم تجربة "عادل امام"، ومشاهدة الفيلم من خلال نظارة مجاملة على اعتبار أن يقدم فكرة انسانية رغم انه لم يخلص للفكرة، أو على أساس انه يقدم فيلم أفضل من "بوبوس" هى محض هراء، فأولاً لايوجد فيلم يستطيع منافسة سوء فيلم "بوبوس" بسهولة، وصنع "عادل امام" لفيلم أفضل من "بوبوس" واجب وليس انجاز، وثانياً "زهايمر" ينتمى فى ظاهره للكوميديا السوداء ويبدأ بفكرة تبدو انسانية عن معاناة مريض الزهايمر ولكن الحقيقة غير ذلك فالفيلم عن عقوق الأبناء وعن محاولتهم النصب على الأب للاستيلاء على أمواله لتسديد ديونهم، والغريب أنهما لم يحاولا رغم يأسهما أن يطلبا منه تسديد ديونهما لنرى اذا كان سيقبل أو سيرفض، لكنهما قررا أن ينصبا على الأب بخطة شديدة التعقيد لكنها تعرضهما لاحتمال ابتزاز كل من شاركهم التنفيذ، والفيلم ينتهى بمشهد يبدو عميقاً حينما يصر الجد أن تقيم حفيدته الطفلة معه فى مزرعته بعد أن يأس من اصلاح ابنيه، وهنا رسالة الفيلم ملتبسة تماماً فرغم فشل الأب فى تربية أبناءه يحاول اعادة الكرة مع حفيدته، وبين البداية والنهاية سيناريو ملىء بالثقوب واسكتشات كوميدية هزيلة عفا عليها الزمن .. هل يمكن فى نهاية عام 2010 اعتبار مشهد رش البطل للممثلين بخرطوم مياه الحديقة وهم يرتدون ملابسهم الانيقة مشهداً كوميدياً مضحكاً بعد ان استهلكته أفلام "لوريل وهاردى" و"توم وجيرى" و"عادل امام" نفسه فى أفلامه التى قدمها فى الستينيات، بل أن راكورات هذه المشاهد مليئة بأخطاء لا تغتفر حينما تجف ملابس الأبناء بسرعة رهيبة، وأحياناً تجف ملابس "رانيا يوسف" وحدها، ولا يحتاج الأمر الى تدقيق كبير لرد بعض ايفيهات فيلم "زهايمر" الى أصولها السابقة من أعمال "عادل امام"، وأظن أن الاسكتشات الهزلية مثل ماتش الملاكمة بين الأب وأبناءه ورش الأبطال بمياه خرطوم الحديقة وقيام الأب بتنظيف أبناءه الكبار بالليفة والصابون فى البانيو هى أفكار "عادل امام" نفسه وليست أفكار كاتب الفيلم "نادر صلاح الدين" الذى ربما قدم اطار فكرة براقة لكنه لم يسيطر تماماً على كل شىء داخل هذا الاطار، فهذه الاسكتشات وغيرها مفصولة عن استايل الفيلم الذى يعتمد بشكل أساسى على الخداع المتبادل بين الأب وأبناءه، هم يوهمونه انه مصاب بالزهايمر وهو يتلاعب بهم بعد اكتشافه لخداعهم، نحن اذاً فى الأساس أمام فيلم يعتمد على تفاصيل حبكة الخدعة المتقنة والملابسات الكوميدية الناتجة عن تعامل الشخصيات مع التفاصيل، والمفروض هنا أن الكوميديا تكرس الفكرة ولا تبتعد عنها ولا تحولها من كوميديا انسانية سوداء أو بيضاء الى تهريج كما حدث، واذا رأينا مثلاً ايفيه يقول فيه "عادل امام" للممرضة "نيللى كريم" معلقاً على صورة ملاكم ضخم المفترض انه فى شبابه هزمه فى مباراة: "وهو عارف ان انا غلبته؟" نجده اعادة انتاج مفلسة لايفيه "وهو عارف انه عبيط؟" الذى قاله عن شخصية فى مسرحية "الزعيم"، ومشهد الحمام حيث يقوم بتنظيف أبناءه بالليفة والصابون هو تطوير لمشهد قام فيه بتنظيف ابنه "تامر هجرس" فى فيلم "التجربة الدانماركية" بالليفة والصابون على حلبة الملاكمة. البطل مثلاً لا يتوقف أمام الصورة المزيفة الواضح للمشاهد نفسه انها مركبة، والسيناريو لا يتوقف كثيراً أمام التفاصيل الهامة لعملية خداع البطل ، والسيناريو مثلاً يسامح "نيللى كريم" رغم انها اشتركت فى الخدعة ويظهرها لاحقاً زاهدة لا تهتم بالمال رغم فقرها رغم أنها خدعت البطل فى الأساس طمعاً فى المال. التمثيل فى مجمله عادى للغاية وهذا طبيعى فالشخصيات لا تحمل كثير من التفاصيل، وهى محدودة الحركة درامياً وموظفة بشكل نمطى، ولم يتألق أى من الممثلين أمام "عادل امام" ربما باستثناء "سعيد صالح" ضيف الشرف الذى جسد بالفعل بعض من معاناة مريض الزهايمر، لم تضف "نيللى كريم" لدورها أى حياة فبدت فاترة أغلب الوقت، وباقى الكاستينج يبدو كما لو كان من وحى مسلسلات رمضان الماضى بشكل ما، "أحمد رزق" على سبيل المثال يقدم دور تقليدى عن زوج ضعيف الشخصية أمام تسلط زوجته "رانيا يوسف" (راجع دوريهما وأدائهما أيضاً فى مسلسلى العار وأهل كايرو)، والمفاجأة أن تسلط الزوجة ينتهى برزق يصفع زوجته على وجهها فى نهاية الفيلم (لست فى حاجة لحصر عدد المشاهد المشابهة فى الأفلام القديمة الأبيض والأسود)، ولا تختلف "ايمان السيد" بايفيهاتها عن أغلب أدوارها كخادمة، أما "فتحى عبد الوهاب" فهو يقدم دور الشاب الأنانى الذى يعيش حياة لاهية ورغم حضوره النسبى الا انه يفتقد التألق لفقر دوره المكتوب. "زهايمر" من الأفلام العادية التى تعلو عن مرتبة السىء بدرجة وتحتاج لدرجات لتكون متميزة، وفى هذه النوعية من الافلام يضيع دائماً مجهود بعض صناع الفيلم المحسوبين على فريق السينما الجيدة، والحسبة بسيطة للغاية فالبقعة الصغيرة تفسد الثوب الأبيض، والاستخفاف الدرامى يفسد الفكرة النبيلة، وأسماء لها قيمتها الفنية مثل المخرج "عمرو عرفة" والموسيقار "عمر خيرت" ومهندس الديكور "صلاح مرعى" أو مدير التصوير "محسن أحمد" هم من صناع فيلم "زهايمر" الا أن تأثيرهم بسيط للغاية وابداعهم خافت ومتردد ومختفى خلف طغيان الاستايل "العادل امامى" للفيلم.