كان تاريخ عرض فيلم (إسماعيلية رايح جاي) في عام 1997 هوالحد الفاصل بين زمن سينمائي وآخر في مصر، أوالإعلان الحقيقي عن ظهور مرحلة سيادة الفيلم الكوميدي . فأصابت حمي الكوميديا الغالبية العظمي من إنتاج السينما المصرية . وأصبح شرط الصعود إلي عرش النجومية هو امتلاك الموهبة الكوميدية . والمؤسف أنه من بين كل أنواع الكوميديا كانت الهزلية هي الرائجة وإن كانت هبطت في كثير من الأحيان عن الشروط الصحيحة للفيلم الهزلي نفسه كنوع من الدراما له أصوله ونماذجه . وربما لهبوط مستوي الفيلم الكوميدي في غالبية الأعمال وإنحداره عن أدني مستويات الفن بل والذوق بدأت حالة التراجع . وبعد نجاح الفيلم الاجتماعي (سهر الليالي) 2003 جاءت مرحلة جديدة أهم ما يميزها فنيا هي الديناميكية والتغير المستمر في نوعية الموضوعات والأفلام وخريطة النجوم، وتوجهات الجمهور التي انقلبت في دورة شبه كاملة من سيطرة تامة للفيلم الكوميدي ونجومه إلي انقلاب تام في الموازين والبحث عن معادلات البطولة الجماعية وتنويع الموضوعات إلي حد غير مسبوق . لكن الخطير أن حالة الفيلم الكوميدي تدهورت إلي حد إصابتها بالهزال والأنيميا والجفاف . واعتقد أنه لولا انتعاشة مفاجئة في آخر موسم، كادت الأمور تصل خلال العام الحالي إلي ما ينذر باختفاء هذا النوع من علي خريطة أفلامنا . سيطرة الإفيه استهل هذا العام أفلامه الضاحكة بشريط هزلي بعنوان (كلمني شكرا) كأول بطولة لعمروعبد الجليل ومن إخراج خالد يوسف . في هذا الفيلم شغلت مساحات كبيرة من السيناريوحكايات ومواقف الكومبارس إبراهيم توشكا وسعيه الدءوب نحوكسب ملاليم تعينه علي مواصلة الحياة وتحقيق حلمه الساذج بالنجومية . فهو يشارك في برامج التوك شو كأحد أفراد الجمهور . وهو يستغل فرح يقام بحارته للتصوير كمقدمة لمشاهد مزيفة لبرنامج مشبوه عن الدخلة البلدي . وهو لا يتورع عن استغلال أمه لتمثيل مشهد ملفق لإثارة قضايا عن التعذيب بأحد أقسام الشرطة . وهي مواقف كان بالإمكان أن تتصاعد وتصنع فيلما كاملا في حد ذاتها، ولكن تتوه من خالد يوسف الفكرة في ظل استسلامه للإفيه الذي لوكان تمكن من مقاومته لأفلح في تحقيق كوميديا سوداء عن تكنولوجيا العصر التي يوظفها البعض كوسائل للانحدار إلي مزيد من التخلف والفشل والضياع . وإن كان المخرج قد اجتهد علي المستوي البصري في صنع صور صادقة وطريفة مستعينا بكاميرا سمير بهزان تبرز عشوائية الشكل في البيوت والملامح . وبديكورات حامد حمدان الأقرب لواقع الحارة اليوم المختلف عن الأكلاشيه التقليدي الذي سئمناه في أفلامنا . فتختلط فيها مظاهر الشعبية مع العشوائية وتلتف فيها أسلاك وصلات الدش المسروق كما تلتف حبال التكنولوحيا حول أعناقنا . أما عمروعبد الجليل في أول اختبار له كبطل كوميدي فيتمكن من تأكيد موهبته وتجسيد ملامح خاصة لإبراهيم توشكا قد تتشابه مع شخصيات قدمها من قبل ولكنها تملك صفاتها المميزة . فعمروصاحب موهبة كبيرة تنطلق بعد سنوات من الصبر والصقل ولا ينقصها سوي أن توظف في إطار مناسب وفي شخصيات مرسومة بعناية. ضياع الأسلوب وجاء موسم الصيف بثلاث محاولات للكوميديا أولهم كانت مع أحمد حلمي في (عسل إسود) والذي غلب علي كوميديته طابع القتامة . ولكن أخطر ما يعانيه هذا الفيلم من بين معظم ما قدمه أحمد حلمي سابقا هو الخلط بين التهريج والكوميديا . . أما محمد سعد في (اللمبي 8 جيجا) فهويواصل مسيرة انحداره بالكوميديا إلي الهاوية وهومصمم علي أن يظل حريصا علي إصدار أشرطة التهريج التي تسيء للكوميديا بدلا من أن تدفعها إلي الأمام علي الرغم من طاقته الهائلة وإمكانياته الخارقة في الأداء صوتيا وحركيا . ثم جاء فيلم (لا تراجع ولا استسلام) كآخر أوراق النجوم السوبر في كوميديا موسم الصيف، ليحقق تراجعا في أسهم أحمد مكي . وهويلعب في الفيلم شخصيتين إحداهما مجرم والآخر ساذج سينتحل شخصيته للإيقاع بعصابته وهوموضوع مكرر بطريقة مستفزة . ويبدو أن صناع هذا الفيلم كانوا يعتقدون أن الكوميديا وحدها لا تكفي فراحوا يغلفوها بطابع مبالغ فيه من الحركة والمطاردات التي أصبحت أفلامها موضة أكثر رواجا . وكان من الممكن إخضاع مشاهد الحركة للطابع الكوميدي فيحافظ الفيلم علي اسلوبيته. ولكن جاءت مشاهد البداية بعيدة تماما عن أجواء الكوميديا وكذلك جاءت مشاهد مطاردة النهاية، التي لا يمكن إعتبار رداءة تنفيذها دافعا للسخرية من فقرنا في هذا المجال، لأنها ببساطة فكرة غير واردة إلا في ذهن صناع الفيلم . وهنا بالتحديد يكمن الفرق بين الفيلم الكوميدي وبين نمر الضحك وبرامج السيت كوم . ففي الكوميديا السينمائية من المفترض أن كل تفصيله تعمل في خدمة إطار وبناء عام ورؤية وأسلوبية يحققها المخرج للوصول لهدفه الذي صنع العمل من أجله وليس لمجرد إثارة الضحك . وهنا أيضا يكمن تراجع الفيلم وإستسلامه لمفهوم ساذج للكوميديا . علي الجانب الآخر لا يمكن إنكار ملامح ساخرة واجتهادات واضحة في اتجاه الكوميديا في أفلام موسم العيد الصغير تفاوتت مستوياتها في النجاح والقدرة علي الإضحاك بين أفلام (الثلاثة يشتغلونها) و(عائلة ميكي) و(سمير وشهير وبهير) و(الرجل الغامض بسلامته) . ولكن هذه المحاولات والنجاحات المحدودة لم تكن كافية لإنقاذ الفيلم الكوميدي وإعادة ثقة الجمهور إلي مشاهدته والانتعاش إلي سوقه . وجاء موسم العيد الكبير ليشهد إنفجارا كوميديا وانفرادا شبه تام لهذا النوع الذي سيطر علي الافلام الاربعة التي تنافست علي إيرادات السوق . ولم يخرج عن سياق الافلام المرحة في هذا الموسم سوي فيلم (بصرة) للمخرج أحمد رشوان . وهوفيلم علي الرغم من قيمته الفنية إلا أنه لم يعرض إلا في شاشتين ولم يحظ بدعاية تذكر، فضلا عن طبيعة موضوعه الجادة التي لا تناسب جمهور العيد ، فخرج سريعا من المنافسة . ضحك أم كوميديا ؟ وتصادف في هذا الموسم أن يعود أحمد حلمي إلي مساره الكوميدي بعد غياب في فيلم (بلبل حيران) وأن يوقف أحمد السقا سلسلة أفلام العنف في استراحة مع فيلم مغامرات مرحة لا يخلو من نقد اجتماعي هو(ابن القنصل) . وكانت المفاجأة أن ينضم محمد رجب إلي قافلة الكوميديا في (محترم إلا ربع) . وهونجم بدأ مسيرته بأدوار الشر ثم اتجه إلي أفلام الحركة وها هويكشف عن قدرات كوميدية خفية . أما النجم الكبير عادل إمام فإنه علي الرغم من طبيعة موضوعه المأساوية في (زهايمر) عن جحود الأبناء إلا أنه يجتهد بخبرة ومهارة في أن يغلفها بإطار من الكوميديا . بينما تاه أحمد حلمي في (بلبل حيران) وحقق فشلا ذريعا في رأيي نتيجة لعدم فهم كاتبه لطبيعة الفيلم الكوميدي العاطفي الذي له شروط ومواصفات أخري تختلف تماما عن كوميديا الفارس . فأفسد الفيلم لجوءه إلي الكوميديا اللفظية وغياب الحس العاطفي والإنساني وهي أهم شروط هذا النوع . وربما لا يختلف الأمر كثيرا في تجربة محمد رجب ولكن يشفع له أنها أول كوميديا صريحة يقدمها بعد نجاحه في الكوميديا الخفيفة التي قدمها في فيلمه السابق (المشمهندس حسن) . وتعد تجربة (ابن القنصل) للمخرج عمروعرفة هي أنضج التجارب في رأيي فهوفيلم يعبر عن الفهم الصحيح للعمل السينمائي باعتباره عملاً جماعياً يقوده مخرج لديه رؤية. وتتوزع مساحات أدواره تبعا لأهميتها الدرامية وليس طبقا لشروط النجم . مع ابن القنصل سوف تعيش حالة من المرح وسوف تستمتع بذكاء الفيلم . وسوف تضحك بالتأكيد في لحظات كثيرة . ولكن هذا لا يعني انتماء الفيلم للكوميديا بشكل مطلق، فهو فيلم مغامرات بالدرجة الأولي يعتمد علي جهل المشاهد والشخصيات بالملعوب أوالمؤامرة التي يجري تدبيرها لإحدي الشخصيات . ومن هنا تغيب الكوميديا للحظات كثيرة . ويقترب البناء من الشكل البوليسي ويبتعد عن الشكل الكوميدي الذي يعتمد غالبا علي أن الجمهور يعرف تفاصيل المؤامرة ويعيش لحظات طويلة من الضحك وهويشاهد ضحيتها وهويقع في شر اعماله . وهكذا ورغما عن اجتهادات ونجاحات البعض وقدرة عدد من الأفلام علي إثارة الضحك، إلا أن مدرسة الكوميديا لم ينجح فيها أحد . لأن الأفلام الكوميدية إعتمدت علي النجم الأوحد وإيفيهاته، بينما الأفلام التي أثارت الضحك بالفعل هي أفلام لا تنتمي إلي النوع الكوميدي بالأساس وإن كانت تتمتع ببعض الملامح الكوميدية مثل (زهايمر) و(ابن القنصل) . أعتقد أن الكوميديا سوف تظل في خطر مع استمرار سيطرة النجوم علي مقدراتها واستسلام النص لارتجالاته وانصياع المخرج لشروطه . وهوأمر مؤسف جدا للكوميديا السينمائية المصرية العريقة التي شهدت تفوقا وتميزا كبيرا علي أيدي مخرجين كبار منذ فجر السينما وحتي الستينات مثل نيازي مصطفي وفطين عبد الوهاب وعباس كامل الذين أخلصوا لها وأبدعوا روائعها . واستسلم لشروطهم وتوجيهاتهم كبار نجومنا ومنهم رشدي أباظة وصلاح ذوالفقار وشادية وعمر الشريف وسعاد حسني .