يحتاج صناع السينما فى مصر هذه الأيام إلى من يحل لهم هذا اللغز، أو إلى من يصدر لهم فتوى – لو كان للسينما من فتاوى – ليفهموا المعادلة الجديدة.. الحل ليس صعباً وهم يقينا يعرفونه، لكن اللغز الحقيقى والمعادلة الغامضة إنما يكمنان فى ذوق الجمهور.. بمعنى أدق: من يضمن أن الحل دائم هذه المرة؟ أو من على يقين بأن الجمهور لن يعاود الكرَّة فيغير ذوقه مجدداً لتتحول معه بوصلة الإنتاج للمرة الثالة أو الرابعة فى أقل من عشر سنوات؟ يبدو الكوميديان «محمد هنيدى» واثقاً بأن حل المعادلة الذى فى معيته هو حل نهائى.. فقبل 4 سنوات كانت الكوميديا تتصدر سوق السينما وحدها من دون منازع، وكان من يناطحها بفيلم جاد أقرب إلى الجنون .. ثم انقلبت الآية بسلسلة من الأفلام الجادة وسقطت الكوميديا من فوق عرشها ليسود الفيلم الجاد من ألوان سينمائية متباينة كالفيلم السياسى أو الرومانتيكى أو الغنائى أو الاجتماعى، واصطبغت جميع هذه الأفلام بجدية وجرأة ومواكبة للحدث، وانفتاح واضح من جانب الرقابة على المصنفات الفنية بمصر، الأمر الذى أكسب هذه الأفلام زخماً متزايداً.. واليوم وبعد أن تراجعت الكوميديا عن عرشها سنوات، تعود بسبعة أفلام ضاحكة مضحكة فى مواجهة، أو إلى جانب فيلم واحد جاد هو «الوعد» الذى اضطلعت ببطولته المغنية الشابة «روبى»، ووجه جديد رجالى لمع فى حلقات «الدالى» هو «آسر ياسين» بشراكة مع محمود ياسين بتاريخه الكبير الذى يبدو أنه سيتحول إلى شريك للموجة الجديدة فى أفلامها بعد أن لفت النظر بحضور طاغ فى فيلم أحمد السقا الأخير «الجزيرة» صيف العام الماضى.. يمكن تسميتها معادلة محمد هنيدى.. هذا أن فيلمه الجديد «رمضان مبروك أبو العلمين حمودة» – صاحب أطول عنوان لفيلم فى تاريخ السينما المصرية - حقق طفرة إيرادات غير متوقعة، بعد سنوات أخفق فيها هنيدى بأفلامه فى ملاحقة محمد سعد الذى اندلع بفيلمه «اللمبى» 2002، ثم ملاحقة أحمد حلمى الذى تصدر الساحة الكوميدية منذ ثلاث سنوات بأفلام جمعت إعجاب الجمهور إلى إعجاب النقاد، ما يعد نادراً فى أفلام الكوميديا. المعادلة تقوم على فكرة أن الكوميديا لم تتراجع ولم تختف ولن تختفى، وهو ما يشدد عليه هنيدى أخيراً فيقول: «إن الذين افترضوا ذلك لا يفهمون حقاً تكوين الجمهور فى مصر، فهو جمهور ينتمى إلى شعب ضاحك ساخر عريق فى صناعة السخرية، بل إن الممثلين الكوميديين هم الذين عليهم أن يتعلموا من الجمهور المصرى».. وهكذا فإن الكوميديا كانت بحاجة إلى من يعيد إنتاجها بصورة تلائم مزاج الجمهور اليوم والمناخ العام الآنى، فقط لا غير..ومن فشلوا إنما فشلوا فى معالجة الضحك بصورة ملائمة وليس فى نظرية الإضحاك ذاتها. لكنها – أى الكوميديا – لن تعود كما كانت منفردة بالعرش.. فالنهر جرت فيه مياه كثيرة وذوق الجمهور تغير مرات عدة فى السنوات العشر التى هى عمر موجة السينما الجديدة (التى يؤرخ لبدايتها بفيلم «إسماعيلية رايح جاى»..)، ولم يعد من الممكن الضحك طوال الوقت، كما أن البكاء والتأمل والتفكير طوال الوقت جميعها لم تعد أموراً ممكنة وحدها أيضاً. التجاور فى السوق هو الحل.. فموسم مثل عيد الأضحى عرض فيه فيلم واحد جاد إلى جوار سبعة أفلام ضاحكة، وموسم إجازة منتصف العام الدراسى يعرض به فيلمان جادان إلى جوار أربعة كوميدية، وهكذا.. أما أن تكون الكوميديا مستبعدة، مغضوباً عليها، محصورة فى خانة الاتهام كما حصل لها فى السنوات الأخيرة – باستثناء أفلام عادل إمام وأحمد حلمى فقط – فإن هذا لن يستمر طويلاً!