وزير الداخلية يوجه برفع درجة الاستعداد القصوى لتأمين الاحتفالات بالعام الجديد    القومية للأنفاق بعد كسر ماسورة المياه بالتسعين: مونوريل شرق النيل سليم 100%    الرئيس الإيراني يعلق على تهديدات ترامب: ردنا سيكون قاسيا ومؤسفا    الأونروا: حملة الاحتلال ضد الوكالة ممنهجة وتهدف للقضاء على دورها    إخلاء سبيل صانعة المحتوى كنزي في اتهامها بنشر محتوى خادش بكفالة مالية    مصدر بالتعليم: 139 ألف طالب بالصف الأول الثانوي أدوا امتحان مادة البرمجة حتى ظهر اليوم    منهم ليلى علوي وإلهام شاهين.. نجوم الفن في جنازة والدة الفنان هاني رمزي    مستشفيات جامعة بني سويف: استقبلنا أكثر من 1.25 مليون حالة خلال عام 2025    لجنة ضبط أداء الإعلام الرياضي تثمن الجهود الإعلامية لدعم المنتخب وتعزيز روح الانتماء    الكرملين: محاولة نظام كييف مهاجمة مقر بوتين عمل إرهابي    كرة السلة، الأهلي يبدأ رحلة البحث عن محترف جديد    الكشف عن موعد فترة القيد الشتوية في مصر    حين يتحول التعليم من أداة للعدالة إلى آلية لإعادة إنتاج اللا مساواة!    محافظ المنوفية يوجه بفتح مقر جديد للمركز التكنولوجي لاستقبال طلبات المواطنين    تباين أداء مؤشرات البورصة بمنتصف تعاملات اليوم الثلاثاء    مهرجان المنصورة الدولي لسينما الأطفال يكشف عن بوستر دورته الأولى    وزير الثقافة يُطلق «بيت السرد» بالعريش ويدعو لتوثيق بطولات حرب أكتوبر| صور    وزارة العدل تقرر نقل مقرات 7 لجان لتوفيق المنازعات في 6 محافظات    وزير الصحة: نموذج مستشفيات 2026 سيراعي التطور التكنولوجي الكبير    تقديم 22.8 مليون خدمة طبية بمحافظة الشرقية.. و2 مليار جنيه لتطوير المنشآت العلاجية    تحذيرات من أجهزة اكتساب السُّمرة الصناعية.. تؤدي إلى شيخوخة الجلد    أحمد الفيشاوى يحتفل مع جمهوره بالكريسماس.. فيديو    كيف يستفيد أطفالك من وجود نماذج إيجابية يحتذى بها؟    وزير العمل يهنئ الرئيس والشعب المصري بالعام الجديد    ضبط قضايا تهريب ومخالفات مرورية خلال حملات أمن المنافذ    مهرجان أسوان لأفلام المرأة يعلن عن برنامج تدريبي للشباب بأسيوط    محمد يوسف: حسام حسن يثق في إمام عاشور.. وكنت أنتظر مشاركته ضد أنجولا    حمدي السطوحي: «المواهب الذهبية» ليست مسابقة تقليدية بل منصة للتكامل والتعاون    إحالة سائق إلى محكمة الجنايات في واقعة دهس شاب بالنزهة    وزيرا التموين والتنمية المحلية يفتتحان معرض مستلزمات الأسرة بالسبتية    فيديو.. متحدث الأوقاف يوضح أهداف برنامج «صحح قراءتك»    حازم الجندى: إصلاح الهيئات الاقتصادية يعيد توظيف أصول الدولة    هيئة السكة الحديد تعلن متوسط تأخيرات القطارات اليوم بسبب أعمال التطوير    قد يزامل عبد المنعم.. تقرير فرنسي: نيس دخل في مفاوضات مع راموس    محافظة الجيزة تعزز منظومة التعامل مع مياه الأمطار بإنشاء 302 بالوعة    الصحة تنفذ المرحلة الأولى من خطة تدريب مسؤولي الإعلام    حسام عاشور يكشف سرًا لأول مرة عن مصطفى شوبير والأهلي    بنك مصر يخفض أسعار الفائدة على عدد من شهاداته الادخارية    رئيس جامعة الجيزة الجديدة: تكلفة مستشفى الجامعة تقدر بنحو 414 مليون دولار    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 30-12-2025 في محافظة الأقصر    لهذا السبب| الناشط علاء عبد الفتاح يقدم اعتذار ل بريطانيا "إيه الحكاية!"    اليوم.. طقس شديد البرودة ليلا وشبورة كثيفة نهارا والعظمي بالقاهرة 20 درجة    اسعار الفاكهه اليوم الثلاثاء 30ديسمبر 2025 فى اسواق المنيا    مساعد وزير الخارجية الفلسطيني الأسبق: تهديد ترامب لحماس رسالة سياسية أكثر منها عسكرية    «التضامن» تقر توفيق أوضاع جمعيتين في محافظة القاهرة    مجانًا ودون اشتراك بث مباشر يلاكووووورة.. الأهلي والمقاولون العرب كأس عاصمة مصر    القبض على المتهمين بقتل شاب فى المقطم    إعلامي يكشف عن الرباعي المرشح لتدريب الزمالك    إصابة منصور هندى عضو نقابة المهن الموسيقية فى حادث تصادم    إعلام فلسطيني: طائرات الاحتلال تشن غارات شرقي مخيم المغازي وسط قطاع غزة    إيران: أي عدوان علينا سيواجه ردًا قاسيًا فوريًا يتجاوز خيال مخططيه    الداخلية تكشف ملابسات خطف طفل بكفر الشيخ | فيديو    محافظة القدس: الاحتلال يثبت إخلاء 13 شقة لصالح المستوطنين    بيان ناري من جون إدوارد: وعود الإدارة لا تنفذ.. والزمالك سينهار في أيام قليلة إذا لم نجد الحلول    بوينج توقع عقدًا بقيمة 8.5 مليار دولار لتسليم طائرات إف-15 إلى إسرائيل    ما أهم موانع الشقاء في حياة الإنسان؟.. الشيخ خالد الجندي يجيب    هل تجوز الصلاة خلف موقد النار أو المدفأة الكهربائية؟.. الأزهر للفتوى يجيب    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 29-12-2025 في محافظة الأقصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصة لغز.. والحل وارث
نشر في اليوم السابع يوم 29 - 01 - 2010

فى أحد الأيام... كان أحدهم يمشى فى الشارع بنظرات زائغة... وكان يهذى بكلمات غير مفهومة... يحاول التحدث بطلاسمه إلى كل من يقابله ولا أحد يفهمه... كانت هيئته توحى بأنه يعيش أزمة حقيقية... نظراته... انكساره... اليأس الذى يبدو واضحا فى نبرات صوته... خطواته المتثاقلة... للدرجة التى جعلت عددا كبيرا من المارة يجتمعون حوله لمحاولة مساعدته... لمحاولة تهدئته... لمحاولة معرفة مصيبته... لكن... لا فائدة... هو مستمر على حالته... والجمع مستمر فى الزيادة من حوله.
وفجأة... عندما لاحظ أن هناك عددا غفيرا من الناس التف حوله... اطمأنت نفسه وبدأ يتحدث بكلام مفهوم... قائلاً لهم... إن هناك لغزا وإنه مطالب بإيجاد حل له... وإذا لم يفلح فى حل ذلك اللغز... فإن حياته وحياة أسرته ستتعرض للخطر وستصبح مهددة بالدمار... ازدادت الدهشة البادية على الجمع من حوله... وطالبه الجميع أن يوضح أكثر... وبهدوء بدأ يتحدث إليهم ويخبرهم ذلك اللغز وقال: أعول زوجة ربة منزل، وثلاثة أبناء، الأول بالإعدادية، والثانى بالثانوية، والثالثة بالجامعة... وكنت قد ورثت بعض المال ولكن ومنذ أسبوع انتهى كل ما ورثت... الآن ونحن ببداية سنة جديدة، أحاول أن أطمئن على حياتى وحياة أسرتى، ولذلك، ومنذ عدة أيام مضت، وأنا أحاول أن أنظم حياتى المقبلة... وكما كنت معتادا، وضعت دخل أسرتى الشهرى الذى هو فقط راتبى ابتداء من هذا الشهر، وبدأت أحاول توزيعه على المصروفات الشهرية المعتادة... إيجار سكن... كهرباء... غاز... ماء... بواب... دروس ثانوية عامة وإعدادية... مواصلات خاصة بى وبأبنائى... مصروفات يومية لأبنائى... إفطار وغداء وعشاء لى ولأفراد أسرتى... أدوات نظافة وغيرها من مستلزمات المنزل... هذا بالإضافة إلى توفير المبالغ المطلوبة للمصروفات اللازمة سنوياً للملابس... ولدفع مصاريف الجامعة والمدراس ... ولشراء كتب مدرسية وكتب خارجية وكتب جامعية ... ولمصاريف الذهاب للأطباء وشراء الدواء ... وللذهاب فى عطلة الصيف للمصيف أو لزيارة الأهل والأقارب ... ومحاولة الاستعداد لمستقبل الأبناء ... و ... و ... ... ... هذا هو اللغز الذى حارت فيه قدرتى على التفكير ... فهل من أحد ليساعدنى ويوجهنى كيف لى أن أحل هذا اللغز؟ هل منكم من هو فى نفس ظروفى وراتبه أقل من مصاريفه الشهرية ؟ برجاء إسداء النصح لى ... وأعتذر لمن راتبه يتناسب مع مصاريف معيشته وأشكر له الاستماع لشكواى ولكن أعتقد يمكنه أن يحمد الله وينصرف....!!!
انصرف قليل من الحاضرين الذين لا يعانون من تلك المشكلة وراضون عن دخلهم الشهرى... وبعد انصرافهم ... ولأن هذا اليوم كان مخالفا للعادة حيث كان عيد الصدق ... وهو يتطلب أن يصدق كل إنسان فيما يتحدث به إلى الآخرين ... بدأ الجمع من حوله... كل يحكى وبصدق ... كيف حل هذا اللغز فى حياته الخاصة ... فقالوا واحداً تلو الآخر...
أنا طبيب وقمت بحل اللغز بسرقة الأعضاء وبيعها وعدم العمل بضمير فى المستشفى الحكومى حتى أستقبل بسطاء المرضى فى عيادتى الخاصة .. أنا موظف حكومى وقمت بحل اللغز بأخذ عمولات وهدايا ورشاوى ... أنا دكتور جامعة وقمت بحل اللغز بإجبار الطلاب على شراء الكتب الخاصة بى وإهمال طلبتى وأبحاثى للتفرغ للعمل الخاص... أنا مدير بنك وقمت بحل اللغز بعمل تسهيلات للعملاء وأخذت نسبة من القروض وتلاعبت بحسابات بعض العملاء... أنا محام وقمت بحل اللغز بمرافعات للدفاع عن مجرمين أعلم علم اليقين أنهم يستحقون العقاب لكنى أستغل ثغرات القانون... أنا تاجر وقمت بحل اللغز ببيع بضاعة درجة تانية وثالثة على أنها درجة أولى وبيع بضائع فاسدة... أنا مفتش ومراقب وقمت بحل اللغز بالتغاضى عن مخالفات من يدفع الثمن ... أنا سواق وقمت بحل اللغز بمضاعفة تعريفة الركوب ... أنا مدرس وقمت بحل اللغز بتهاونى وفقدان ضميرى فى المدرسة وإضاعة وقت الحصة المدرسية فى التهريج وملاطفة طلبة الدروس لإجبار الطلبة على الدروس الخصوصية... أنا مهندس وقمت بحل اللغز بالسرقة من ميزانية الشركة والغش فى الأساسات و التلاعب بعروض المناقصات والممارسات... أنا أمين مخازن وقمت بحل اللغز بالسرقة من محتويات المخزن ... أنا رجل أعمال وقمت بحل اللغز بأخذ قرض من البنك وبتجارة المخدرات واستيراد بضائع وأغذية رديئة وبيعها بأسعار عالية... أنا موظف وقمت بحل اللغز بالرشاوى وبعدم الإخلاص فى عملى والنوم أثناء العمل لكى أستطيع العمل بمكان آخر حتى منتصف الليل... أنا ساعى وقمت بحل اللغز بمد يدى للموظفين... أنا فهلوى وقمت بحل اللغز بالنصب على من يعطينى الأمان... أنا عاطل وقمت بحل اللغز بالنشل من القادرين ومن غير القادرين... أنا عاطل وقمت بحل اللغز ببيع المخدرات ... أنا مواطن وقمت بحل اللغز بالقتل من أجل السرقة ... أنا موظف وقمت بحل اللغز بأنى أجبرت أبنائى على ترك الدراسة للعمل لدى حرفيين ... أنا موظف وقمت بحل اللغز بأنى طلقت زوجتى ولا أعرف شيئا عن أولادى ومحاولة نسيان عجزى المادى ... أنا مواطن وقمت بحل اللغز بالجلوس للشحاتة فى ميدان عام... أنا موظف وقمت بحل اللغز ببيع أحد أبنائى وهو صغير لإحدى الأسر التى تعطينى راتبا شهريا ليكمل مصاريف أسرتى الشهرية... أنا موظف وقمت بحل اللغز ببيع كليتى... أنا فتاة لأسرة فقيرة وقمت بحل اللغز بالتهاون فى شرفى... أنا... أنا... أنا...
وهكذا أخذ كل منهم يخبرهم كيف استطاع أن يحل هذا اللغز بطرق ووسائل إما مهينة وإما غير مشروعة...
لكن بقيت مجموعة من الناس يبدو من مظهرهم أنهم من مستويين ماديين مختلفين... أحدهما يبدو عليه ضيق الحال والآخر عكس ذلك... كلا المجموعتين لم يتحدثا حول كيفية قيامهم بحل هذا اللغز.... وعندما سألهم الرجل... أجابت المجموعة الأولى التى يبدو عليها ضيق الحال... بأن ما ذكره الرجل عن حياته السابقة إنما هى حياة تمتلئ بالرفاهية... ولكن حياتهم هى حياة الطبقة الغالبة والمطحونة من الشعب... وليست بها تلك الرفاهية التى كان يحياها... فمنهم من ليس بحياته تعليم لأبنائه لأنهم جهلة... أو ليس بها إفطار وغداء وعشاء فى يوم واحد لأنهم جميعاً يكتفون بوجبة واحدة...أو ليس بها مواصلات لأنهم يمشون على الأقدام... أو ليس بها مصروف للأبناء لعدم وجود ما يعطونه لأبنائهم...أو ليس بها شراء كتب جديدة فكتب أبنائهم دائما قديمة... أو ليس بها ملابس جديدة فملابسهم دائما قديمة... أو ليس بها دفع كهرباء أو غاز أو سكن فهم يسكنون الخلاء ... ولكنهم راضون بما قسم الله لهم من العيش... فترة من الصمت... بعدها نظر الجميع إلى المجموعة الثانية والتى لا يبدو عليها المعاناة مثل المجموعة الأولى ... فقال أفراد هذه المجموعة "إن لدينا ما ورثناه"...
لحظة صمت أخرى يفكر فيها الجميع... إذا كان من يعيش حياة كريمة لابد له أن ينعم الله عليه بإرث... وإذا كان هناك مواطنون... يعيشون فى فقر أو بطالة أو عمل براتب أقل من متطلبات الحياة... يجعلهم يمدون أيديهم... وقد لا يجدون من يمد لهم يده بالعون... ومنهم من يخالفون ضمائرهم لكى يستطيعوا أن يستمروا ويحصلوا على قدر من الحياة البسيطة والغير مرفهة... ومن المؤكد أن تلك السلوكيات ستستمر معهم حتى وإن تغير بهم الوضع الحالى إلى وضع أفضل... لأنهم سيتطيعون بتلك السلوكيات... وستصبح ملازمة لهم أينما كانوا ومهما كانت حالتهم المادية أو وضعهم الاجتماعى.
إذا كان هناك من استطاع حل هذا اللغز بشكل لا يفقده جزءا من كرامته أو جزءا من احترامه لذاته أو جزءا من ضميره، فأرجو أن يساعد هؤلاء بذكر طريقته ووسيلته!!! فهناك كثير من هذا الرجل يحتاجون المساعدة لحل لغز المرتب والحياة الكريمة.
وإذا كانت وزارة المالية تعيش حياة كريمة بالتفنن فى فرض ضرائب جديدة بالإضافة إلى ضرائبها السابقة..
أليس من حق كل هؤلاء العاطلين والغير قادرين براتبهم الشهرى أن ترعاهم وتفكر فيهم الدولة؟
أليس من حق كل هؤلاء أن يتم إعفاؤهم من جميع أنواع الضرائب... ضرائب الخدمات وضرائب المبيعات؟
أليس من حق كل هؤلاء أن تمدهم لهم الدولة يدها براتب شهرى يستحقونه يضاف إلى راتبهم ليسمح لهم بالوفاء بمتطلبات حياة كريمة؟
إلى متى ستتخلى الدولة عن مسئولياتها تجاه هؤلاء... وتتركهم يحاولون حل هذا اللغز القائم بين مرتباتهم وتكاليف الحياة الواقعية الكريمة بأن يتعدى كل منهم على حقوق الآخر فيجبر الآخر أن يدفع له باقى راتبه والذى تتجاهله الدولة... إلى متى يظل الحل لهذا اللغز باستخدام الأساليب الملتوية... من سرقة... ورشاوى... وعمولات... ونصب... وشحاتة... و... و... و... إلى متى ستترك الدولة الأرض خصبة لتنمو فيها هذه الأساليب وتستوطن من يتبعها وتصبح عادة له مهما شغل من وظائف ومهما تغيرت حالته المادية بزيادة دخله...
إلى متى يظل المواطن المصرى البسيط يستكمل راتبه من راتب مواطن مصرى آخر يحتاج من يكمل له راتبه....؟
وإلى متى يعانى الجميع من الفساد الناتج عن ذلك...؟
* مدرس مساعد- كلية الحاسبات والمعلومات- جامعة عين شمس


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.