الكوميديان الموهوب سقط فى فخ الاستسهال والنمطية غالبًا ما يحتاج النجم على فترات متفرقة إلى ترتيب أوراقه والتأنى فى اختيار أفكاره على مدار مشوار عمله، حتى لا يقع فى فخ التكرار الذى أسهم فى سقوط نجوم كثيرة.. هذه المعلومة البديهية يجب على أحمد حلمى أن يستوعبها بعمق، حيث إنه شارك فى سباق موسم عيد الفطر الماضى بفيلم مقتبس مثلما عودنا فى أفلامه الأخيرة التى كانت تعتمد على تقديم فكرة عامة مقتبسة من فيلم أمريكى لكنها بنكهة مصرية، لكن توليفة حلمى لم تنجح هذه المرة. فيلم حلمى الأخير «صنع فى مصر» فكرة مقتبسة من الفيلم الأجنبى «ted»، لكن الأزمة ليست فى الاقتباس، فقد سبق وقدم حلمى أفلامًا رائعة مقتبسة عن أفكار أجنبية، لكن الأزمة هذه المرة كانت فى طريقة التناول والمضمون والإبداع الذى غاب عن حلمى فى آخر فيلمين، وبدلاً من البحث عن ما هو جديد والدخول فى مغامرات فنية محسوبة شاهدناها فى أفلامه السابقة، نجد ملك شباك التذاكر السابق يلجأ إلى الاستسهال، خاصة أنه يظهر فى الفيلم من الجلدة للجلدة دون وجود مساحة لباقى النجوم المشاركين معه. الكل يعرف رصيد أحمد حلمى الكبير لدى الجمهور وحبهم له، لكن حلمى فى «صنع فى مصر» جعل المشاهدين يدخلون فى حالة من الملل، خاصة لأنه يقدم كوميديا قديمة لم يعد الجمهور يرغبها مثل الماضى، وأصبح يبحث عن كوميديا من نوع آخر مثلما يقدمه الثلاثى فهمى وشيكو وماجد. لكن يبدو أن حلمى لم يستيقظ بعد من صدمة سقوط فيلمه وعدم تربعه على عرش الإيرادات، ليدخل فى حرب من نوع آخر باحثًا بأى طريقة عما يثبت أن إيرادات فيلمه فى المركز الثانى، وهو ما أوضحناه خلال العدد السابق بأنه فى المركز الثالث بل ويتقهقر أحيانًا للرابع. إيرادات حلمى المتراجعة جاءت مع آخر فيلمين له، خاصة أن فى «صنع فى مصر» حدث نوع من الصدمة لدى الجمهور، وأغلبهم كان يقاوم النعاس أثناء مشاهدة العمل، وذلك لعدم وجود جديد فى الفيلم لم يقدمه حلمى من قبل، «صنع فى مصر» يتحدث عن رحلة شاب فاشل يملك محل ألعاب لا يستطيع أن يدفع القرض الملزم به، لكنه يقع فى غرام فتاة تدعى «علا» تعمل فى المتجر المقابل له وتجسد دورها «ياسمين رئيس» والتى عانت من عدم وجود مساحة فى الإبداع أو حتى التمثيل، وهو ما لا تستحقه فنانة موهوبة مثلها بعدما قدمت بطولة «فتاة المصنع». ومثل كل أفلام حلمى الأخيرة يتعرض حلمى لموقف «خوارقى» يقلب حياته رأسًا على عقب، وهو فى هذه المرة يتلبس فى دب باندا يوجد عنده فى المحل، وكل دوره كان أن يقول عددًا من النصائح والمواعظ لا تستحق إلا أن تكون موجهة لأطفال لا يتعدى عمرهم العشر سنوات. هذا التحول الفانتازى جاء بسبب دعاء أخته الصغيرة التى تمنت أن يصبح علاء هو الدب، لأنه لم ينفذ لها ما تطلبه ولا يصنع لها العرائس التى تحتاجها فى مسرحيتها، كل هذا مقبول بل وهو يجعلنا نذهب بخيالنا إلى مناطق بعيدة تحتمل الإبداع والضحك والخيال والترميز، لكن كل هذا لم يحدث للأسف. خيال المؤلف جعل روح وعقل الدب المجسد فى جسد علاء شخصية فى البداية لا تستطع التعامل مع البشر، وتتسم بالغباء الشديد، وهذا ما تم عرضه من خلال بعض المواقف التى نستطيع أن نقول عليها «كوميديا قديمة» ومستهلكة لكن صناع العمل أرادوا أن يجعلوا جسد أحمد حلمى هو أساس العمل فى معظم الأحداث، لتستطع روح وعقل الدب المجسدة به أن تتعلم حياة البشر، بالإضافة إلى أنه استطاع أن ينجح فى تجارة علاء الفاشل، ويتربح من تجارته، ويتعامل مع عملاء فى الصين، ويستفيد من الصناعة المصرية وهى العرائس، ليستيقظ الدب الممثل به روح علاء مما هو فيه، ويعرف سر تحوله صدفة عندما قرر العودة إلى المنزل، حيث يعلم أن دعاء أخته هو سبب فقدانه لجسده، ليبدأ بعدها فى محاولة إرضائها وصناعة العرائس التى تحتاجها لتدعى مرة أخرى أن يكون أخوها بجوارها، وهنا تعود حياته مرة أخرى إلى جسده بشكل أوتوماتيكى، ويستطيع أن يربح قلب ياسمين التى تعلقت كثيرًا بالدب الموجود فى جسد حلمى. النتيجة التى ستخرج بها من مشاهدة «صنع فى مصر» هى أنه عمل متواضع فنيًا ودراميًا، رغم وجود مخرج يتسم بالإبداع فى أعماله التى قدمها من قبل، وكان يصدر منها رسائل مهمة وكادرات ولقطات مميزة، لكن لم يستطع المخرج عمرو سلامة أن يجذب حلمى إلى عالمه، بل حدث العكس، وأصبح سلامة يقدم عملا مفصلا بطريقة مملة لحلمى، الذى سيطر على العمل بأكمله وظهوره تقريبًا فى جميع المشاهد وسيطرته التامة على الأفيش أيضًا، ورغم ذلك لم يحقق المطلوب، لكن رصيده لدى الجمهور من الممكن أن يجعله يعود لطريق الإبداع الفنى مرة أخرى، ولا يسير على طريقة الفنان محمد هنيدى ومحمد سعد اللذين أصبحا لا يقدمان جديدًا منذ سنوات. تواصلنا مع الناقد السينمائى نادر عدلى، والذى قال: إن أحمد حلمى سار فى الثلاثة أفلام الأخيرة مكررًا لنفس الشخصية التى نالت نجاحًا وقتها، لكن تكرارها مضر، فالشخصية التى قدمها ليس لها أبعاد حقيقية، كما أن الجمهور لم يعد يرغب فى هذه النوعية وخطؤه هو عدم التجديد لنفسه، حتى بعد أن أصبح المشاهد غير راض عن أسلوبه. عدلى يعتبر أن حلمى يهدر نجوميته بين الإعلانات والبرامج التليفزيونية بحثًا عن الربح السهل، بينما عليه أن يبحث عن أفكار جديدة وسيناريوهات متميزة لا تصنع خصيصًا له، كى يقدم ما يعبر عن طموحات وأفكار الناس، منبهًا إلى أنه لو لم يستطع تجاوز هذه العثرة سيتراجع كثيرًا. ويتفق معه فى الرأى الناقد طارق الشناوى، الذى اعتبر أن حلمى استمر فى فكرة الخروج عن المألوف لكن بشكل كسول، وفشل فى اختيار المضمون المناسب للفيلم، واستعان بالمخرج عمرو سلامة الذى لم يضف جديدًا، وأصبح يلعب بمفردات أحمد حلمى، بالإضافة إلى اهتمام حلمى بالمنافسة على الإيردات ليس أكثر. واختتم الشناوى بأنه يعتقد بحدوث تغير فى المذاق الكوميدى للشعب المصرى، وعلى النجوم كلهم مراعاة ذلك، بخلاف أن حلمى قدم عملاً مملاً وعليه أن يعترف بأخطائه كى يستطيع اختيار العمل الجيد فى المستقبل، خاصة أنه من المعروف عنه الذكاء وحسن الاختيار.