المفاجأة أن فيلم الحرب العالمية الثالثة، يتصدر إيرادات أفلام العيد، وأن دور السينما التي تعرضه تشهد زحاماً منقطع النظير، والأغرب أن الناس بتحجز لحفلات قادمة، وهو أمر لم يحدث من سنوات، ويعني أن السينما المصرية قد دبت بها الحياة، ولو بشكل مؤقت، والشهادة لله، أن الإقبال الجماهيري، علي دور العرض لاينفرد به، فيلم الحرب العالمية الثالثة فقط، ولكن يشاركه النجاح الفيل الأزرق، وصنع في مصر، أما فيلم ياسمين عبدالعزيز فترتيبه الرابع من حيث الإيرادات، والفرق بينه وبين الأفلام الثلاث الأول فرق ملحوظ في الإيرادات! طبعا في الأعياد، وكما هو متوقع الجمهور يفضل الفيلم الكوميدي، وذلك لأن النسبة الأكبر من هذا الجمهور من فئة الشباب والمراهقين، وهؤلاء يفضلون عدم إرهاق رءوسهم بأفلام تناقش قضايا، أو تحتاج إلي تركيز، باختصار هو جمهور يسعي للانبساط ومش عايز وجع دماغ! ولكن الخبر المفرح، أن الفيلم رغم أنه من إنتاج واحد من السبكية، إلا أنه يخلو من الخلطة المشهورة، التي شكونا منها كثيرا، يعني مش حا تلاقي بلطجي ورقاصة ومطرب شعبي بيضرب علي قفاه، وما تيسر من مشاهد متكررة في كل أو فلنقل معظم الأفلام التي تحمل ختم السبكية! ورغم نجاح الحرب العالمية الثالثة الذي يلعب بطولته الثلاثي أحمد فهمي، شيكو، هشام ماجد، وأخرجه أحمد الجندي، إلا أنه يفرض علينا مناقشة، قضية سبق أن تعرضنا لها مراراً، ونضطر لإعادة فتح ملفاتها في كل مرة، وهي قضية الاقتباس! نعم الاقتباس ليس جريمة، بل هو إبداع مواز، والسينما العالمية تفعل ذلك مراراً وتكراراً، فهوليوود تقتبس أفلاما من السينما اليابانية والكورية والإيطالية والفرنسية وهكذا، ولكن الحق يقال إنهم لايخفون هذا الاقتباس، وينسبون الفضل لصاحبه، والفضل هنا صاحب الفكرة، الأصلية، ولكن للاقتباس شروطا، تختلف بالطبع عن السرقة، فالمؤلف الذي يقتبس فكرة فيلم، لابد أن يذكر ذلك، كما يذكر صاحب الفكرة لأن هذا يتبعه حقوق ملكية، ولكن الأهم من ذلك أنه يقتبس الإطار الخارجي للحكاية، ويضيف من إبداعه تفاصيل تخص مجتمعه، وقد تبعد بالموضوع عن الفيلم الأصلي وتضيف له أبعادا أخري، مثلا آخر فيلم أمريكي مقتبس شاهدته كان OLD BOY وهو مأخوذ من فيلم كوري شهير وجميل جدا، يحمل نفس الاسم، غير أن المعالجة الأمريكية لاترقي بحال لمستوي الفيلم الكوري ولكن هذا موضوع آخر، وأزيدك من الشعر بيتاً، فإن فيلم العظماء السبعة الذي يعتبر من كلاسيكيات السينما الأمريكية مقتبس من الفيلم الياباني الذي قدمه أكيرا كيروساوا، باسم الساموراي السبعة!! واقتبسته السينما المصرية وقدمته باسم "شمس الزناتي" من إخراج سمير سيف وبطولة عادل إمام ومحمود حميدة، وكان من أسخف ماشاهدناه لعادل امام! وعشان نعرف فضل الاقتباس وأنه مش حاجة سيئة زي ما أنت فاهم، فلك أن تعرف أن فيلم يوم من عمري الذي لعب بطولته عبدالحليم حافظ وزبيدة ثروت، مقتبس من الفيلم الأمريكي إجازة في روما، بطولة جريجوري بيك وأودري هيبورن، وعندما تشاهد الفيلمين سوف تستمتع بكل منهما، رغم الفروقات الواضحة بينهما، وأيضا التشابه في الإطار العام، ولكن كاتب سيناريو الفيلم المصري، يوسف جوهر كان من العبقرية والقدرة علي الإبداع أن قدم عملا مصريا خالصا، تكاد لاتلحظ فيه أي أثر للفيلم الأمريكي!! وعشان تستريح بقي، فإن معظم أفلام نجيب الريحاني مقتبسة من روايات فرنسية، ترجمها بديع خيري وصاغها وفق رؤيته وإبداعها وأضاف من روحة المصرية الصميمة ملامح وأحداثا لاتخرج إلا من عقل وروح مبدع مصري! إذن لماذا ننزعج إلي هذا الحد من فكرة الاقتباس، ونعيد ونزيد ونجرس المقتبس، ونفضحه فضيحة المطاهر يوم خروجه ع المعاش في الحقيقة أن السينما المصرية زودتها قوي، إذا كان الاقتباس ليس جريمة وأنه يعتبر إبداعا موازيا، ويتطلب مجهودا وحرفة ومهارة، إلا أن فكرة أن تكون النسبة الأعظم من إنتاج السينما المصرية يعتمد علي الاقتباس فقط، هي فكرة غير مليحة بالمرة! وخاصة أن هذا الاقتباس، يندرج أحيانا تحت بند السرقة، يعني بيكون فيه عملية استسهال ونطاعة، ونقل للشخصيات والأحداث والمواقف وأحيانا زوايا التصوير! نرجع لفيلم الحرب العالمية الثالثة المأخوذ أو المقتبس في خطوطه العريضة من الفيلم الأمريكي "ليلة في المتحف" الذي لعب بطولته" بن ستيلر" وقدم منه جزءين والثالث في الطريق، يعتمد الفيلم الأصلي علي أن حارسا لمتحف الشمع للتاريخ الأمريكي يضم تماثيل لبعض الشخصيات السياسية الفنية والأدبية، بالإضافة لنماذج هياكل حيوانات منقرضة مثل الديناصور، وبعض قبائل الهنود الحمر التي أبديت علي يد الرجل الأبيض! ويفاجأ الحارس"بن ستيلر" بأن الحياة تدب في التماثيل عندما تدق الساعة الثانية عشرة مساء، يعني منتصف الليل، وتبدأ الشخصيات في الصراع والعراك رغم أنها تنتمي لأجيال مختلفة وبعضها لم يلتق في الحياة الواقعية أبدا، ويصبح الحارس طرفا في هذا الصراع، لاينقذه إلا دقات الساعة، التي تعلن موعد افتتاح المتحف للجمهور! وطبعا تلك الفكرة الخيالية "الفانتزيا" تفجر الضحكات، وتحقق درجة هائلة من المتعة للمشاهد، وخاصة أنها مقترنة بتقديم صورة تزخر بالمؤثرات البصرية والسمعية المتطورة التي تناسب هذا النوع من الأفلام، أما فيلم الحرب العالمية الثالثة، الذي شارك في كتابته وبطولته كل من أحمد فهمي وشيكو، وهشام ماجد، بالاستعانة باثنين من كتاب السيناريو مصطفي صقر، ومحمد عز، فقد أضاف لفكرة الفيلم الأمريكي روحا مصرية، تعتمد علي إفيهات لايضحك لها إلاجمهورنا، أما شخصيات المتحف فأغلبها شخصيات تاريخية من أزمنة مختلفة، يعني محمد علي باشا، أحمد عرابي، توت عنخ آمون، أم كلثوم، أبو الهول، رأفت الهجان، صلاح الدين الايوبي، بالإضافة لشخصية قادمة من حواديت ألف ليلة وهي علاء الدين بتاع المصباح السحري"هشام ماجد"، والجن خادم المصباح، وبالإضافة لهؤلاء هناك شخصيات ونماذج لم يتم استخدامها بشكل جيد، ولم يكن لوجودها ضرورة مثل المطرب الأمريكي ذائع الصيت ألفيس بريسلي"نجم الخمسينيات"، والمغني الأسمر مايكل جاكسون" نجم التسعينيات" بالإضافة لمارلين مونرو! وكان يمكن الاستعاضة عنها بأي من نجمات الإغراء في تاريخنا، وحتي يضع كتاب السيناريو اللمسة المصرية، وهي لمسة مفتعلة في الحقيقة، كان لابد من إضافة بعض الإسقاطات السياسية، تجسد نظرية المؤامرة التي تسيطر علي عقولنا وحياتنا، تتلخص في وجود مؤامرة كونية يقودها أشرار التاريخ "هتلر"، هولاكو، أبو لهب، والفامبيرز، وعليهم ريا وسكينة، يدبرون لحرب عالمية ثالثة، تقضي علي الحضارة المصرية، ويتصدي لهذه المؤامرة أحمد فهمي الشاب الذي دخل المتحف لكي يبحث عن الكورة بتاعته، وتوت عنخ آمون وعرابي ومحمد علي باشا وبقية التماثيل! في السكة إسقاط علي حالة الثورة والتمرد التي تنتاب الشباب نظرا لشعورهم بأن الكبار لايلتفتون اليهم، ولايهتمون لأمرهم لأنهم لم يشاركوا في صنع التاريخ، ويمثلهم شخصية علاء الدين وهو دائم الشكوي من اضطهاد الشخصيات التاريخية له علي اعتبار أنه شخصية قادمة من الحواديت ولم يكن له دور في صناعة التاريخ، فيقرر السفر لأمريكا استجابة لاغواء "ميكي ماوس" الذي سبقة للسفر لديزني لاند، وخد بالك من الإسقاط! ولكن في لحظة وعي ويقظة ضمير، يعود علاء الدين ويقرر البقاء في المتحف للدفاع عنه وعن سكانه! ويتمكن مع رفاقه من هزيمة قوي الشر وإجهاض محاولات هتلر لتدميرالعالم! يفتقد الحرب العالمية الثالثة، للخيال الإبداعي الذي توفر للفيلم الأمريكي، وحاول المخرج أحمد الجندي أن يغزل برجل حمار، وتقديم القدر المسموح به من الإبداع نظرا لقلة الإمكانيات وقلة الطموح، واعتمد بشكل كبير علي النكات اللفظية، وكتر خيره علي أية حال، ولابد أن نتفق أن التعامل مع فيلم يعتمد علي الخيال المفرط، الذي لايقصد في المقام الأول إلا الإضحاك، بوعي وفهم لهذه النوعية، ولايليق بأية حال أن نتعامل معها بضيق أفق ونتهمها كما فعل البعض بالإساءة لرموزنا!! فالفيلم يدور في متحف لتماثيل الشمع، إلا إذا كان في نيتنا أن نعبد تلك التماثيل ونقدسها! أما معايرة صناع الفيلم بإنه مقتبس من ليلة في المتحف ، فقد جاء رد أحد ابطال الفيلم "أحمد فهمي": وليه ما نقولش أن الفيلم الأمريكي مقتبس من "متحف الشمع " الفيلم الذي لعب بطولته في الخمسينيات إسماعيل يس، رد ذكي فعلاً!