قال ماهر متضرعا: وحياة أعز ما عندك لا تقفل السكة فى وجهى. قلت له: وآخرتها يا ابن الناس.. حاضر يا ماهر لن أغلق السكة فى وجهك.. فقط انجز بسرعة وقل لى ماذا تريد لأن الموبايل سيفصل فى أى لحظة، وأنا فى حاجة إليه من أجل مكالمة حقيقية. قال: وهل مكالمتى هذه غير حقيقية يا أستاذ؟ قلت: واضح أنك حالة ميئوس منها وأنا غلطان لأنى أسمعك. بادر مسرعا: حاضر سأقول سأقول.. أريد أن تدلنى كيف أتبرع بالأشياء التى استغنيت عنها لصالح الفقراء! سألته فى ذهول: هل أنت فى وعيك يا ماهر؟ هل تدرك ما تقول؟ قال: والله العظيم يا سيدى أنا فى كامل وعيى وأبغى فعلا نصيحتك. قلت استعطفه: يا ماهر يا أخويا، أنا أريد إجراء مكالمة مهمة والشحنة ستفرغ بعد قليل.. ارحمنى واقفل الخط من فضلك حتى لا تكون سببا فى وقف حالى. رد فى لوعة: خصيمك النبى يا شيخ ما تقفل.. أنا عندى كلمتين ولن أطيل عليك. قلت وأنا أكاد أبكى: ماذا تريد؟ قال: مثلما قلت لك.. عندى أشياء أريد أن أتبرع بها للفقراء. وهنا لم أستطع منع نفسى من الصراخ: وأنا مال أهلى يا سيد ماهر بما تريد أن تتبرع به للفقراء؟ رد فى هدوء: حلمك علينا يا عمنا.. لولا ثقتى بك لما سألتك. قلت: رحمتك يا رب.. وماذا لديك يا أستاذ ماهر تريد أن تتبرع به؟ قال: بنطلونين جينز وفانلة مونتجو ضاقت علىّ وكانت متروكة فى الدولاب من فترة! أمسكت أعصابى وقلت: وأنت تتصل بى الآن لأدلك على الجهة التى تقدم لها عطاياك؟ قال: آه والله. قلت: وأين كنت تتصرف فى أشيائك الفائضة من قبل؟ قال: كنت أترك الأشياء تتعفن ولا أعطيها لأحد. قلت وأنا غير مصدق: وهل روح الثورة سرت فى شرايين أهلك فدفعتك للتخلى عن البنطلون الجينز والفانلة المونتجو؟ قال: بنطلونين يا أستاذ.. ثم أردف: أنا كنت أستخسر فى السابق أن أعطى أى شىء لأى أحد، لكن الثورة غيرتنى ولم أعد أنانيا، والبركة فى مقالك! قلت حانقا: تانى مقالى يا ماهر.. تانى مقالى؟ قال: نعم يا أستاذ.. مقالك هو الشرارة التى انفجرت داخلى وغيرتنى! وهنا وجدتنى أقول له: والله العظيم يا ماهر أنت ما عندك دم. رد مصعوقا: ماذا؟ قلت له: كما سمعت يا ماهر. قال فى حزن: هى حصّلِتْ يا أستاذ؟ قلت له: اسمع يا ماهر.. يبدو أنك تحدثنى وأنت تضع مؤخرتك على شلتة طرية، وتجلس على شط ترعة ساعة العصارى، والهوا مهفهف وجلبابك يتطاير فى سعادة، وأكيد معك الجوزة وقطعة حشيش مفتخرة، وتريد أن تكمل سرورك بالسخرية منى. انفعل ماهر للمرة الأولى وأخذ صوته يتهدج وهو يقسم بالله أننى مخطئ فى ظنى، وأنه إنما يكلمنى حقا من أجل النصيحة. قلت وأنا أجز على أسنانى: وديهم الجامع يا أخويا.. ألا تعرف طريقه؟ قال: لا يا أستاذ.. شيخ الجامع بتاعنا ياكل مال النبى وممكن يأخذهم لنفسه! قلت له: بلاش الجامع.. اذهب بهم للكنيسة يا سيدى. قال: يعنى أقول لك خايف من الجامع تقول لى روح الكنيسة؟ قلت له: يا ماهر.. يا ماهر.. وديهم فى أى مصيبة.. أى داهية تشبه أيامك السودا! رد فى انكسار: كده برضه يا أستاذ؟.. أيامى السودا؟. قلت هادرا: نعم يا ماهر أيامك ولياليك وصباحاتك وأماسيك كمان. قال: على العموم الله يسامحك. كان هذا آخر ما سمعته منه قبل أن تفرغ الشحنة وينقطع الخط، ومع هذا فقد وجدت نفسى أكمل الصراخ: الله يحرقك يا ماهر، الله يحرقك.. حرام عليك يا شيخ، حرام عليك.. وبعدها فتحت شباك القطار وطوحت التليفون بأقصى قوة، و أنا أنتفض من الغضب.