طائرات الاحتلال الإسرائيلي تشن غارتين على خان يونس جنوبي غزة    أبو الغيط: مصر لم تصدق على معاهدة منع الانتشار النووي.. وحالة وحيدة ستُخضع إسرائيل للتفتيش    ميليسا يتحول إلى إعصار من الفئة الرابعة ويهدد بفيضانات كارثية في جامايكا وهايتي    احذر أثناء القيادة.. حالة الطقس اليوم الإثنين 27-10-2025 ودرجات الحرارة المتوقعة    رئيس هيئة المتحف المصري الكبير: المصريون سيشعرون بالفخر في الافتتاح .. وسيتكرر إبهار موكب المومياوات    فريدة سيف النصر تعلن عن يوم ثانٍ لاستقبال عزاء شقيقها    عيار 21 الآن بعد الارتفاع.. سعر الذهب اليوم الإثنين 27-10-2025 بالصاغة محليًا وعالميًا    دبابة إسرائيلية تطلق النار على قوات اليونيفيل جنوب لبنان    مباريات اليوم الإثنين بمجموعتي الصعيد بدوري القسم الثاني «ب»    «معرفش بكره في إيه».. عبدالحفيظ يكشف رأيه بشأن التعاون مع الزمالك وبيراميدز في الصفقات    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الاثنين 27 أكتوبر    «الداخلية» تضبط «دجال» بتهمة النصب على المواطنين في الإسكندرية    بسملة علوان ابنة القليوبية تحصد المركز الثاني ببطولة الجمهورية للكاراتيه    مصرع شخص سقط من الطابق الرابع بمنطقة التجمع    «الموسيقى العربية» يسدل الستار على دورته ال 33    عمرو سلامة يشيد ب محمد صبحي: «أفلامه ذكية وممتعة وتستحق إعادة الاكتشاف»    وصفة «الميني دوناتس» المثالية لأطفالك في المدرسة    انقلاب سيارة الفنان علي رؤوف صاحب تريند "أنا بشحت بالجيتار" (صور)    الفاشر تشتعل مجددًا.. آخر تطورات الأوضاع في السودان    الولايات المتحدة تكثّف وجودها العسكري قرب فنزويلا عبر سفينة حربية جديدة    الداخلية تضبط شخصين استغلا مشاجرة بين عائلتين بالمنيا لإثارة الفتنة    "طعنة الغدر".. سباك يقتل فكهانيًا بسبب 200 جنيه فى الوراق    أمين عام حزب الله يتحدث عن إمكانية اندلاع حرب جديدة مع إسرائيل    التوقيت الشتوي،.. نظام يساعد الأطباء على تحسين جودة الخدمة الطبية وتوازن الحياة العملية    جهاز حماية المستهلك: لا توجد زيادة في أسعار السلع بعد تحريك المحروقات    لاتسيو يقهر يوفنتوس.. وتعادل مثير بين فيورنتينا وبولونيا في الدوري الإيطالي    عبد الحفيظ: لا أميل لضم لاعب من الزمالك أو بيراميدز إلا إذا..!    وكيله: سيف الجزيري لم يتقدم بشكوى ضد الزمالك    مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 27 أكتوبر 2025 في القاهرة والمحافظات    الطب الشرعي يحسم الجدل: «قاتل المنشار» بكامل قواه العقلية    أنظمة الدفاع الروسية تتصدى لهجمات بطائرات مسيرة استهدفت موسكو    «عائلات تحت القبة».. مقاعد برلمانية ب«الوراثة»    سعر التفاح والبطيخ والفاكهة في الأسواق اليوم الاثنين 27 أكتوبر 2025    أسعار طن الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الاثنين 27 أكتوبر 2025    وفاة طفلين خلال حريق عقار في أبو النمرس.. تفاصيل    ارتكب 4 جرائم قتل.. قاتل الأم وأبناءها الثلاثة يواجه الإعدام    سعر الدولار اليوم الاثنين 27102025 بمحافظة الشرقية    اسعار الحديد فى الشرقية اليوم الأثنين 27102025    النجم الساحلي يودع الكونفيدرالية ويبتعد عن طريق الزمالك والمصري    مصدر مقرب من علي ماهر ل في الجول: المدرب تلقى عرضا من الاتحاد الليبي    بهدف قاتل ومباغت.. التأمين الإثيوبي يفرض التعادل على بيراميدز بالدور التمهيدي من دوري الأبطال    عمرو أديب: موقع مصر كان وبالا عليها على مدى التاريخ.. اليونان عندها عمودين وبتجذب 35 مليون سائح    ريهام عبد الغفور تطرح بوستر مسلسلها الجديد «سنجل ماذر فاذر»    مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 27-10-2025 في الشرقية    "البلتاجي "على كرسي متحرك بمعتقل بدر 3 ..سر عداء السفاح السيسى لأيقونة يناير وفارس " رابعة"؟    احذري، كثرة تناول طفلك للمقرمشات تدمر صحته    نمط حياة صحي يقلل خطر سرطان الغدة الدرقية    الزبادي اليوناني.. سر العافية في وجبة يومية    علاج سريع وراحة مضمونة.. أفضل طريقة للتخلص من الإسهال    شيخ الأزهر: لا سلام في الشرق الأوسط دون إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس    شيخ الأزهر: لا سلام في الشرق الأوسط بدون إقامة دولة فلسطين وعاصمتها القدس    الجمع بين المرتب والمعاش.. التعليم تكشف ضوابط استمرار المعلمين بعد التقاعد    حماية المستهلك: ضبطنا مؤخرا أكثر من 3200 قضية متنوعة بمجال الغش التجاري    صحة القليوبية: خروج جميع مصابى حادث انقلاب سيارة بطالبات في كفر شكر    الحسابات الفلكية تكشف موعد بداية شهر رمضان 2026    هل رمي الزبالة من السيارة حرام ويعتبر ذنب؟.. أمين الفتوى يجيب    كنز من كنوز الجنة.. خالد الجندي يفسر جملة "حول ولا قوة إلا بالله"    مركز الازهر العالمي للفتوى الإلكترونية ، عن 10 آداب في كيفية معاملة الكبير في الإسلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«الداعشيزم»
نشر في التحرير يوم 14 - 10 - 2014

لا يمكن فهم الظاهرة الداعشية، أو ما يمكن أن نطلق عليه «الداعشيزم»، دون أن نربطها بجذور الفوضى فى كتابة التاريخ الإسلامى، التى يختلط فيها الدين بالسياسة على نحو عجيب، دون أن نجد مَن يجرؤ على القول بأن ما فى هذه الكتب، ليس سوى سياسة تستخدم الدين، وتوظّفه للوصول إلى السلطة، الكل استخدم الدين فحدثت الفتنة التى كادت أن تقوّض الدولة بأكملها، حدث ذلك فى الماضى، وما الداعشية الجديدة سوى تنويعة معاصرة على ما كان.
ولا يمكن فهم الداعشيزم أيضًا دون الرجوع إلى التفسير النفسى، هناك نوع من الاستعداد لممارسة العنف واعتناق التعصُّب، كنت وما زلت من أنصار الذين يعتقدون أن التعصُّب وممارسة القتل انحراف نفسى وسلوكى قبل أن يكون رد فعل على مشكلات اقتصادية واجتماعية وسياسية، التعصب استعداد يبحث عن موضوع قد يكون الدين أو الرياضة أو حتى الفن، الأمر يحتاج فعلًا إلى دراسة أعمق بدلًا من هذا الاستسهال الذى يربط كل تعصب وتطرف بمجتمعات مستبدة وفقيرة، وتعانى من انعدام العدالة الاجتماعية، لا يفسر ذلك على الإطلاق وجود 3 آلاف مقاتل أوروبى وسط صفوف «داعش»، ولا يفسر حتى ظهور الجماعات الإرهابية الأوروبية الشهيرة مثل الألوية الحمراء وبادر ماينهوف، وكلها خرجت من قلب مجتمعات ديمقراطية، تتاح فيها حرية التعبير والتمثيل البرلمانى.
فى ما يتعلق بالإسلام والمسلمين هناك بعض الخصوصية إضافة إلى عنصر الاستعداد النفسى، إنه هذا الجمود فى الاجتهاد، وتلك الخلطة التى ترتفع بمستوى الاجتهادات الفقهية القديمة إلى حد التقديس، وكأن قائليها يشرِّعون ولا يجتهدون، وكأنهم جميعًا لا يمكن أن ترد عليهم شيئًا مِن هذا الكهنوت الذى يرى فى التراث خيرًا مطلقًا، والذى يطارد القراءات والاجتهادات العصرية تحت لافتة «البدعة»، خرجت «الداعشيزم»، أساسها ادعاء اليقين المطلق، وليس اختبار الصواب والخطأ، ووسيلتها استخدام الدين لتسويغ القتل والإرهاب، وغايتها التمكين لفاشية دينية لا تختلف فى جوهرها عن أنواع الفاشيات الأخرى.
الداعشيون نفذوا من ثغرة خلطة الدين والسياسة التى كتبت بها صفحات التاريخ الإسلامى، لا تعرف بالضبط حدود الممارسة الدينية والسياسية، اختلطت الدعوة بالحروب، والصواب بالخطأ، وامتدت مظلة التقديس وحدود الخطوط الحمراء لتمنع مناقشة أو انتقاد أى سلوك بشرى يستحق المراجعة، لم يتوقف أحد ليحدد المفاهيم والمصطلحات، مع أن التاريخ فى النهاية ليس سوى تصرفات بشرية لها وعليها، لم يناقش أحد الأفكار التى صنعت الفتن والكوارث، ولم يحدد لنا لماذا ينحاز التاريخ إلى أسماء بعينها، مع أنها سلكت نفس سلوك أشخاص آخرين، يعتبرهم نفس التاريخ، من المغضوب عليهم، ومن الضالين.
لو قال التاريخ بصراحة إن الرسالة السماوية قد اكتملت بوفاة الرسول الكريم، وإن كل ما حدث بعده هو اجتهادات بشرية فى ممارسة السياسة والسلطة والحكم، وإن فكرة الخلافة ليست أصلًا من أصول الدين، وإنما هى اجتهاد بشرى بحت، وإن الرسول مات دون أن يستخلف أحدًا تاركًا للجميع حرية الاجتهاد، وإن الدين لا يحتاج إلى سيوف كى ينتشر، ولكنه يحتاج إلى عقول وقلوب، بدليل أنه انتشر فى جنوب شرق آسيا دون حروب ومعارك ارتدَت ثوب الدعوة، لو قال التاريخ ذلك، لاتضحت الأمور.
لو وضعت كتب التاريخ خطوطًا فاصلة واضحة بين السياسى والدينى، لما عاد الخوارج فى طبعة جديدة، ولما أصبح فى الإسلام كهنوت، بينما هو الدين الذى رفض الكهنوتية، والذى لم يجعل وسيطًا بين العبد وربه، لم يتجدد الفكر بما يعيد إلى الدين جوهره، وبما يفتح باب المناقشة والنقد لكل ما جاء فى التراث من أمور كتبت لخدمة صراع سياسى دموى كارثى لا علاقة له بالدين، ولكن كانت علاقته الواضحة بالصراع الدنيوى على السلطة.
لدينا حصاد مأساوى لما فعله استغلال الدين فى مجال السياسة، وحصاد أسوأ فى تبرير العنف والقتل، ثلاثة من الخلفاء الراشدين الأربعة قُتلوا، وكان الدين ما زال حيًّا فى القلوب، حروب الفتنة المستترة وراء الدين كادت أن تقضى على حفّاظ القرآن الكريم، الصراع على السلطة، واستخدام الدين كغطاء كان وراء مجازر العباسيين ضد الأمويين.
«الداعشيزم» فى الأساس ثقافة للموت، تنفى الآخر، تريد أن تُبِيده، تحتكر الصواب، وترى أن الحرب وسيلة لنشر الدين، والدفاع عنه، مع أن مشكلة المسلمين ليست كما أتصور فى أن تكون لهم دولة، وإنما فى أن يستعيدوا دورًا حضاريًّا انتهى تمامًا، نحن تقريبًا خارج التاريخ، لو قاطع العالم الإسلامى الغرب لما وجد طعامًا أو عملاً أو حتى وسيلة لاستخراج النفط، مستويات الفقر والجهل والمرض مفزعة، والتاريخ ما زال يحدّثنا عن أمجاد لا نجد لها أثرًا فى الحاضر.
لا يمكن القضاء على «الداعشية» إلا بدراسة نفسية تفسِّر وتحلِّل هذا الاستعداد للعنف والقتل والتعصب سواء باستخدام الدين، أو باعتناق أى أفكار أخرى، ولا يمكن أن نأمَن ظهور داعشيين فى كل زمان ومكان، إلا بكتابة جديدة للتاريخ، كتابة مستنيرة تعرف جوهر الدين وتفصله عن قشوره، كتابة جريئة وشجاعة لا تستثنى التصرفات البشرية من الأسئلة والمناقشة، كتابة نقدية تفرق بين النص المقدس واجتهادات البشر حوله، دون ذلك سنخرج من داعش لنقع فى مئة داعش جديد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.