عماد جاد قدم نائب الرئيس الأمريكى جو بايدن اعتذاره إلى دولة الإمارات العربية المتحدة عن تصريحاته التى اتهم فيها أبو ظبى بتمويل تنظيم «داعش»، وجاء اعتذار الرجل، قليل الكلام والمهام لينهى الجدل الذى سبق وأثارته تصريحاته بشأن دور أبو ظبى فى تمويل هذا التنظيم الإرهابى. والمؤكد أن أبو ظبى لا يمكن أن يكون لها أى دور على الإطلاق فى تمويل هذا التنظيم وغيره من التنظيمات الإرهابية، فقد كانت، ولا تزال، فى طليعة الدول التى تحارب الإرهاب والتى وقفت بقوة ضد تنظيم جماعة الإخوان والتنظيمات القريبة منها، كما أن أبو ظبى كانت ولا تزال الدولة الأولى فى دعم ثورة 30 يونيو وجهود مصر فى محاربة الإرهاب. صحيح أن أبو ظبى كان لها دور مع الرياض فى دعم المعارضة السورية ضد نظام بشار الأسد، ولكن الصحيح أيضا أنه بمجرد بروز دور الجماعات المتشددة فى سوريا غيّرت أبو ظبى موقفها تماما. والحقيقة أن التنظيمات الإرهابية المتشددة بصفة عامة هى منتجات أمريكية بشكل مباشر وغير مباشر، وبمشاركة من جانب عدد من الدول العربية. وإذا كانت بريطانيا العظمى المسؤول الأول عن إنتاج ودعم جماعة الإخوان المسلمين، فإن الولاياتالمتحدةالأمريكية هى المسؤول الأول عن إنتاج ورعاية التنظيمات الإرهابية والتى بدأت فى عام 1979 عقب الغزو السوفييتى لأفغانستان، فقد حدث ذلك فى أوج مرحلة الحرب الباردة وفى قمة المواجهة بين المعسكرين الشرقى والغربى، هنا قررت الاستخبارات الأمريكية إثارة العامل الدينى فى نفوس الشباب المسلم، أرادت محاربة السوفييت فى أفغانستان، فقررت أن يكون الشباب المسلم هو أداة المواجهة ووقود الحرب هناك. بدأت الاستخبارات الأمريكية فى الترويج لمقولة أن الغزو السوفييتى لأفغانستان هو غزو من دولة ملحدة لشعب مؤمن، وأنه لا بد من تحرير أفغانستان من الغزو السوفييتى. وأبرمت الصفقة بين المخابرات الأمريكية والسعودية برئاسة كمال أدهم والرئيس المصرى أنور السادات والباكستانى ضياء الحق، تعاونوا فى تشكيل تنظيم «المجاهدون الأفغان» جمعوا الشباب المسلم من دول عربية وإسلامية، أمدتهم واشنطن بالسلاح المتطور بما فى ذلك صواريخ أرض جو متطورة للغاية من طراز «ستنجر» لم تقدمها واشنطن لأقرب حلفائها، ولعبت دورًا كبيرًا فى الحد من دور الطيران السوفييتى. وعندما انتهى الأمر بهزيمة القوات السوفييتية هناك وقرر الرئيس السوفييتى آنذاك ميخائيل جورباتشوف سحب قواته من أفغانستان، أوقفت واشنطن نشاطها وقررت مغادرة المنطقة تاركة المجاهدين يتصارعون ويتقاتلون ويقتل بعضهم بعضًا حتى ظهرت حركة طالبان (طلبة المدارس الدينية الذين درسوا قى باكستان) وسيطرت على المشهد واستضافت تنظيم القاعدة حتى وقعت اعتداءات الحادى عشر من سبتمبر 2001، فقررت واشنطن غزو أفغانستان. لم تتعلم واشنطن الدرس وكررت التجربة فى البوسنة وكوسوفو، وظهرت جماعات «العائدون من أفغانستان - باكستان - البوسنة - الشيشان - كوسوفو». وفى إطار الترتيب لما سمى بالربيع العربى، وضعت واشنطن يدها فى يد أم الجماعات المتطرفة ومصدرها الرئيسى، جماعة الإخوان، ساعدت فى تدفق المقاتلين إلى مصر، ليبيا، سوريا والعراق فى محاولة لتغيير خريطة المنطقة بالكامل، ولعبت تركيا الدور المحورى فى رعاية واحتضان وتمويل وتسليح تنظيم «داعش» لحسابات تتعلق بحلم الخلافة والأطماع العثمانية فى أراض سورية وعراقية، ومثلما انقلبت القاعدة على واشنطن فى 2001، انقلب «داعش» ورفاقه على المخططات الأولية التى وضعت لها، فاضطرت واشنطن إلى العمل ضدها على النحو الذى نراه اليوم.