من كل فج عميق، يلبى المسلمون كل عام فريضة الحج، الكل يريد أن يذهب على الرغم من كونها فريضة القادرين، ولكن السعى فى تلبية هذه الفريضة لا يقل، لتمتلئ ربوع الحرم المكى، بالملبين، لا تستطيع أن تفرق بينهم، مَن جاء فى طائرة خاصة، أو من جاء برا بأوتوبيس، فالحج واحد، ولكن تعددت السُبل المؤدية إليه، فمن الحج السياحى وحتى حج العمالة. حج العمالة هو أحد طرق الحج، إن شئت وصفه، ويمكن أن تقول أيضا إنه أحد طرق الاسترزاق، بحيث يسعى بعض الفئات العمالية من جزارين أو سائقين للتقديم إلى هذا الحج، فهم يرون فيه خيرا عظيما، ولا أعظم من قضاء فريضة الحج، ولكن هناك شيئا يحدث فى الخفاء، فهناك شركات من السياحة تعقد صفقات فى الخفاء، وتحصل على جزء من تأشيرات حج العمالة، لتبيعها بأسعار مخفضة للبعض الذى يرى فى ذلك فرصة للحج بهذه الأسعار. موسم رزق عدد العمالة المصرية التى تذهب إلى السعودية ينخفض فى كل عام من موسم الحج عن العام السابق له، ففى العام الماضى أعلنت وزارة القوى العاملة والهجرة المصرية أن 17 ألف عامل مصرى سيتوجهون إلى السعودية فى موسم الحج لهذا العام، مقارنة مع 30 ألفا سافروا إلى هذا البلد العام الماضى. وأرجعت الوزارة هذا الانخفاض إلى توجه السلطات السعودية لخفض عدد الحجاج هذا العام، بسبب التوسعات القائمة حاليا داخل أروقة الحرم المكى. لتعلن وزارة القوى العاملة والهجرة، فى هذا العام، أن اللجنة المشكلة من الوزارة وممثلى الشركات السعودية أجرت مقابلات مع 20 ألف مصرى متقدم للعمل بالمملكة العربية السعودية خلال موسم الحج الحالى من السائقين والفنيين، وأسفرت عن التعاقد مع 15 ألفا و300 سائق وفنى، وتم بالفعل تسفيرهم على أفواج وتسلموا العمل بالمملكة لخدمة حجاج بيت الله. وعلى الرغم من هذا الانخفاض الملاحظ فإن العمالة المصرية المطلوبة للعمل فى موسم الحج ما زالت تمثل الصدارة، فالعامل المصرى ما زال هو المطلوب الأول فى المجتمع الخليجى، وذلك يرجع إلى تماثل العادات والتقاليد للمواطن المصرى مع السعودى بخلاف العمالة القادمة من شرقى آسيا، هكذا قال الدكتور مصطفى النشرتى وكيل كلية الاقتصاد بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا. النشرتى أوضح أن المملكة تتفق كل عام على نسبة كل دولة من عمالة الحج خلال شهر فبراير، فالسعودية تبحث عن نوعيات محددة من العمالة لهذا الموسم، يمثل السائقون، والجزارون الأغلبية منهم، وأن هناك عمالة أخرى تذهب مع البعثة المصرية الرسمية، وأرجع النشرتى انخفاض أعداد العمالة أولا إلى الظروف السياسية التى تمر بها مصر، وكذلك إلى انخفاض عدد الحجيج المصريين كل عام. إجراءات فى نهاية شهر مايو الماضى أعلنت وزارة القوى العاملة والهجرة عن شروط العمل ضمن موسم الحج لهذا العام، لتغلق باب التقدم فى اليوم الخامس عشر من شهر يوليو الماضى، وكانت الشروط هى: أن لا يقل سن المتقدم عن 25 ولا يزيد على 45 عاما، وأن تكون المهنة المدونة بجواز السفر «عامل عادى، مزارع، عامل زراعى حاصل على دبلوم»، ويفضل أن لا يكون من العاملين بالحكومة أو القطاع العام، وأن لا يكون قد سبق له السفر للعمل خلال موسم الحج، وأن يتم تقديم صورة من جواز السفر سارى المفعول لمدة ستة أشهر على الأقل بالمهنة المرشح عليها، وشهادة تحركات صادرة من إدارة الجوازات تفيد عدم السفر للعمل خلال موسم الحج لمدة سابقة خمس سنوات، وصورة ضوئية من بطاقة الرقم القومى والموقف من التجنيد وتسجيل تليفون المتقدم بالطلب. المتحدث الرسمى ل«القوى العاملة»: الوزارة لا يذهب إليها سوى 7 بالمئة فقط من تأشيرات عمالة الحج.. ونحذر سنويًّا من السماسرة الجهات المنوط بها تنظيم حج العمالة هما فقط وزارة القوى العاملة والهجرة وشركات إلحاق العمالة المصرية بالخارج، هذا طبقا لما صرح به ياسر النشرتى، المتحدث الرسمى باسم وزارة القوى العاملة والهجرة، موضحا أن نسبة التأشيرات التى تحصل عليها الوزارة هى فقط 7 بالمئة من إجمالى تأشيرات العمالة المسافرة إلى المملكة العربية السعودية فى موسم الحج. النشرتى أضاف أن هذه التأشيرات تعطى للرجال فقط، وأن نوع العمالة المطلوبة يكون فى الغالب جزارين أو سائقين أو خدمة حرم، وأن هذه العمالة يتم تسفيرها على نفقة الشركة السعودية المفوضة بالتعاقد معهم وعودتهم وصرف المرتب الموسمى الثابت بالعقد، فالشركة السعودية تستقدم العمالة المطلوبة من خلال وزارة القوى العاملة والهجرة أو من خلال شركة مصرية لإلحاق العمالة. النشرتى أضاف أن الوزارة بمجرد تلقيها طلبات من الشركات السعودية بنوع وعدد العمالة المطلوبة، تقوم على الفور بالإعلان عن كل هذه التفاصيل فى الجرائد وعلى المواقع الإلكترونية وبالفضائيات، ثم تفتح باب التقدم الذى يمتد فى الغالب لأكثر من أسبوعين، ثم تقوم لجنة من الشركات السعودية بالإضافة إلى مندوبين من الوزارة بإجراءات مقابلات شخصية للمتقدمين واختيار الأفضل. 7 آلاف فرصة عمل خلال الحج توفرت للمصريين هذا العام.. منها 700 فقط فازت بها القوى العاملة كما أكد أن المعيار الوحيد الذى يميز متقدما عن الآخر هو انطباق الشروط المطلوبة عليه ولا مجال لمحسوبية أو وساطة أو سمسرة فى هذا الأمر، وأضاف أن الوزارة تناشد من لم يحالفه الحظ فى الحصول على فرصة عمل بموسم الحج لهذا العام، توخى الحذر وعدم الانصياع خلف الإشاعات التى يرددها البعض لزعزعة الثقة فى الوزارة أو التقليل من حجم المجهود المبذول لتحقيق أكبر الاستفادة للعمالة المصرية، وأوضح: «الوزارة انتهت من الشق الثانى من موسم الحج لتسفير العمالة العادية، حيث تم توفير 7000 فرصة عمل لهذه العمالة يتم تنفيذها من خلال الوزارة وشركات إلحاق العمالة المرخص لها، نصيب الوزارة منها 700 فرصة عمل، تقدم للحصول عليها نحو 5000 عامل، تم إجراء المقابلات الشخصية معهم بمعرفة اللجنة المشار إليها، وتم قبول أوراق ما يقرب من 2700 متقدم، ممن تنطبق عليهم الشروط. تم التعاقد وتسفير 700 عامل ممن انطبقت عليهم الشروط من نسبة الوزارة تلبية لاحتياجات 3 شركات سعودية، وذلك من إجمالى 7 آلاف تأشيرة تم تنفيذها تحت إشراف الوزارة». تحايل فى الحج «أدِّ مناسك الحج المباشر بخمسة عشر ألف جنيه»، ربما تصيبك الدهشة عندما تصطدم بهذا الإعلان، فكيف لهذا المبلغ الزهيد أن يكون المبلغ المطلوب لأداء فريضة الحج، وأنت تعلم أن الحد الأدنى الحج لأسعار على سبيل المثال هذا العام يصل إلى 22 ألف جنيه، الإجابة وباختصار هى حج العمالة. الأمر هذا ليس بجديد، فوزارة القوى العاملة والهجرة تحذر كل عام من التعامل خارج النظام الذى تضعه للحصول على تأشيرات حج العمالة، ومن التعامل مع السماسرة أو أى جهة أخرى غير وزارة القوى العاملة والهجرة، ومشددة على الراغبين فى السفر خلال موسم الحج، التقدم لتسجيل بياناتهم فى ديوان عام الوزارة، مخلية مسؤوليتها فى هذا التحذير من أى تعامل يتم خارجها. الشركات تحصل على التأشيرة الواحدة مقابل 3 آلاف ريال وتبيعها مقابل 15 ألف جنيه الحاج صبرى أبو زيد صاحب شركة سياحية وعضو الجمعية العمومية لغرفة الشركات السياحية، أوضح أنه ما يتم من خلال حج العمالة هو «بزنيس» يستفيد منه كل الأطراف، فرجل الأعمال السعودى يحصل على عدد من تأشيرات العمالة فى موسم الحج، الذى يقوم بدوره بعقد اتفاق بينه وبين شركات العمالة المصرية بالخارج، على أن توفر له نصف عدد هذه التأشيرات عمالة بالفعل، ويبلغ ثمن هذه التأشيرة نحو 3 آلاف ريال سعودى، ثم تقوم شركات إلحاق العمالة المصرية بالخارج ببيع النصف الثانى من التأشيرات، بحيث يبلغ ثمن التأشيرة 15 ألف جنيه مصرى، ويقسم هذا المكسب من فرق ثمن التأشيرات بين الشركة السعودية والشركة المصرية. أبو زيد أضاف أن وزارة القوى العاملة والهجرة يذهب إليها أيضا جزء من تأشيرات العمالة المسافرة إلى المملكة بموسم الحج، التى فى الغالب تذهب إلى عمال بالفعل، ولكن الأمر أيضا لا يخلو من وجود بعض التلاعب وبيع بعض التأشيرات. كما قال عضو الجمعية العمومية لغرفة الشركات السياحية، إن التلاعب الذى يحدث كل عام فى تأشيرات العمالة المسافرة للمملكة بموسم الحج ليس له حل، وذلك لأن التلاعب ليس قاصرا على الجانب المصرى فقط ممثلا فى شركات إلحاق العمالة المصرية بالخارج، ولكنه أيضا متعلق برجال الأعمال السعوديين. وأضاف أن بعض الراغبين يجهلون إمكانية تعرضهم للمنع من السفر أو لإعادتهم من المنافذ السعودية فى حالة ارتدائهم ملابس الإحرام، لأنهم يحملون تأشيرات عمل موسمى وليس حجا، وعملية بيع تأشيرات العمالة دائما تتم فى سرية تامة لأنها بالتأكيد مخالفة.