تنتهى اليوم المهلة الخليجية التى قدمتها دول مجلس التعاون الخليجى لقطر للالتزام الكامل ببنود اتفاق الرياض. الأنباء القادمة من العواصم الخليجية لا تشير إلى أى تقدم فى الاستجابة القطرية لمطالب دول الخليج، بينما تتحدث مصادر إخبارية عن تقدم طفيف فى ملف واحد هو تجنيس الخليجيين. حتى الآن لم تفصح دول الخليج الثلاث وهى السعودية والإمارات والبحرين، التى تقود عملية مراجعة السياسات القطرية فى المنطقة، وسبق أن سحبت فى مارس الماضى سفراءها من الدوحة، عن الخطوات التالية إذا ما واصلت قطر رفضها الاستجابة إلى مطالبها، وعادت حسب التعبير الخليجى «إلى الصف». لكن مصادر غير رسمية تتحدث عن إجراءات جاهزة لفرض عزلة تدريجية على قطر، تبدأ بتجميد عضويتها فى مجلس التعاون الخليجى، بما يستتبعه ذلك من وقف كل اتفاقات التعاون والتبادل والمميزات المشتركة، وتفرض على المواطن القطرى معاملة الأجنبى حين دخوله أراضى الدول الخليجية، بما يعنى ذلك من خضوعه التام لمنظومة التأشيرات والكفالة، إلى جانب إغلاق الحدود البرية التى تربط قطر بشبه الجزيرة العربية، واتخاذ إجراءات صارمة لغلق المجال الجوى الخليجى أمام الطائرات القطرية. تتعامل دول الخليج مع قطر باعتبارها خارجة على الإجماع فى ما يخص المصالح السياسية والأمنية فى المنطقة، كما تتهمها بالتدخل فى الشؤون الداخلية للدول الأعضاء فى مجلس التعاون الخليجية، إلى جانب دعم جماعات وتنظيمات إسلامية تضعها دول الخليج على لوائح الإرهاب، وتمول هذه التنظيمات وبالتالى تمول نزاعات أهلية ومحلية فى دول كثيرة فى المنطقة، إلى جانب سعيها إلى زعزعة الاستقرار فى دول مجلس التعاون ودول حليفة فى المنطقة، وتبنى خطاب إعلامى يدعم هذه السياسة. لماذا تتحدى قطر الخليج كله؟ الأصل أن المقومات المشتركة بينها وبين جيرانها أكبر، تطابق فى كل شىء، نظام الحكم، والتوجهات الاقتصادية، والسمات الدينية والأنماط الاجتماعية. ما الذى يدفع دولة إلى الانسلاخ من محيطها إلى هذه الدرجة؟ هل القضية والمبدأ؟ لا يمكن القبول بسهولة بأن قطر أخذت على عاتقها الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان فى العالم، بينما هى لا تقدم نموذجا داخليا يغطى هذا الزعم، كما لا يمكن القبول بسهولة بأن دولة يمكن أن تفرط فى حلفائها التقليديين لتواجه العالم دون ارتكاز استراتيجى، إلا إن كانت تعتقد أن تحالفا مغايرا يمكن أن يحل محل التحالف التقليدى، يستطيع أن يحميها وأن يخفف من أثر أى عقوبات خليجية متوقعة. الطرف الوحيد الظاهر فى هذا التحالف هو الطرف التركى، لكن هل تكفى تركيا وحدها لملء فراغ كبير كان يشغله مجلس التعاون الخليجى كله؟ يقول دبلوماسى خليجى، إن الأمير القطرى فى اجتماع الرياض مع أمير الكويت والعاهل السعودى، قال ما معناه: «مشكلتكم مع أمريكا وليس قطر»، ويفسر الرجل التلكؤ والتباطؤ القطرى فى تنفيذ تفاهمات الرياض فى عدم تلقى الضوء الأخضر أمريكيا للتنفيذ، أو فى استنادها إلى الولاياتالمتحدة فى مواجهة الضغط الخليجى. لا تظن أنى أفهم أن الخليج متحرر بكامله من الهيمنة الأمريكيةوقطر وحدها الواقعة فى حدود هذه الهيمنة، لكن العلاقات الأمريكية الخليجية كانت قائمة فى الأساس على ضمان أمن الخليج، والسياسات الحاصلة نتيجتها أن هناك مَن يقامر بأمن الخليج فى إطار مقامرته الكبرى بأمن المنطقة، وقطر كانت وما زالت محطة ارتكاز أساسية فى هذه المقامرة الكبرى، وبالتالى فمراجعة العلاقات الأمريكية الخليجية ستكون مطروحة وبقوة، بينما الملف القطرى يجرى إغلاقه بجميع الأحوال سواء بالتزام طوعى قطرى ببنود اتفاق الرياض، أو بالتزام عبر طلب أمريكى مباشر إلى الدوحة، أو تحت تأثير ما هو مقبل من عقوبات، لأنه وبحسابات الورقة والقلم السعودية أهم بكثير من قطر عند صانع القرار الأمريكى. انتهت المهلة.. وانتهى قبلها مشروع خطف الربيع العربى، ولم تبق إلا مسألة وقت مع الفوضى، وبعدها سيختفى اسم قطر من نشرات الأخبار.