يقولون إن التليفزيون الحكومى فى كوريا الشمالية أذاع فيديو «مُركبا» يظهر منتخب بلاده الوطنى يخوض منافسات كأس العالم، ويقول إنه وصل إلى نصف النهائى لملاقاة البرتغال، بعد أن اجتاز فى طريقه فرق الولاياتالمتحدة واليابان والصين، وهناك كثير فى بيونج يانج يصدقون تليفزيون بلادهم. لماذا تتعجب؟ الأرجح أنك تعرف دولة تقتل بطائراتها وقذائفها كل يوم عشرات الأطفال والنساء والمدنيين، وتقنع شعوبًا ترى نفسها أكثر انفتاحا من شعب كوريا الشمالية، بأنها تخوض حربًا دفاعية. هل الشعب الأمريكى أفضل من شعب كوريا الشمالية؟ وهل الإعلام الغربى أنزه من التليفزيون الحكومى فى بيونج يانج؟ لماذا لا يصدق الكوريون أن فريقهم يلعب فى نهائيات كأس العالم التى لم يتأهل لها، ويوشك أن يفوز باللقب، إذا كان الشعب الأمريكى يصدق أن طفلة فلسطينية توصى أباها إن سقط الصاروخ على منزلهم أن يدفن معها عروستها، لتلعب معها فى القبر، إرهابية وتهدد أمن إسرائيل. لم يدفع الشعب الكورى ثمن هذا الادعاء، لم ينفق مليما على الفريق الوهمى وانتصاراته الخيالية، لكن الشعب الأمريكى يدفع ثمن آلة القتل، يمول دافعو الضرائب هذا الموت، حين تذهب أموالهم لمساعدة إسرائيل على جرائمها. ربما يمزح تليفزيون كوريا مع شعبه، لكن المخلصين منه يصدقون صورة زعيمه وهو يحيى الجماهير فى ريودى جانيرو، ويصدق الشعب الأمريكى صور الإسرائيليين المذعورين فى المخابئ، دون مزاح، وحين تجرحهم بصور جثث المدنيين والأطفال والنساء، يصدقون أن استهدافهم غير متعمد، لكنهم ضحية خطأ، وكما لا يبحث أحد فى كوريا خلف التليفزيون الحكومى، لا يسأل أحد فى أمريكا عن عدد قتلى إسرائيل فى هذه المعركة؟ كم مدنيًّا سقط وسط أولئك المذعورين فى المخابئ؟ وكم عسكريًّا بين هؤلاء القتلة فى المعارك؟ ولا أحد يسأل: كم مسلحًا قتلت إسرائيل فى المعركة؟ كم كادرًا فى حماس؟ وكم قياديًّا فى الجهاد؟ وما موقع كل هؤلاء الأطفال فى هذه التنظيمات؟ تتصدر نشرات الأخبار فى التليفزيون الكورى، خبر صعود المنتخب الوطنى لكوريا الشمالية إلى نصف نهائى كأس العالم، وتتصدر نشرات الأخبار فى محطات تليفزيونية أمريكية وأوروبية عناوين «تل أبيب تحت القصف»، و«المسلحون فى غزة يواصلون قصف إسرائيل بالصواريخ»، و«صفارات الإنذار تدوِّى فى حيفا، وآلاف الإسرائيليين يهرعون إلى المخابئ»، ثم يخرج الزعماء بعد تهيئة شعوبهم بصور المخابئ والدموع والفزع، ليعلنوا تفهمهم لحق إسرائيل فى الدفاع عن نفسها، وكل دم ينزف بعدها لإرهابى، وكل روح تُزهق هى لمسلح، وكل بيت يتهدم هو وكر لإطلاق الصواريخ. لا فوارق إذن بين إعلام كوريا الشمالية المنغلق وإعلام العالم الحر، ولا فوارق كبيرة بين شعب يفرض عليه حاكم مستبد ما يشاء من أخبار، وشعب يسقيه إعلام صاحب غرض ما يشاء، رغم ما يمتلكه من حرية ووسائل محاسبة ومساءلة وانفتاح على العالم. وليس حال الإعلام العربى بأفضل من هؤلاء، فمثلما يختزلون الحرب فى صورة امرأة تبكى فى المخبأ، يختزل فريق فى قلبه مصريون كل القضية الفلسطينية فى غزة، وكل غزة فى حماس، ويصفى حسابات مع الحركة الحاكمة على أخطاء مضت فى عز المعركة وعلى حساب شهداء لا تقتلهم القذائف، لأنهم تابعون لحماس أو الجهاد، لكنها تقتلهم لأنهم فلسطينيون يعيشون فى غزة. وفريق آخر يختزل الحرب فى المعبر، ويستخدمها أيضا لتصفية حسابات سياسية مع مصر، ينشغل بما يجب أن تفعله مصر أكثر من انشغاله بما يجب أن يفعله هو، يهتم بسفارة لإسرائيل فى القاهرة، ولا يتحدث عن مكاتب تمثيل وقواعد عسكرية فى الدوحة، ينادى على جيش مصر، بينما يمدح جيوش الترك وهى تمارس التعاون المشترك مع جيش العدو. لا تسخروا من كوريا الشمالية، فالكل كوريا الشمالية، الشاشة واحدة تنطق بالكذب أو تخفى الحقيقة الكاملة، لا فرق إن كانت كوريا تلعب النهائى أو إسرائيل تدافع عن نفسها.