تعتبر المحليات عصب الدولة المصرية ومنبع الفساد فى فترة نظام مبارك، ولذلك اعتمدت فلسفة النظام السياسى على سيطرة السلطة التنفيذية على الإدارة المحلية لضمان السيطرة على مفاصل الدولة، وعلى الرغم من توقع معالجة الدستور الجديد لمشكلة المحليات وتغيير الفلسفة، التى يقوم عليها النظام السياسى، والتى تعتقد أن قوته تنبع من سيطرته على المحليات، فإن الإدارة المحلية ما زال يُنظر إليها كجزء من السلطة التنفيذية، وهو ما انعكس على دستور 2014، الذى وضع المحليات فى باب السلطة التنفيذية. وفى حقيقة الأمر فإن تحقيق اللا مركزية يحتاج إلى حكومة قوية قادرة على نقل حقيقى للسلطات إلى المستويات الأدنى. وفى ما يتعلق باللا مركزية ونقل السلطة، نصت المادة 176 على: «تكفل الدولة دعم اللا مركزية الإدارية والمالية والاقتصادية، وينظم القانون وسائل تمكين الوحدات الإدارية مع تحديد البرنامج الزمنى لنقل السلطات والموازنات»، وقد استخدم الدستور لفظ تكفل بدلا من تلتزم، وهو ما يعكس التخوف من الاتجاه إلى اللا مركزية. يُثار هنا التساؤل الأهم، هل تسعى الدولة حقا لتحقيق اللا مركزية؟ هل الإطار السياسى الحالى يسمح بذلك؟ نقصد هنا توجه النظام السياسى، هل يريد فعلا الانفتاح على جميع القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدنى أم أنه سيسعى لغلق المجال السياسى، الأمر الذى سينعكس على أداء المحليات، هل ستصدر قوانين مثل الحق فى المعلومات وقانون المجتمع المدنى بشكل يساعد على تحقيق خطى نحو نظام ديمقراطى أم سيسعى لسيطرة أكبر للدولة بحيث لا تعمل المحليات فى إطار منفصل عن توجه النظام السياسى، وهنا نطرح تساؤلا خاصا بمشروع قانون مجلس النواب، هل القانون بصياغته الحالية ونصه على أن تكون الانتخابات 80% بالنظام الفردى ستعمل على ترسيخ نائب الخدمات، ومن ثم الخلط مرة أخرى بين النائب البرلمانى ونائب المحليات. لا بد من وجود إطار تشريعى يسمح بتفعيل مواد الدستور، وهو قانون المحليات، ولا بد من مناخ ديمقراطى يسمح بتفعيل اللا مركزية، ويضمن مشاركة مجتمعية فعالة، وذلك بإصدار مجموعة من التشريعات ذات الصلة مثل قانون تداول المعلومات، تعديل قانون التظاهر، قانون الجمعيات الأهلية وإنشاء مفوضية مكافحة التمييز، مع البدء فى دراسة نماذج ناجحة مثل تجربة البرازيل فى تحقيق الديمقراطية التشاركية وإمكانية تطبيقها فى مصر، وعلى مختلف القوى السياسية البدء فى صياغة مشروع قانون المحليات والحشد له قبل أن تفاجأ هذه القوى بإصداره من جانب الدولة مثلما حدث مع قانون مجلس النواب بشكل يعوق مشاركة هذه القوى بشكل فعال فى الانتخابات المقبلة، كما يجب على الأحزاب توعية الناس بأهمية المحليات، وذلك لتحقيق التنمية الحقيقية من خلال التعريف باحتياجات المواطن والضغط على الدولة لتحقيقها والسعى لتطويرها، وتعتبر انتخابات المحليات فرصة للأحزاب فى أن تختبر بعض كوادرها فى مناصب تنفيذية على المستوى المحلى. فمن جانب تكتسب هذه الكوادر خبرة عمل مع مؤسسات الدولة (وهو ما يحتاجه كثير من السياسيين عقب عقود من العمل فى المعارضة أو فى الشارع دون احتكاك حقيقى بالعمل مع مؤسسات الدولة المصرية)، وثانيا ستسمح لتلك الأحزاب باختبار كوادرها ومعرفة إذا ما كانوا يتمتعون بالكفاءة اللازمة أم لا، فإذا أثبتوا كفاءتهم يمكن للحزب ترشيحهم لمناصب أعلى (مثلا: إذا أثبت أحد رؤساء الأحياء كفاءته، يقوم الحزب بترشيحه للانتخابات على مستوى المحافظة، أو مجلس الشعب أو بعد ذلك الرئاسة)، كما يتعين على الأحزاب لعب دور رئيسى فى تدريب الشباب والمرأة من الآن حتى يتمكنوا من المشاركة فى الانتخابات المحلية المقبلة، وعليهم العمل مع المجلس القومى للمرأة لتتعرف على السيدات الرائدات فى أماكنهن ومحاولة التواصل معهن.