للدولة مهامُّ رئيسية بصرف النظر عن طبيعة النظام السياسى والاقتصادى، فهى مهامُّ مستقرة للدولة، الاختلاف فى ما بين دولة وأخرى يكون فى الحدود والمدى لا فى المهمَّة ذاتها، ومن بين أبرز مهامّ الدولة حماية الأمن القومى عبر الدفاع عن حدود الدولة ومواطنيها فى مواجهة أى عدوان خارجى، وهنا تأتى المهمَّة الرئيسية للجيوش، التى تتمثل فى الدفاع عن حدود الوطن بكل ما تتطلبه عملية الدفاع من تأمين. المهمَّة التالية التى تأتى على نفس مستوى حماية الأمن القومى هى توفير الأمن الداخلى، حماية حياة وممتلكات وحريات المواطنين، وتلك هى المهمَّة الأبرز للدولة والتى تمارسها السلطات على مدار الساعة، هذه المهمَّة تتطلب تكاتف السلطات الثلاث من تشريعية (عبر إصدار القوانين اللازمة والمتطورة التى تواكب العصر) وقضائية (من خلال تطبيق القوانين عبر إصدار الأحكام) وتنفيذية (عبر تنفيذ ما يصدر من أحكام والقيام بمهامِّ حفظ الأمن والنظام). ويبدو مهمًّا للغاية إدراك أهمية ممارسة مهمَّة حفظ الأمن والاستقرار الداخلى وتوفير الحماية للمواطن، حياته وممتلكاته وحريته، هذه هى المهمَّة الرئيسية للدولة، نعم تختلف من نظام إلى آخر فى الحدود والمدى ولكنها تظل أبرز مهامّ الدول. الاختلاف يأتى من طبيعة النظام السياسى والمواطنة بين الحقوق والواجبات، ففى نظم الحكم الديمقراطية بكل أشكالها يتحقق التوازن بين الحقوق والواجبات وتتَّسع مساحة الحقوق والحريات دون الإخلال بالواجبات، أما فى الدول غير الديمقراطية فتتسع مساحة الواجبات على حساب الحقوق والحريات، بل إن التبرير الأساسى لتغوُّل الواجبات على الحقوق عادة ما يكون حماية المواطن والمجتمع. وبالطبع تأتى مراحل التحول من النظم الاستبدادية إلى الديمقراطية بزيادة مساحة الحقوق وتراجع مساحة الواجبات إلى الحجم الطبيعى. فى الدول الديمقراطية المستقرة تكون المؤسَّسات هى الضامن الأبرز لقيام الدولة بممارسة مهامِّها دون تعدٍّ على حقوق المواطن أو تغوُّل على حرياته، ومن هنا تأتى أهمية المؤسَّسات، وتأتى قيمة التوازن الدقيق بين السلطات الثلاث التى توازن بعضها مع بعض وتراقب الأداء وتصحح أى خلل فى العلاقة وتواجه أى محاولة للتعدى على دور سلطة من هذه السلطات، لذلك عادة ما تُعرَف الدول الديمقراطية بأنها دول القانون والمؤسَّسات، حيث القانون يحترم من الجميع ويطبق على الكل أيضًا، وحيث تكون المؤسَّسات أكبر من الأشخاص مهما علت مواقعهم. وفى كل الأحوال وبصرف النظر عن طبيعة النظام السياسى، لا بد أن يكون للدولة هيبة وخشية، وتكون لها مصداقية فى عيون مواطنيها، بمعنى أن يصل إلى المواطنين والجماعات المختلفة أن القانون سوف يطبَّق على الجميع، وأن القوانين تصدر كى تطبق ولا مجال للمناورة أو التهرُّب من تطبيق القانون، هذا الأمر غاية فى الأهمية سواء بالنسبة إلى المواطن العادى أو الأفراد والجماعات الذين يفكرون فى الخروج على القانون، فهيبة الدولة ومصداقيتها إذا ما وصلت إلى المواطن العادى فسوف يغدو مطمئنًّا على أمنه الشخصى، ممتلكاته وحقوقه وحريته، وإذا ما وصلت إلى الأفراد والجماعات فسوف يفكرون مرارا قبل الخروج على القانون الأمر الذى يحقِّق وظيفة الردع. إذا نظرنا إلى الحال فى مصر اليوم وبعد التحرُّر من حكم المرشد والجماعة، أن هناك تفريطًا من السلطات التى تولت إدارة المرحلة الانتقالية فى هيبة الدولة وتردد فى تطبيق القانون، فقد أصدروا قوانين عديدة (مثل تنظيم التظاهر) دون حسم فى التطبيق، أيضًا توجد حالة من التخبُّط والتضارب بين أداء السلطات المختلفة يصل إلى درجة التناقض، مَن منا يعرف حقيقة الموقف من حزب الحرية والعدالة؟ هل الجماعة منظمة إرهابية أم لا؟ هل الحكم سياسى أم قانونى؟ هل هناك حكم قضائى بذلك؟ وماذا عن تنحِّى قضاة استشعارا للحرج؟ كلها أسئلة مفتوحة ضحيتها الأساسية هيبة الدولة فى عيون مواطنيها والجماعات، ومحصلتها عجز واضح عن ممارسة الدولة المهامَّ المنوطة بها، وأولها حماية مواطنيها.