«الوش بعد الوش بعد الوش الكل طلع مقلب ووطنى الخاسر الكل متربى فى عش الغش وألف رحمة عليك يا عبد الناصر» الخال/ عبد الرحمن الأبنودى سألنى كثيرون من زملاء المهنة ومن أصدقائى أن أكتب عن الجماعة الإسلامية، وعن أحداث التسعينيات، وعن مبادرة وقف العنف التى أطلقتها الجماعة، هل هى حقيقة أم خداع للخروج من السجن؟ وكان الطلب يزداد كلما ذكرت لهم بعضًا من هذه الذكريات، وكلما ظهر على الساحة أحد الإسلاميين يسألوننى هل تعرفه؟.. فإذا أخبرتهم عنه، وأوجزت لهم شخصيته وأفكاره، وأكدت لهم الأيام صدق رؤيتى، وصحة نظريتى، زاد إلحاحهم. وما منعنى من الكتابة هو أنى أحتسب فترة الاعتقال عند الله عز وجل، فهو من أنعم بالمحنة، وتفضل وجعلها منحة، فلله الحمد فى الأولى والآخرة. ولكن تراكمت أسباب وراء أسباب جعلتنى أكتب قصة الجماعة الإسلامية من البداية إلى النهاية. ومِن كتب الجماعة «أإله مع الله.. إعلان الحرب على مجلس الشعب». وفيه أن مجلس الشعب ينتزع حقا ليس له، ويُشارك الله فى حق من حقوقه، وهو حق التشريع، وعليه فهو مجلس شركى لا يجوز دخوله، ولا يجوز الترشح له أو انتخاب أحد من أعضائه، كان دخول الإخوان مجلس الشعب سبب هجوم شديد من الجماعة عليهم، فاضطرّت جماعة الإخوان أن تستفتى الشيخ عبد العزيز بن باز، مفتى عام السعودية، فى دخول مجلس الشعب، فأفتاهم بإباحة دخوله، ونشروا هذه الفتوى على نطاق واسع ليُواجهوا هجوم الجماعة عليهم. وأتوقَّف عند استفتاء الإخوان لمفتى عام السعودية فى مسألة فى مصر.. أين علماؤهم وفقهاؤهم؟ فالإخوان غير مهتمين بتحصيل العلم الشرعى، ولقد قرأت فى عام 2006 كتابا من إصدار لجنة الشريعة الإسلامية بنقابة المحامين بدمياط عن مهنة المحاماة، أسئلة وأجوبة جمعوا فيه أسئلة تتعلق بالمهنة وعرضوها على ثلاثة من المشايخ، اثنان من دمياط وأستاذ كبير من الإخوان، فلمّا قرأته وجدته قد صيغ بلغة تدلّ على الجهل بالعلم الشرعى، فالفقه له لغته الخاصة، وألفاظه لها مدلولات يجب على مَن يتصدَّى للكتابة فى الفقه أو مجرد جمع فتاوى أن يعلمها، فتحدّثت مع مسؤول لجنة الشريعة الإسلامية بدمياط آنذاك مدحت عاشور المحامى، وقلت له: هذا الكتاب يقع فى أخطاء منها يقول: أجمع الفقهاء الثلاثة، وهذا خطأ لا يصح كلغة فقهية، فتعجب!! فقلت له: إذا اتَّحد قول الأئمة الأربعة على قول واحد فى مسألة نقول: أجمع الأئمة الأربعة أم اتفق، فقال: نقول: أجمع. فانسحبت، فلقد علمت أنهم جميعا بعيدون عن العلم الشرعى ولا يعرفون ما هو الإجماع، فاتحاد الأئمة الأربعة على قول واحد فى مسألة لا يعدّ إجماعا ولا يقود الإجماع بهم وحدهم مع جلالة قدرهم، فيقال: اتفق الأئمة الأربعة، ولا يقال: أجمع الأئمة الأربعة. وبعد الثورة أصدر عبد الآخر حماد فتوى تُجيز دخول مجلس الشعب، فهو لم يعدّ مجلسا شركيا كما كانت تقول الجماعة سابقا، ولا أدرى ما سبب إعلان الحرب على مجلس الشعب بدايةً ثم إباحة دخول مجلس الشعب، أيهما كان الصواب؟ لا تجد إجابة سوى الفتوى تتغيَّر بتغيُّر الواقع، لكن ما أراه أن الفتوى تتغيَّر حسب مصلحة الجماعة فقط. نأتى إلى أهم كتب الجماعة الإسلامية على الإطلاق وهو الكتاب القنبلة «قتال الطائفة الممتنعة»، وهذا الكتاب تجيب به الجماعة عن سؤال إذا كان الشعب عندكم مسلما والشرطة مسلمة والجيش مسلما، وبالتالى فهم معصومو الدم والمال، فكيف تقاتلونهم وتقتلونهم وتُبيحون دماءهم وأموالهم؟ وسبب كتابة هذا الكتاب، قيام الجماعة فى 8 من أكتوبر عام 1981 بعد اغتيال أنور السادات باقتحام مبنى مديرية أمن أسيوط وقسم أول أسيوط، وقتل 120 ضابطا وجنديا، فلما التقاهم الدكتور عمر عبد الرحمن سألهم: ما دليلكم الشرعى عمّا ارتكبتموه فى أسيوط؟ وبأى حق سفكت هذه الدماء؟ فلم يُجيبوه، فأمرهم بصيام شهرين متتابعين كفَّارة القتل الخطأ، فصام جميعا كل مَن شارك فى هذه الأحداث، وقد أصيب فيها من المهاجمين: عصام دربالة انفجرت قنبلة فى يده اليمنى فقطعت، وأصيب عاصم عبد الماجد فى ساقه فلم تنثنِ مرة أخرى، وأصيب ناجح إبراهيم فى قدمه. وهى فتوى عجيبة من عمر عبد الرحمن كل واحد من هؤلاء قتل أكثر من خمسة جنود، فكيف يصوم شهرين متتابعين؟ كيف تُجزئ كفَّارة واحدة عن جرائم متعددة؟ فقام عصام دربالة وعاصم عبد الماجد بتأليف هذا الكتاب للردّ على سؤال: لماذا سفكتم هذه الدماء؟ وقالوا: إن أى طائفة تمتنع عن تطبيق شريعة واحدة من شرائع الإسلام تقاتل على هذه الشريعة حتى تُطبِّقها، وفرقوا بين القتل والقتال، فأفراد هذه الطائفة الممتنعة يجوز قتالهم وهم مسلمون ولا يجوز قتلهم. وهذه التفرقة ليهربوا من أحكام عصمة الدم، وأن الدم لا يُباح، فلا على سبيل الحصر، والحالة التى يقولون بها ليست من هذه الحالات، فقالوا: إن القتال ليس هو القتل وأن هناك اختلافًا بينهما، مع أن نتيجة القتال هى سفك الدماء والقتل، ولكنه تطويع الدين وفق رغباتهم. وعرضوا هذا الكتاب ليقرؤوه على الدكتور عمر فرفض، وقال لهم: ما حدث فى أسيوط من سفك دماء لا يصحّ أن يحكم فيه عالم واحد، وإنما يجب أن يعرض على مجموعة من العلماء، فطلبوا منه أن يستمع إليه كبحث فقهى، فلما استمع إليه، قال: هو بحث جيد ولكن لا ينطبق على واقع مصر. وتم إخفاء رأى عمر لمدة عشرين عاما، ودرس هذا الكتاب على أعضاء الجماعة، وكان هذا الكتاب هو سند كل مَن رفع السلاح فى مصر، وسند كل من اشترك فى عمليات العنف فى مصر، وقالوا: إن الدكتور عمر أجازه، وبعد سنوات طويلة فى عام 2001 قالت قيادات الجماعة: إن هذا الكتاب خطأ، وذكروا رأى عمر فيه. هذه هى الخدعة الكبرى التى تعرَّض إليها شباب الجماعة من قِبل القيادات التى قال عنهم محمد ياسين لا يتحرّكون إلا بأدلة شرعية، وإلا لمصلحة عامة. ويقول حمدى عبد الرحمن: «يوجد كتاب بعنوان (قتال الطائفة الممتنعة عن شريعة من شرائع الإسلام)، قام بتأليفه عصام دربالة وناجح إبراهيم، وربما تكون المفاجأة عندما تعلم أن الشيخ عمر عبد الرحمن كان رافضا لهذا البحث، ورفض تطبيق الحكم الوارد فيه على أحداث أسيوط، بل وأمر بعض المشاركين فى أحداث أسيوط بصيام شهرين تكفيرا عن قيامهم بقتل الجنود». خطأ كهذا.. بل خطيئة كهذه كان يجب على مرتكبها أن يلزم بيته يستغفر ربه لعلّه يتوب عليه، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يزال المؤمن فى فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما». وهم أصابوا دماءً حرامًا، بل أنهارًا من دماء حرام، وبدل أن يلزموا بيوتهم ويستغفروا ربهم، رأيتهم يتباهون بفعلتهم، ويقول عاصم: إنه كان يُجاهد ضد السادات فى ردّه على الأستاذ محمد منيب المحامى فى قناة «العربية»، ونسى أن السادات قُتل قبلها بيومين، وإذا كان هذا جهادا، فلماذا صام شهرين متتابعين كفَّارة؟ وبأى دليل قتل هؤلاء الجنود والضباط وهو يومها لم يكن عالما له حق الاجتهاد، وهو الآن ليس عالما. ويقول على الشريف، محمِّلا خطأ الجهاد للشباب، وليس لمن أفتاهم بغير علم فَضَلّ وأَضَلّ: «فى هذه الأيام التى نعيشها خرج كثير من الشباب المسلم على دولته المسلمة ومؤسساتها يُقاتلها بحجة الجهاد، وكانت النتيجة أن جنى الشباب المسلم مفاسد عظيمة، وضعفت الأمة، قاتل الشباب المسلم من أجل الدعوة فمنعت الدعوة، قاتل من أجل قلة معتقَلَة فزاد عدد المعتقلين، ولم يجنوا من قتالهم إلا الشر المستطير، وكان هذا ظلما للجهاد، وكان على هؤلاء الشباب أن يفهموا أنه ما دامت النتيجة من القتال سيئة والعائد شرا، فلا مجال لأن يصف هذا القتال بأنه شرعى، بل هو قتال محرّم شرعا، فالإسلام لا يأتى أبدا بالشر». يقول: كان يجب على الشباب أن يفهموا، الأصح أن يقول: كان يجب على الشباب أن لا يثقوا فى قيادات لا علم لها ولا خبرة، أخفوا عليهم لمدة عشرين عاما أمرا شرعيا، ولم يظهروه إلا عندما هزموا عسكريا، وفشلوا إنسانيا، الآن يُحمِّل على الشريف المسؤولية بدلا من أن يتحمَّلها هو وزملاؤه، أليس هو أحد المشاركين فى أحداث نجع حمادى لسرقة محلات الذهب والمشارِك فى أحداث أسيوط، وهو القائل بعد انقلاب العسكر على نتائج الانتخابات البرلمانية فى الجزائر عام 1991: «الطريق إلى الدولة الإسلامية لا يمرّ عبر صناديق الانتخابات، وإنما يمرّ عبر فوهة البنادق». وله فتوى غريبة ذَكَرها فى ندوات سجن وادى النطرون، ونشرت فى مجلة «المصور»، ولم ينتبه إليها كثير فى خضم مفاجأة المبادرة وهى: التبرُّج لو كان من فتاة مسلمة فهو صغيرة وليس من الكبائر، وحكمه فى الشرع عشر جلدات وليس القتل، ولو قتل شخص امرأة مسلمة لأنها متبرجة فإنه يكون قد خالف شرع الله، ويُقتل لأن حُكم التبرّج فى الإسلام الجلد وليس القتل. فتوى ما أنزل الله بها من سلطان، ومحمد ياسين يقول: «لا يتحركون إلا بأدلة شرعية»، أين هو الدليل على هذه الفتوى، اقرأ القرآن إن شئت، وابحث فى السنَّة الصحيحة، لن تجد لها سندا من دليل. كتاب «قتال الطائفة الممتنعة» بعد أن تحدَّث فى مسألة الطائفة الممتنعة، انتقل إلى نقطة خطيرة جدا وهى مسألة «التترس»، وهى إذا كان أعداء المسلمين قد تترسوا بأسرى مسلمين فى الحرب، بحيث لا يستطيع المسلمون الوصول إلى أعدائهم إلا عن طريق قتل الأسرى المسلمين، فإنهم أجازوا قتل الأسرى المسلمين، حفاظا على جيش المسلمين وتحقيقا لمصلحة الإسلام، واستندوا فى ذلك إلى فتوى لابن تيمية وهى: «وقد اتفق العلماء على أن جيش الكفَّار إذا تترس بمن عنده من أسرى المسلمين، وخيف على المسلمين الضرر إذا لم يقاتلوا فإنهم يقاتلون، وإن أفضى ذلك إلى قتل المسلمين الذين تترسوا بهم» (الفتاوى الكبرى ص28 ص537 وما بعدها). وقد فرَّعت الجماعة عنها مسألة أنه إذا لم يستطع أن يُخلص إلى أحد من الطائفة الممتنعة إلا بقتل أحد من معصومى الدم معه قتلناه، ويبعث على نيته يوم القيامة، وهكذا بكل بساطة تقوم مجموعة تدعى الإسلام بتفجير يقتل عشرات من المواطنين، ثم تقول بكل بساطة وأريحية: «يبعثون على نياتهم». وعلى هذا التأصيل الشرعى رتَّبت الجماعة عملية اغتيال وزير الداخلية الراحل زكى بدر فى عام 1989، حيث أعدَّت سيارة بها مائتان وأربعون كيلو من مادة شديدة الانفجار وهى «تى إن تى»، وانتظروا موكبه على كوبرى الفردوس، وكان فى السيارة أحد أعضاء الجماعة وهو محمد صبرة، قالوا له: بمجرد أن نرى الموكب سنعطيك إشارة البدء، وعندها تضع المفتاح فى كونتاك السيارة، ستكون فى الجنة مع الحور العين، فلما أعطوه الإشارة وضع المفتاح وأدار السيارة، فوجد نفسه معلقا فى مبنى مباحث أمن الدولة بلاظوغلى، فقد كان هناك خطأ فى المفجر، فلم يحدث الانفجار المطلوب، وإنما سمع صوت فرقعة شديدة، جذبت انتباه رجال الأمن الذين قبضوا عليه، فكشفوا المحاولة كاملة. وقد يذهل المرء من حادثة كهذه، لقد تعرّض عضو الجماعة لعملية غسيل مخ، وظنّ أنه بحركة وحيدة سيكون هناك فى الجنة مع الحور العين، ولولا أن مَن حكى لى هذه القصة هو الدكتور محمود شعيب، لقلت: إنها محض خيال. ولو نجحت هذه العملية كما خطّطت لها الجماعة وقتل وزير الداخلية زكى بدر كم نفس كانت ستُقتَل معه؟ سيكون القتل عشوائيا، ولكن رد الجماعة آنذاك أنهم: «يبعثون على نياتهم»، هكذا بكل بساطة. والملاحَظ فى هذه العملية أيضا أنها محاولة قتل وليست قتالا، فعلى ما ذكره كتاب «قتال الطائفة الممتنعة» من إباحة قتال هذه الطائفة وعدم جواز قتلهم، فعلى أى أساس كانت كل عمليات الاغتيالات ليس لهم دليل شرعى بإباحة القتل، وإنما هم لا يتورَّعون فى دماء المصريين، تحقيقا لأغراض دنيوية سياسية والدين والشرع منها براء. وكعادة الجماعة بعد سنوات طويلة، وبعد أن هزمت عسكريا وفشلت إنسانيا قرّرت أنها أخطأت فى هذه المسألة أيضا، وأصدر عصام دربالة كتاب «استراتيجية القاعدة.. الأخطاء والأخطار»، وأصدر الدكتور ناجح إبراهيم كتاب «تفجيرات الدار البيضاء.. الآثار والأحكام»، وتحدَّثا عن تنظيم القاعدة وأداناه، وبيّنا حكم الشرع فى أفعاله، وهما ينتقدانه كانا بصورة غير مباشرة ينتقدان أفعالهما السابقة، فهما أسبق من تنظيم القاعدة فى تبنِّى هذه المفاهيم المغلوطة باسم الدين، والقاعدة قد صارت على الطريق الدموى الذى مهدت له الجماعة بأفكارها وأحداثها. تلك هى أهم كتب الجماعة الإسلامية التى كانت تُمثِّل المنهج الفكرى لها، ثبت بعد ذلك أن كل هذه الكتب كانت باطلة -عدا كتاب «العذر بالجهل»- وذلك باعترافاتهم وبكتبهم وبتصريحاتهم. وقبل أن نختم هذا الفصل نتحدَّث عن العملية التى دشنت فكر الجماعة، وأسمعت الدنيا أن هناك مجموعة ترفع شعارات إسلامية، وتحمل منهجا يُبرِّر العنف ويحبذه، فللجماعة دراهسة اسمها «الاغتيال سُنَّة.. والإراب فرض».