كانت سنوات سبعينيات القرن الماضى (يراها كثيرون شجرة لم تطرح سوى الحنظل) أرضا خصبة لنمو جماعات الإسلام «المسلح»، فالبلاد كانت أيامها خارجة من حرب أكتوبر التى يرى كثيرون أن السياسة أضاعت فيها ما ربحه السلاح، ثم جاء الانفتاح الاقتصادى وما أحدثه من تغيرات جذرية فى سلم القيم، وتزامنت مع هذا الانفتاح هجرة مصرية إلى دول عرفت بأفكارها المتشددة، إضافة لوعود قطعها الرئيس الراحل أنور السادات بأن البلاد ستشهد فور انتهاء الحرب عصر اللبن والعسل، ثم صحا المصريون فلم يجدوا سوى دجاج توفيق عبدالحى الفاسد، كل تلك العوامل قادت إلى خصام «مسلح» بين الجماعات الإسلامية والحكومات المصرية. الباحث محمد إبراهيم أبوعطية إحدى قيادات الصف الثانى بالجماعة الإسلامية والذى عاصر الكثير من تلك الأحداث، رصد فى رسالة ماجستير تقدم بها إلى كلية الدعوة الإسلامية بجامعة الأزهر الشهر الماضى تطور فكر الجماعة الإسلامية على مدار العقود الثلاثة الماضية. هذه الرسالة تعد الأولى فى بابها والتى تجيزها جامعة الأزهر، إضافة إلى أن صاحب الرسالة هو أول عضو بالجماعة يكتب عنها رسالة علمية. «الشروق» تعرض حصريا ما طرحه أبوعطية فى رسالته «التحول الفكرى للجماعة الإسلامية وأثره فى ميزان الإسلام»، والذى تم تقسيمه إلى مرحلتين: الاولى: الجماعة الإسلامية قبل التحول، وفيه تحدث عن الأسباب التى أدت إلى نشأة الجماعة، وأهم شخصياتها، والمرجعية الفكرية التى اعتمدت عليها، ورأى الجماعة فى بعض النواحى السياسية، ومواقفها المختلفة من العلماء، ومن الهيئات والجماعات الدينية، والديانات المختلفة، والأفكار المخالفة كالعلمانيين، وما ترتب على ذلك من أحداث، ثم ذكر الأدلة الشرعية التى ساقتها الجماعة على القيام بهذه الأحداث. الثانية: مرحلة المبادرة وما ترتب عليها من آثار وتحول فى الكثير من المواقف والنتائج التى ترتبت على هذا التحول. النشأة يطرح أبوعطية فى هذا المبحث ما استقر فى نفوس أعضاء جماعته فى مرحلة النشأة، فكانت الصورة التى استقرت فى نفوسهم قاتمة سوداء لا تدعو إلى التفاؤل، بل كانت تبعث فى النفوس مزيدا من الحسرة والألم والضيق. فالزحف العلمانى «الكافر» يواصل تقدمه ويكتسح البلاد، بينما يتراجع الإسلام وينسحب من الميدان ونجحت العلمانية فى محاصرة الإسلام وطرده من كل المجالات المؤثرة وتقدمت لتحتل مكانه الشاغر. ورأى مؤسسو الجماعة أن العلمانية استقرت فى القلوب كعقيدة آنذاك (سبعينيات القرن الماضى)، وسيطرت على كل أوجه الحياة فصبغتها بصبغتها، ونزعت عن الناس رداء الإسلام الطاهر وألبستهم ثوبها الفاضح، ومزقت عقيدة الأمة وفكرها، وهلهلت أخلاقياتها ومبادئها. وصنعت من رجالها وسدنتها أبطالا وزعماء ليقتدى بهم، بينما كممت أفواه الدعاة إلى الإسلام وحاربت رجاله. واعتقد هذا الجيل من الجماعة أن أجيال الأمة سقطت فى «وحل العلمانية الكافرة» التى صنعت بيد اليهود والنصارى، وانطلق من بين المسلمين من ينادى بهذا الفكر، ويدعو إلى فصل الدين عن الدولة ومحاصرة الدين فى محرابه، وأن الحياة لا تستقيم إلا بفصلها عن الإسلام، وليت الأمر انتهى عند هذا الحد. بل لقد منعوه عن محرابه، وأخرسوا لسانه فلم يعد للإسلام صوت ينطق، أو كلمة يدافع بها عن نفسه، فالسياسة والحكم لا دخل للإسلام فيهما.. والثقافة والتعليم لا دخل للإسلام فيهما، والشئون الداخلية والعلاقات الدولية كلها للسادة الحكام العلمانيين الذين لا يقرون بحكم الشرع ولا يحترمون أوامر الإسلام وحدوده. وأصبح الإسلام محاصرا لا يخرج من مسجده إلا إذا خرج متمايلا محرفا مزورا فى موالد الصوفية والأفراح، أو التلاوة فى المآتم. هنا يستشهد أبوعطية بما طرحه الكاتب الصحفى عادل حمودة فى كتابه «الهجرة إلى العنف»، حيث أرجع أسباب نشأة جماعات العنف إلى أشياء كثير منها هزيمة «1967» والانفتاح الاقتصادى وكثرة الاعتقالات فى الخمسينيات والستينيات. ومن الديكتاتورية المؤلمة إلى الديمقراطية التى لها أنياب، ومن الاندفاع إلى الغرب إلى الصلح مع إسرائيل ومن ازدواجية التعليم إلى ازدواجية الثقافة... إلخ. ويضيف أبوعطية لأسباب حمودة أسبابا أخرى لعل من بينها، انحناء الإخوان كثيرا أمام النظام؛ لدرجة أن قادة الإخوان كانوا يبلغون الجهات الأمنية بكل التفاصيل التى كانت تحدث عندهم مما أفقدهم ثقة الشباب فيهم. وهنا عاد أبوعطية لكتاب عادل حمودة ونقل عنه من أغرب المقابلات التى أشار إليها عمر التلمسانى مرشد الإخوان المقابلة التى تمت فى مقر مجلة الدعوة مع أربعة أساتذة إسرائيليين من جامعة تل أبيب وقال عنها: «كنت يومها على سفر.. فقابلهم الأخ الفاضل مصطفى مشهور بأدبه المعروف واتزانه وحكمته، ودار حديث بينهم، قال أحدهم إننا لسنا مستائين أن تكون هناك فى مصر معارضة لمعاهدة السلام لأننا فى إسرائيل نجد معارضة لها. فأجاب الأخ الأستاذ مصطفى مشهور: إن المعارضة قامت هنا لأن المعاهدة هضمت كل حقوق الشعب الفلسطينى، أما المعارضة عندكم فقد قامت طلبا للمزيد من استلاب الحقوق، وبعد ساعات من الزيارة كان الأمن على علم بتفاصيلها من الإخوان أنفسهم. ويقول بسبب هذا الموقف الذى يوصف فى أفضل الأحوال بالاعتدال، فقد الإخوان المسلمون الكثير، وبدأت المعارضة الدينية تغلى، وخطفت الأضواء والعدسات والميكروفونات شخصيات كان لها مريدون بمئات الآلاف مثل الشيخ كشك، والشيخ المحلاوى. ويقول: «فى تلك الفترة برزت أنياب ومخالب الجماعات الإسلامية فى الجامعات وخارجها وأغلب هذه الجماعات التى دعمها الإخوان راحت تهاجمهم. اتهمتهم بالتساهل.. والتهاون.. وأحيانا وصفتهم بالانتهازية. لقد رفضت أغلب هذه الجماعات أن ينكسر الجناح العسكرى للإخوان بأن يسعوا إلى الحكم وتطبيق الشريعة بالوسائل السلمية المشروعة فكان أن اتهموهم بأنهم (جيل لم يقم بواجباته تجاه الجهاد) وبأنهم (جيل لم يكن مخلصا فى هدفه نحو إقامة الدولة الإسلامية». ولأن الشيخ التلمسانى كان يستجيب لمطالب النظام ويسعى لتهدئة الغضب الموجود فى صدور الشباب، فقد كان له نصيب الأسد من هذه الاتهامات، ووصل الأمر إلى حد الاعتداء عليه من بعض أعضاء الجماعة الإسلامية فى أسيوط وتدخلت قوات الأمن لإنقاذه وتخليصه منهم». ويتابع «فى عام 79 التقى كرم زهدى عضو مجلس شورى الجماعة المهندس محمد عبد السلام فرج العضو فى أحد الفصائل لتنظيم الجهاد وعضو مجلس شورى الجماعة فيما بعد وصاحب كتاب (الفريضة الغائبة)، الذى عرض على كرم زهدى فكرة الجهاد وأن الحاكم قد كفر وخرج من الملة فوجب الخروج عليه وخلعه وتغيير النظام». وعرض كرم زهدى الفكرة على مجلس شورى الجماعة فى صعيد مصر الذى كان يرأسه د.ناجح إبراهيم، فوافق المجلس على أن يكون هناك مجلس شورى عام ومجلس شورى القاهرة، وعلى أن يتولى إمارة الجماعة أحد العلماء العاملين الذين لهم مواقفهم الصلبة ضد «الطاغوت»، وقد تم إقرار تشكيل الجناح العسكرى وجهاز الدعوة والبحث العلمى والتجنيد وتطبيق القوانين الإسلامية وكذلك جهاز الدعم اللازم للحركة فى مجالاتها المتعددة. تم اختيار د. عمر عبدالرحمن أميرا للجماعة وكان يتنقل بين المحافظات مشاركا فى المؤتمرات والندوات، عارضا فكر الجماعة ومحمسا الشباب للجهاد والخروج على نظام الحكم مما أدى إلى اعتقاله فى العديد من المرات وتحديد إقامته بمنزله بالفيوم، ثم سافر خارج البلاد، وتم اعتقاله أخيرا فى أمريكا حتى الآن. وفى بداية عام 1984م وبعد الإفراج عن الكثير من أعضاء الجماعة غير المتهمين فى قضايا التنظيم، أعيد تنظيم الجماعة برئاسة محمد شوقى الإسلامبولى، ومن ثم زاد نشاطها فى الدعوة إلى الله فى المساجد من خلال اللقاءات والندوات والمعسكرات وبخاصة الشباب والطلبة فى المدارس والجامعات فى معظم المحافظات، مستغلة الكسب الإعلامى لأحداث 81، داعية إلى الخروج على الحاكم وقتال الطائفة الممتنعة عن إقامة شرع الله وشرائع الإسلام، وقد دفع ذلك كله قوات الأمن المصرية إلى الصدام الدائم معهم وإلقاء القبض على الكثير منهم وتعرضهم للتعذيب والتضييق الشديد، بل وصل الأمر إلى التصفية الجسدية ضدهم، مما أوجد بين أفراد الجماعة ردود فعل عنيفة راح ضحيتها الكثير من ضباط الشرطة وجنودها وغيرهما. ومن هذا يتضح لنا كيف نشأت الجماعة الإسلامية على يد قادتها التاريخيين كرم زهدى سليمان، وناجح إبراهيم عبدالله، وفؤاد محمد حنفى الدواليبى، وعلى الشريف، ومحمد عصام الدين دربالة، وعاصم عبدالماجد ماضى، وأسامة إبراهيم حافظ، الذى قال عنهم الباحث: «بنظرة بسيطة على هؤلاء القادة نجد أن معظمهم لم يتلق علما شرعيا متأصلا، بل هم خريجو كليات علمية ثقافية وقد تم إلقاء القبض عليهم وهم فى سن الشباب، فلم يتمكنوا من تحصيل العلوم الشرعية بتأن وتأصيل. ولم يتوافر بعد ذلك إلا للشيخ أسامة حافظ، ومن أجل ذلك كان يحظى باحترام خاص حيث كانوا يعدونه من المجتهدين، بل كان بعضهم يغالى كالعادة ويجعله من المجتهدين المطلقين كأمثال الشافعى وأبى حنيفة ومالك وغيرهم، وإذا اعترض أحد أفراد الجماعات الأخرى على رأى له وطالب أتباعه بالدليل قالوا هو مجتهد وله الحق فيما يقوله». التكوين الفكرى يرى أبوعطية أن المرجعية الفكرية التى اعتمد عليها فكر الجماعة الإسلامية قامت فى الأساس على كتب ابن تيمية، ويقول «المتأمل يستطيع أن يعرف السبب فى ذلك، لأن الجماعة كانت ترى أن ظروف المجتمع فى عهد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تتشابه بشكل كبير مع ظروف المجتمع فى عصرنا الحاضر. لذا؛ فإن معظم كتب الجماعة تقوم بنقل كثير من النصوص من كتب ابن تيمية، فبحث مثل الطائفة الممتنعة يكاد يكون متنه منقولا بنصه من كتب الفتاوى لابن تيمية، وكذلك كتاب الفريضة الغائبة، وكتاب حتمية المواجهة، وهو من تأليف الجماعة الإسلامية». كما نقلت الجماعة الكثير من كتب سيد قطب الذى وصفه الباحث بأهم أقطاب المفكرين الإسلاميين الحركيين فى القرن الرابع عشر الهجرى لأنه خلّف بعض الكتب الإسلامية ذات الطابع الحركى، وقال: «يعتبر قطب أكثر من تحدث عن جاهلية القرن العشرين، ولقد مارس رحمه الله العمل الحركى فى تنظيم الإخوان المسلمين، وله بعض المؤلفات المهمة مثل: فى ظلال القرآن،العدالة الاجتماعية فى الإسلام، وغيرهما. وقد نالت كتبه انتقادات كثيرة فى الآونة الأخيرة، وقد استدل بعض قادة الجماعة الإسلامية ببعض النقول من كتب الشيخ سيد قطب أو اقتباس بعض الأفكار والمفاهيم عنه». واستنادا إلى ما نقلته الجماعة من كتب ابن تيمية وسيد قطب قدمت ما عرف ب(ميثاق العمل الإسلامى) الذى يعد خلاصة للتجربة التى عاشتها الجماعة، فى ضوء المواجهة التى خاضت غمارها ضد من وصفوهم بأعداء الدين فى ذى الحجة سنة 1401ه أكتوبر 1981م. ويعد الميثاق خلاصة فكر الجماعة، حيث حددوا فيه غايتهم وهدفهم وفهمهم للإسلام بشموله كما فهمه علماء الأمة الثقات، كما طالبوا فيه بإعادة إقامة خلافة على نهج النبوة، فدولة الخلافة هى الترجمة الصحيحة للإسلام، وهى الكيان السياسى الأوحد الذى يتجسد فيه الإسلام شاملا، وتقوم من خلاله شريعة الرحمن كاملة كما يعتقدون. كما حددوا فى «الميثاق» طرق الدعوة والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، والجهاد فى سبيل الله من خلال جماعة منضبطةٍ حركتُها بالشرع الحنيف، تأبى المداهنة أو الركون، وتستوعب ما سبقها. وفى كتاب «حتمية المواجهة» شنت الجماعة الإسلامية حملة قاسية جدا على كل الجماعات والمؤسسات الدينية والرسمية، وحاولت أن توهم القارئ أنه لا سبيل للنجاة وتغيير الواقع الأليم إلا من خلالها والعمل فى ظلها وتحت إمرتها بحسب ما أورده أبوعطية فى الرسالة. ويقول أبو عطية: «إن الجماعة اعتبرت قرار التحفظ الذى أصدره الرئيس السادات فى سبتمبر عام 1981 باعتقال قادة الحركات الإسلامية هو النذير، ومن ثم اتضح الطريق وقتل السادات بإطلاق الرصاص عليه فى أكتوبر عام 1981، وتلى ذلك بوادر الثورة الإسلامية المسلحة التى يعتبرونها إعلانا واضحا وبيانا عمليا شافيا للأسلوب الشرعى الصحيح الذى يجب القيام به للانتصار لدين الله والاستجابة لأمره تعالى». وحدد هذا الكتاب عدة حتميات اعتبرت هى دليل الجماعة فى تحركها فيما بعد الحتمية التاريخية، والحتمية الشرعية (وجوب قتال الطائفة الممتنعة عن شريعة من شرائع الإسلام وإن أقرت بوجوب ما امتنعت عنه ونطقت بالشهادتين، وحتمية وجوب تنصيب خليفة للمسلمين وإقامة الخلافة الإسلامية، ووجوب تحرير بلاد المسلمين المغتصبة، ووجوب استنفاذ أسرى المسلمين من أيدى الأعداء، ووجوب الجهاد لنشر الدين). ثم يعرض الباحث لكتاب «كلمة حق» وهو مرافعة الدكتور عمر عبدالرحمن أمام محكمة أمن الدولة فى قضية الجهاد، والتى اتهم فيها بأنه مفتى التنظيم، وكتاب «جواز تغيير المنكر باليد لآحاد الرعية»، والذى أطلق عليه مؤلفه أيضا «رسالة فى الحسبة» ومؤلفه هو (عبدالآخر حماد)، الذى كان أفراد الجماعة يعتبرونه أصغر عالم أو مجتهد فى الدنيا. ويقول الباحث: إن هذا الكتاب حصل عليه كمخطوطة بخط اليد كتبت فى أسيوط فى 4 شعبان 1408 الموافقة 22 مارس 1988. ويقول الباحث: إن الكتابين طرحا الأدلة القاطعة على أن تغيير المنكر باليد ليس مقتصرا على الحكام فقط بل لآحاد الرعية أيضا. الكتاب الأخير مثل خطة عمل الجماعة فى تغيير المنكر الذى تم فى الجامعات المصرية والشوارع. ثم ينتقل الباحث إلى كتاب (حكم الطائفة الممتنعة عن شرائع الإسلام)، وهو مخطوطة أخرى أعدها الشيخ محمد عصام الدين درباله، تم تأليفه خلف جدران سجن الليمان، والكتاب حض على قتال الداخلين فى الإسلام إن لم يلتزموا شرائعه، فأيما طائفة ذات شوكة ومنعة انتسبت للإسلام وتكلمت بالشهادتين، وامتنعت عن بعض شرائعه الظاهرة المتواترة، فإن قتالها أولى من قتال من لم يقاتلنا من المشركين وأهل الكتاب. الثورة الإيرانية وينقل الباحث عن الكاتب الصحفى عادل حمودة قوله: «بدأ الصدام بين السادات وهذه الجماعات بعد نجاح الثورة الإسلامية الإيرانية وسقوط الشاه وفراره، وانهيار عرش الطاووس.. انعشت الثورة (الخومينية) الأمل فى صدور الجيل الجديد من السلفيين الإسلاميين وجعلته يتصور أن تكرارها فى بلد آخر مسألة فى متناول اليد.. فمجدوا الثورة، ورفعوا صورة الخومينى وترجموا مقالات رجالها». ويضيف حمودة «فى يوم 3 أبريل 1980 تجمع مئات من أعضاء الجماعات الإسلامية فى أحد مدرجات جامعة أسيوط وهاجم أفرادها السادات بشكل مباشر لأنه منح الشاه رعايته وحمايته وسمح له بالإقامة فى القاهرة». «كامب ديفيد» من المعلوم أن الجماعة الإسلامية تعتبر اليهود عدوهم الأول، ومع أنها تحارب الحكام العرب، ولم توجه حربا مباشرة إلى إسرائيل لأنها كانت تعتبر الحكام العرب هم عملاء اليهود، وبقدر ما كان نصر أكتوبر العزة والكرامة للمصريين وللعرب عموما بقدر ما كانت زيارة القدس وكامب ديفيد ضربة قاصمة فى نظر الكثيرين، وكان للجماعات الإسلامية موقف معادى للسادات، ومن بينهم الجماعة الإسلامية، ويقول «عادل حمودة»: (وزاد الطين بلة... زيارة السادات الشهيرة إلى القدس، التى انتهت باتفاقية الصلح مع إسرائيل أو مع اليهود).. أشد الناس عداوة للمسلمين. فكان أن تمزقت شعرة (معاوية) بين السادات والشبان الساخطين، ووصل الطرفان إلى مفترق الطرق، وعبرت الجماعات الإسلامية عن غضبها بكل وسائل الفوران. موقف الجماعة من العلماء يقول الباحث «كل عالم مهما وصل تدرجه فى العلم إلى أعلى مدى، طالما أنه لم يتصد للحاكم الجائر أو الكافر، كان فى وجهة نظر الجماعة من علماء السوء أو علماء السلطة. أو على الأقل لم يمتدح ما كانت تفعله الجماعة أو قام بنقد ما كانت تفعله الجماعة، فإن الاتهام المغلف الجاهز بأنه عالم سلطة، وإن كان من العاملين فى قطاعات الدولة الدينية كالأزهر أو جامعته، أو وزارة الأوقاف فهو عالم سوء، ولا يوجد مانع من سبه وأهانته والتطاول عليه وتجهيله. فعندما أفتى الشيخ الشعراوى رحمه الله بجواز الاستعانة بالأمريكان فى حرب تحرير الكويت عام 1991 خالف ذلك ما كانت تعتقده الجماعة الإسلامية، وشنعت عليه، وكانت تنقل عن الشيخ عمر عبدالرحمن أنه كان يقول: «إن حبنا للشيخ الشعراوى كبير ولكن حبنا للحق أشد. ولكن فتواه بجواز الاستعانة بالأمريكان غير صحيحة»، وكان يقول عنه وعن علماء الأزهر: إنهم علماء السلطة. كما اتخذت الجماعة موقفا غير طيب من الشيخ «ابن باز»، وقد كان أفرادهم يقولون ماذا فعل الشيخ «ابن باز» للإسلام؟ هل جاهد الكفار؟ هل قال الحق وجهر به فى وجه الظَلمة؟. وذلك لأن الجماعة الإسلامية كانت قد كفرت الملك «فهد بن عبدالعزيز» فى حادثة لبس الصليب حينما كان فى زيارة لروما، وكان من التقاليد المعروفة أن من زار الفاتيكان يوضع فى رقبته الصليب، فاعتبرت الجماعة أن هذا الفعل ردة وولاء للنصارى. ولكن سماحة الشيخ ابن باز بين فى فتوى له أن هذا الفعل ليس ردة، وليس من الولاء المخرج من دين الله. وكذلك فتواه الشهيرة فى الاستعانة بالقوات الأمريكية فى حرب تحرير الكويت. وقد نقلوا عن الدكتور «عمر عبدالرحمن» أنه قال عن الشيخ «ابن باز» أنه من علماء البترول وأن حب الحق إليه أقوى من حبه للشيخ «ابن باز». أما الإمام الأكبر الدكتور محمد سيد طنطاوى فاتخذت الجماعة منه موقفا عدائيا بعدما أفتى بجواز قتل قاتل «فرج فودة» تعزيرا، واشتد الهجوم بعد فتواه الشهيرة بتحليل فوائد البنوك، وكذلك استقباله للحاخام اليهودى، وأهم من ذلك عند الجماعة موقفه الدائم من البابا شنودة وقبوله لدعوته على الإفطار فى الكنيسة، وهو ما تعتبره الجماعة الإسلامية من الولاء الصريح الذى يخرج من الملة. وكان الشيخ طنطاوى من أبغض العلماء لدى الجماعة الإسلامية، وقد وصل العداء له لدرجة أنهم كانوا يتمنون موته ويتمنون لو تمكنوا منه لم يتوانوا فى قتله محتسبين ذلك عند الله. (وقد تراجعت الجماعة عن هذه النظرة الخاطئة فى حق فضيلة الإمام الأكبر بعد ذلك، ففضيلته له باع عظيم فى خدمة كتاب الله، وهو ممثل السنة فى العالم، ولاينكر ذلك إلاجاهل أوجاحد).