السيد جمال مبارك له صفتان: صفة أنه ابن رئيس الجمهورية، وهى الصفة التى مكّنته من تولى رئاسة لجنة السياسات وجعلته يتصرف مثل أكبر مسؤول فى الدولة بعد والده، إلم يكن معه، وهى التى جعلته يطمع فى كرسى الرئاسة، ويعتبر أنه حق له رغم نفيه ووالده ذلك كلما سُئلا عن تطلعه إلى رئاسة الجمهورية، ولكن النفى كان يأتى بصورة غير مقنعة لأحد، لأن الرد كان بالقول بأن النظام الجمهورى لا يعرف التوريث، وهو قول يعلم الجميع فى مصر والعالم عدم مطابقته للواقع لأن النظام المصرى ليس نظاما جمهوريا بل هو أقرب إلى النظام الملكى منه إلى النظام الجمهورى، حيث لا إرادة للشعب فى اختيار الرئيس الذى يصل إلى الرئاسة نظرا لعدم سلامة انتخابه ويظل فى الحكم إلى أن يتوفاه الله، وهذا ما حدث مع الرئيسين جمال عبدالناصر والسادات ويحدث حاليا مع الرئيس حسنى مبارك. أما الصفة الثانية التى يتصف بها السيد جمال مبارك فهى أنه مصرى من أبناء هذا الشعب، وهذه الصفة تعطيه الحق فى الانتخاب والترشح كأى مواطن مصرى، إلا أنه فى تصرفه لا يعتمد على هذه الصفة الأخيرة بل يعتمد على صفته الأولى، وهى «ابن رئيس الجمهورية»، ولذلك نراه حتى فى تحركه الشعبى يتحرك بركب من كبار المسؤولين فى الدولة، ويسير بينهم كأنه رئيس الجمهورية، وأحيانا تخرج منه عبارات لا يشعر بها تعطى السامع انطباعا بأنه صاحب قرار وليس فردا من أفراد الشعب وهو يتعامل مع المسؤولين بل بعض الوزراء تعامل رئيس الجمهورية بل أشد حدة. تطلع السيد جمال مبارك للرئاسة لا يخفى على أحد، وهو قد يأخذ مظهرا ظاهرا قويا، وقد يختفى أحيانا تبعا للظروف فهو قبل ظهور الدكتور البرادعى كان قويا وشديدا، وبعد ظهور الدكتور البرادعى بدأ يختفى ويضعف، وعندما خف وقع حركة البرادعى فى الشارع وطال غيابه عن مصر بدأت حملة جمال مبارك تشتد مرة أخرى، وأخذت صورة جديدة منها محاكاة عملية جمع التوقيعات المضادة لتوقيعات المطالبة بالتغيير التى تطالب بترشيحه خلفا لوالده وترفع شعارات مضادة للتغيير من أجل بقاء الحال على ما هو عليه رغبة فى الاستقرار، ورغم أن هذه الحملات بدت من السذاجة بحيث لا تقنع أحدا نظرا للظروف السيئة التى تمر بها مصر فى جميع النواحى، والتى لا يمكن أن تقنع أحداً بأن بقاء الحال على ما هو عليه فى مصلحة الشعب المصرى- فإنها تجد بعض من يحاول الترويج لها ونحن لا نعارض حق جمال مبارك فى الترشح لمنصب رئيس الجمهورية بشرط أن يعتمد فيه على صفته الثانية باعتباره مواطنا مصريا له ما لكل مواطن من حقوق وعليه ما عليه من واجبات، إلا أنه فى الحقيقة فى ترشحه للرئاسة لا يعتمد على هذه الصفة بل يعتمد كل الاعتماد على صفته الأولى «ابن رئيس الجمهورية»، التى تسخر له كل إمكانيات الحكومة والبلد لخدمته، وهو بذلك يستطيع أن يتغلب على أى مرشح للرئاسة سواء كان هذا المرشح حزبيا أو مستقلا فى حالة تمكن مرشح مستقل من الحصول على عدد الأصوات اللازم لترشحه من أعضاء مجلسى الشعب والشورى والمجالس المحلية، وهو فى سعيه للترشح لا يستعمل إمكانات الدولة كلها للدعاية والترويج له فقط، بل يضاف إلى ذلك وضع العراقيل أمام المرشح المنافس كما نشاهد اليوم من الحملات التى تشنها الشرطة على الشباب والرجال الذين يحاولون إقناع الناس بضرورة التغيير وتخويف الناس من التوقيع على المطالب السبعة من أجل التغيير، وتقدم البلد، فهو مع سعيه للترشح لا يكتفى بالدعاية لنفسه ولكن يحارب غيره من دعاة التغيير ويبث أعوانه من أجل إرهاب كل من يدعو للتغيير، وهذا إن دل على شىء فإنما يدل على عدم الثقة فى النفس والخوف من اقتناع الناس بعملية التغيير التى يقف ضدها جميع رجال الحكومة. عملية الدعاية لجمال مبارك لا تخيفنا ولا تزعجنا لأنها حملة من أجل إقناع الناس ببقاء الحال على ما هو عليه، وهو أمر يتنافى مع ما يشعر به الناس من ضرورة التغيير. إن الحديث عن التغيير والاستقرار يحدث جدلا ونقاشا وحيوية نحن فى أشد الحاجة إليها فى المرحلة القادمة لأنها دليل على أن الشعب بدأ يدخل فى المعترك السياسى، بعد أن كان الدخول فى هذا المعترك يعتبر من المحظورات لأنه فى نظر الحكومة اشتغال بالسياسة يجب أن يكون مقصوراً فقط على من ينتمى للحزب الوطنى ويؤيد الحكومة أما من يعارضه فهو خائن، يستحق أشد العقاب والحرمان حتى من أبسط حقوق المواطن العادى. لا تزعجنا الدعاية لجمال مبارك والترويج له بشرط أن تقتصر على ذلك ولا تذهب إلى أبعد منها، وهو إرهاب من يطالب بالتغيير والقبض على من يروج له والتحقيق معه وحبسه دون جريمة. ونحن نرى النيابة للأسف تنساق وراء هذه الاتهامات التى تلقيها الشرطة جزافا وأحيانا تنساق المحاكم وهو ما يجعل الناس يتساءلون عن مدى استقلال القضاء الملجأ الأخير للناس والأمل الباقى لهم فى رفع هذا الظلم عنهم. لا تزعجنا الدعاية لجمال مبارك لأنه لابد فى كل انتخابات حرة أن يكون هناك اتجاهان متضادان يتنافسان فى حرية، ومن يستطيع أن يقنع الشعب برأيه هو الذى يفوز فى النهاية، ومن لا يفعل ذلك لا تكون لديه إرادة ولا قوة فى الانتخابات وسيخسرها فى النهاية أو ينسحب منها، ولذلك فإننا نقول للسيد جمال مبارك: إننا نؤمن بحق كل مصرى فى الترشح للرئاسة، ولذلك فإننا نقبل التحدى والمنافسة بشرط أن تكون منافسة شريفة خالية من أى مخالفة للأخلاق والقانون، ونقول له إن ما يقوم به رجال الشرطة من تتبع المطالبين بالتغيير يخرج عن حدود المنافسة الشريفة والتحدى الحقيقى الذى يعتمد على المؤهلات الذاتية لكل مرشح. يا سيد جمال مبارك: انزل إلى الشارع مجردا كما ينزل باقى المرشحين وامنع رجالك من استعمال سلطتك فى مضايقة أنصار منافسيك والقبض عليهم، لأن ذلك يدخل فى نطاق المنافسة غير الشريفة التى تجعل فوزك فى الانتخابات- على فرض حدوثه- فوزا فى معركة غير نظيفة. ترفض حكومة حزبك حتى الآن إعطاء أى ضمانات لانتخابات حرة وسليمة، وهى الحد الأدنى من الضمانات التى لا يمكن أن تجرى انتخابات فى أى بلد يحترم إرادة شعبه دون تحققها، فهل يريد حزبك أن يدخل الانتخابات التشريعية فى ظل الوضع القائم ويجرى تزويرها وتدخل أنت الانتخابات الرئاسية فى ظل المادة 76 من الدستور فى وضعها الحالى وفى ظل رئاسة والدك للجمهورية وتسمى هذه منافسة عادلة وشريفة، تقول بعدها إن الشعب هو الذى اختارك ولا يرضى عنك بديلا؟! عندما شاهد الناس بعض الأفراد الذين لا يعرفون هويتهم يروجون للدعاية لك بالطريقة الهزلية التى يقومون بها ظنوا فى أول الأمر أن بعض رجالنا هم الذين يقومون بذلك للإساءة إليك، ثم اكتشفوا الحقيقة لأننا لا يمكن أن نقوم بذلك لأننا نحترم إرادة الآخرين ونقر بحق الشعب فى الاختيار الحر، ولذلك فإننا سعداء بما يقومون به بشرط ألا يتدخل رجال الحكم فى ذلك لصالحك، وأن تكون معركة قوية فيها من الشرف والإيمان بمصر ومستقبلها أكثر مما فيها من التعصب لشخص أو البحث عن مصلحة شخصية يحققها المرشح ورجاله فى حالة الوصول إلى الحكم كما هو حادث الآن. يا سيد جمال مبارك: خض المعركة إذا شئت مسلحا بسلاح المبادئ والقيم والارتفاع عن المطامع الشخصية ونحن فى هذه المعركة معك، نقبل التحدى ونرضى بحكم الشعب، بشرط أن يكون حكما قائما على الشفافية والعدل واحترام حرية الناس. المصرى اليوم