بعد ثلاثين عاماً من الحكم البوليسي القمعي، الذي كان يدوس بجزمته فوق رقاب العباد، ويلغ في كرش الوطن حتي أصبح مجرد كومة من العظام.. وقعت المعجزة التي لم يكن أحد يتصور في يوم من الأيام، أن تطلع شمس النهار علي فضاء من الحرية، وأن يسقط الطاغية، وكل العصابة التي كانت تحكمنا.. لم يكن أحد يتصور حتي أكثر المتفائلين، وبعد أن فقدنا الأمل، وصرنا نجتر الذكريات عن ثورات انتهت، وأحلام سرقها اللصوص والبلطجية، ومستقبل ينعق فوق وجهه الغربان والبوم، أن يطلق هذا الشباب النبيل العظيم، شرارة الثورة من قلب ميدان الشهداء -التحرير سابقاً- ، ويسقط نظاماً فاسداً كان يستعد لتسليم الوطن علي التشطيب للسيد جمال مبارك، ليستكمل مسيرة الذبح والسلخ والتشفية، وبيع ما تبقي من عفشة الوطن لبتوع الكباب والكفتة. بعد أن رسم هؤلاء الشباب وجه مصر الجديدة بدمائهم، ودفعوا الثمن وحدهم في مواجهة سلطة غبية غاشمة، لم تجد أمامها غير القمع، واطلاق الشائعات، ودفع بعض الفنانين الذين خرجوا زي الولايا، وكشفوا راسهم أمام السيد واخذوا يدعون بأن ينزل الله عليهم سيلاً وفيضاناً يخدهم، وطالبوا بحرقهم في ميدان التحرير، ظل النبلاء الشرفاء في الميدان مصرين علي الحرية والتخلص من النظام، حتي بدأ العالم كله يصلي من أجلهم، ويتصدر اسم مصر صحف الدنيا كلها، مصر العظيمة النقية الجميلة. وبعد أن انتصرت الثورة.. بل أعظم ثورة في تاريخ الدنيا، حذر الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل في حواره مع مني الشاذلي، من أن ننشغل الآن بتصفية الحسابات أو الانتقام، أو تحقيق مكاسب شخصية أو فئوية، بدلاً من أن ننشغل بمستقبل الوطن لتصبح مصر أم الدنيا فعلاً، ويظل أهلها الغلابة يرفعون شعار ارفع راسك فوق.. أنت مصري. لكن للأسف.. ما حذر منه هيكل يحدث الآن، حقيقة أننا مع كل تلك المطالب، وننحني أمام أرادة البشر الذين ذاقوا الذل والهوان عبر سنوات طويلة.. وفقدوا الثقة في كل شيء.. لكننا لا نريد أن ننشغل أو نستغل ثورة الشباب الآن بل علينا أن ننشغل بأن نجعل مصر أعظم دولة، ونحقق العدل والحرية والعدالة الاجتماعية، ساعتها فقط.. سوف يحصل كل مواطن علي حقه.. أن نرفع نفس الشعار الذي رفعه شباب الثورة.. يا أغلي اسم في الوجود يامصر.. يااسم مخلوق للخلود يا مصر.. نعيش لمصر.. ونموت لمصر.. تحيا مصر. محمد الرفاعي