ثورة المصريين فى 25 يناير وانفجار غضبهم لنفاد مخزون صبر واحتمال ثلاثين عاما.. وكل ما رأيته وحلمت به قبل حدوثه مثل كثيرين غيرى من المصريين.. وقائع الميلاد الجديد والعظيم لمصر فى ميدان التحرير اعتقدت أنها ستعيد لقلمى رغبة الكتابة بعد أن توقفت لخمسة أشهر تقريبا إلا ما كتبته على الدستور الإلكترونى فور بداية الثورة بعنوان «الثلاثاء العظيم»، ومع عظيم التحية التى وجهتها للثوار طالبت النظام قبل أن يسقط بأيام بأن يقرأ ويفهم جيدا رسالة الثورة والثوار ومحركاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية والثقافية.. وكما اعتادوا اختلط التعالى والاستكبار بالجهل بالاحتقار لكل ما يأتى من غير رءوسهم وحزبهم وحكمائهم.. وكما اعتادوا أيضا ظنوا أن ترهيب المصريين بميليشيات الأمن التى أداروا بها مصر ثلاثين عاما ستنهى الثورة فى ثلاثة أيام.. وتحالفت إرادة السماء مع إرادة الشعب ويزداد عمى أبصارهم وعقولهم وتتزايد خطاياهم وجرائمهم.. وحل أوان تلبية دعوات المظلومين.. ما أكثر ما سألت نفسى وأنا أرى وأسمع وأعيش ظلما وقهرا للمصريين ليس له مثيل فى أى مكان فى الدنيا: كيف سيكون ثأر الله لكل هذا الظلم؟.. وكان المشهد العظيم لانفجار إرادة وكرامة المصريين. وتتالت أخطاء الرؤية المستكبرة لنظام عجز أن يدرك أن مأمنه الوحيد ومصدر القوة الحق لا يوفرها إلا احترام وسيادة الشعب.. تتابع التخبط والفشل والعجز حتى نفذت إرادة الله وإرادة الشعب الذى كتبت فى عشرات المقالات أن فوق هذه الأرض شعب يكمن ولا يموت أبدا. الشحنات الروحية والعقلية.. طاقة النور والأمل والعزة التى تفجرت من جموع المصريين.. التواصل الإنسانى الذى انتقدته من سنين بعد أن تحولت مصر إلى زنزانة كبيرة لكل أبنائها.. ذبت وسط المدد وبحر البشر فى الميدان وتجددت مشاهد صناعة النصر فى مدينتى بورسعيد عندما انتصر أبناؤها مع من ذاب وسطهم فى ملابس مدنية من فدائيين وقوات جيش وشرطة منعت من الدخول والمشاركة رسميا من الحصار البرى والبحرى والجوى لجيوش الإنجليز والفرنسيين والصهاينة.. وعندما ذاب المصريون الكل فى واحد مرة أخرى ليصنعوا انتصارهم العظيم فى أكتوبر 1973 آخر مقال كتبته فى الدستور الورقى قبل صفقة بيعه فى إطار مخطط إسكات ما تبقى من منافذ التعبير التى تجرؤ على انتقاد النظام.. فى ذكرى 6 أكتوبر 2010 كتبت آخر ما نشر لى وانتهيت فيه بسؤال.. متى يجدد المصريون العبور إلى الغد الذى يليق بهم.. وتحقق العبور على أيدى الشباب وجموع المصريين فى ميدان التحرير وتجدد ما حدث فى جميع ثوراتهم وانتصاراتهم منذ فجر تاريخهم.. أن يكون جيشهم شريكا وأمينا ومستأمنا وخاصة عندما يتمسك بتسليم أمانة الحكم إلى قيادات مدنية ذات خبرات وكفاءات ومصداقية وطنية ممن تمتلئ مصر بهم. وكما يفعل الجيش الآن.. اعتقدت أن القلم فى ظلال النصر العزيز سيفيض ويتدفق ولا يتوقف.. أليست اللحظات المعجزة التى انتظرتها؟!.. أليس الفجر الذى رأيت قبل أن يشرق؟!.. أليس ثأر الله الذى طالما ناديت عليه طوال سنين القتال والمجاهدة بالقلم لإثبات عظيم ما تمتلك هذه الأمة من خبرات وثروات بشرية وطبيعية؟!.. لماذا يتوقف القلم؟.. أليس كل ما انتظرت وتطلعت إليه وتحملت من إقصاء وإيقاف عن الكتابة ومنع من التواصل مع الناس عبر الشاشة الصغيرة.. أليس كل ما رجوته يحدث الآن؟ اعتراف لابد منه.. على قد ما عرفت وشاهدت واطلعت على وثائق ووقائع فساد وكتبت منذ أكثر من خمسة عشر عاما، فما يتكشف كل يوم أن المخبوء والأسرار والبلاء والكوارث والفساد أكبر من كل تصور وأننا عشنا فى أوهام وجود دولة نهبوا من أجلها مليارات الدعم والقروض والديون وانهارت وذابت وتحللت فى لحظات.. ما نوع البشر الذى يستحل سرقة هذه المحرمات والمليارات دون أن يبالى بصرخات وأنين أصحابها؟!.. كل هذه المليارات المنهوبة ولا مليار واحد لتوفير رغيف العيش.. ولا مليار واحد لدعم نفقات علاج الفقراء.. ولا مليار واحد لرفع الحد الأدنى للمرتبات.. ولا مليار واحد لدعم البحث العلمى.. فى عملية حسابية من العمليات التى يجريها المصريون الآن أن مليارا واحدا يعنى أن ينفق فرد يوميا عشرة آلاف جنيه دون أن يعمل أو يجهد نفسه أو يبهدلها من أجل بضع مئات من الجنيهات قد لا تتجاوز اثنين أو ثلاثة شهريا.. بينما المليار الواحد فقط وبلا عمل يكفى صاحبه أن ينفق يوميا 10.000 جنيه أقول يوميا لمدة 274 عاما.. يا الله.. أشفق على المجلس الأعلى للقوات المسلحة من التوابع المتتالية لزلازل انفجار ملفات الفساد ولا حل إلا بالمسارعة لتحقيق ما توافق عليه كثير من القوى الوطنية وائتلافات الشباب وفى مقدمتها: أولا: تشكيل مجلس رئاسى انتقالى يتولى سلطات رئيس الجمهورية ليرفع العبء الخطير عن المجلس الأعلى للقوات المسلحة لتتفرغ لمهماتها المقدسة بعد أن أدت دورها العظيم فى حماية الثورة. ثانيا: يتولى المجلس الرئاسى ترشيح شخصية مستقلة مشهود لها بالكفاءة تقوم بتشكيل حكومة من خبراء وطنيين من مختلف الأطياف السياسية ومن المستقلين على أن يباشر المجلس الرئاسى مهمات المتابعة والرقابة حتى يتم استكمال مهمات التحول الديمقراطى. ثالثا: تقديم خطوات وإجراءات لطمأنة الجماهير الثائرة على حقوقها المضيعة وإصرارها على الإمساك بفرصة الثورة كحدث نادر فى وجودها وبعد ثلاثين عاما من إهمالها والاعتماد على الحلول الأمنية واتخاذ خطوات للاستماع إليهم وطمأنتهم كما فعل البنك المركزى. رابعا: الغضب الشعبى والإحساس المر الذى يسود المصريين من خلال ما تكشفه ملفات الفساد القليلة التى فتحت حتى الآن، هذا الغضب لا سبيل لتخفيفه إلا بمحاسبة وتوقيع العقوبات على كل من شارك فى ارتكاب الجرائم التى تنكشف يوميا، على أن تكون البداية بإعلان نتائج التحقيقات بشأن ما حدث وجرائم القتل العمد للشباب. خامسا: حل الأجهزة السرية وفلول النظام القديم التى مازالت تعمل تحت الأرض حتى الآن وحل المؤسسات الأمنية التى تحولت إلى أدوات قمع وإرهاب للشعب وإلغاء قانون الطوارئ الذى كان الأداة الأولى لتبرير عار الحبس الاحتياطى وملء المعتقلات بالآلاف من المصريين. سادسا: أن تكون فى مقدمة أولويات التغيير وضع وتطبيق مبادئ عاجلة للعدالة الاجتماعية وتضيق المساحات الفلكية بين المصريين كرفع الحدود الدنيا للمرتبات ووضع أسقف للحد الأعلى لا تتجاوز النسب المتعارف عليها والإنسانية للزيادة على الحد الأدنى والإيقاف الفورى لجرائم المرتبات الفاحشة التى تدفع الملايين ومئات الآلاف من لحم ودم الشعب وخاصة لمنافقى النظام الذين باعوا الشعب والحق والحقائق ليشتروا رضاء أسيادهم. والذين يكيلون لهم الاتهامات الآن دون خجل مما كانوا يكتبون ويرتكبون فى حق المواطن من تضليل وتزييف. ** فى ميدان التحرير وللثوار من الشباب ومن جميع أطياف الشعب المصرى نساء ورجالا وبناء على مطالبات جماهيرية. أولا: أن أعيد فتح ملف زراعة القمح والاكتفاء الذاتى منه ومن محاصيلنا الأساسية.. خصيصا.. وجدت الآلاف من الثوار يحفظون لى ما كتبت وينادوننى بالعودة لنزرع القمح ويحفظون ما قدمت من وثائق إدانة لمافيا الاستيراد ودعم للوبى الصهيونى ومنتجاته وخبراته. ثانيا: أن أعيد فتح ملف الآثار المصرية لنعرف ما نهب طوال السنوات الماضية وماذا حدث للآثار أيام الثورة وحتى لا تستغل جرائم اللصوص والبلطجية الذين لم تعلن حتى اليوم أسماء المتورطين منهم وأسماء من حركوهم وخططوا لهم. رغم أن مصر كلها تعرفهم. أقول حتى لا تستغل هذه الأحداث كغطاء لمسلسل النهب الطويل للآثار!! يبقى سؤال يجب أن ننتبه جميعا إليه: من يدير عمليات التخريب المنظم لنشر الفوضى؟ ولمن تنتمى العصابات التى اقتحمت ودمرت مركز بحوث الصحراء بالمطرية؟ ومن هم الذين اقتحموا مركز البذور والجينات الزراعية بالعريش؟ ولماذا هذه المراكز العلمية بالتحديد؟.. ومن يدير ويوجه العصابات التى تحتل المناطق السكانية وتسرق كل ما فيها؟.. ومن يدير العصابات التى تبنى فوق الأراضى الزراعية؟. هل هى فلول النظام القديم والذى يجب أن تطهر وتجفف جميع منابعه ومؤسساته وتشل أيدى محركيه؟. هل هى الأيدى الصهيونية وأذرعتها الطويلة فى مصر؟. الوطن والحدود والثورة فى خطر.. واللصوص والقتلة ومن أفسدوا هذا الوطن ودمروه ونهبوه يقاتلون معركتهم الأخيرة، يطلقون الرصاص على الثورة التى يجب أن تكون حمايتها وتأمينها هو الهدف الأول والأخير لجميع الأمناء والمخلصين.