صباح الخير علي النهر اللي فاض علي شواطئ الوطن.. فزهر النوار.. علي الدم اللي حني البيوت اللي كانت خايفة من الضلمة.. فلم يكن أحد يتصور حتي في الأحلام المستحيلة، أن تاريخ الوطن سوف يبدأ من ذلك الميدان الشهير، والذي شهد منذ سنوات طويلة أحداث 17 يناير.. كنا قد خرجنا في المظاهرة التي خرجت تجوب شوارع القاهرة يوم 25 يناير.. مجرد مظاهرة عادية من المظاهرات التي كنا نشارك فيها دائماً في ميدان طلعت حرب، حتي تنهال علينا هراوات الأمن المركزي بوحشية، وكان الجميع يتمني بينه وبين نفسه، أو يهمس بتلك الأمنية للواقفين في تلك الدائرة التي تشتعل بالهتاف.. لو تستمر هذه المظاهرة يومين فقط.. مجرد يومين لتغير شكل الوطن القابع تحت أقدام العسكر. لم يكن أحد يتصور أن تلك الدعوة التي خرجت من شباب الوطن الذي كان يحاول أن يرسم صورة جديدة لوجه الوطن، أن تتحول إلي ثورة تستطيع أن تسقط نظاماً كاملاً ظل طوال ثلاثين عاماً، يحاول أن يحول الوطن إلي صرة من الدنانير يضعها فوق ظهره ويرحل بعيداً، بينما الغلابة في الشوارع يتساقطون كالشهب، يضيئون لحظة ثم ينطفئون علي قارعة الطريق، و كلما حاولوا أن يقبضوا علي الوطن.. فر من بين أصابعهم كقطرات الماء.. لم يكن أحد يتصور أن ينهض هذا الشعب الذي برك كالجمل بعد أن أعيته الحياة، والبحث عن لقمة العيش، حقيقة أن دماء الأبرياء قد غطت ميدان التحرير، في موقعة الجمال الشهيرة، لكن لا توجد ثورة بلا دماء.. لا توجد حرية بدون ثمن.. لكنها ستظل أعظم ثورة في تاريخ العالم، ثورة رفعت شعار الحرية والعدالة الاجتماعية، وظلت تردد حتي آخر لحظة.. سلمية.. سلمية.. في مواجهة جبروت وبلطجية نظام حاكم ظل عبر سنوات طويلة يمتلك الوطن والناس.. يمتلك الماضي والحاضر، دون أن يدرك أن المستقبل يوشك أن يفر من بين أصابعه الغليظة التي اعتادت صفع المواطنين. صباح الخير علي هؤلاء الشباب الذين فتحوا أبواب الحرية علي نور الصباح الذي كاد أن ينسانا، وعلي المستقبل الذي لم يكن يعرف عناويننا، الشباب الذي صنع معجزة بكل المقاييس، وجعل العالم كله يصلي لنا، ويضع صورة واسم مصر علي واجهات الدنيا كلها، صباح الخير علي الشباب النبيل الشريف الذي صمد في وجه كل الحملات الدعائية التي اتهمته بالعمالة والخيانة والكنتاكي، حتي صاروا يهتفون في الميدان سخرية من تلك الاتهامات.. أنا مندس أنا مندس.. أنا عاوز كنتاكي وبس. لقد أصبح ميدان التحرير مزاراً تاريخياً، بكيت وأنا أشاهد عائلات كاملة بأطفالها، وهم يلتقطون الصور التذكارية بجوار صور الشهداء، أو أمام تلك الخيمة التي كتب عليها بخط متعرج مستشفي الثورة. وصباح الخير علي الورد اللي فتح في جناين مصر.