المكان الذي استقر فيه تراث مصر السينمائي والغنائي لم يعد سرا، فشاشة «روتانا» تعرضه تحت شعار «ع الأصل دور»، وبرنامج القناة حافل كل يوم بوجبة من الأفلام المصرية، والأغنيات والحفلات الغنائية بمواعيد ثابتة، حتي أن من يريد «الأصل» ليس في حاجة لأن «يدور» عليه!، وبعض الأفلام التي تعرضها شاشة هذه القناة ينوهون إلي أنها قد عرضت منذ خمسين عاما أو أكثر ويتحدون أي إنسان شاهدها من قبل!، ومنذ أيام شاهدت فيلما بطولة مطلقة لممثلة اسمها «بدرية رأفت»!، هل منكم أحد يعرف «بدرية رأفت»، واسم الفيلم «اللقاء الأخير» وفيه اجتمع الراحلون محسن سرحان وعماد حمدي ومحمود المليجي وفردوس محمد ومخرجه السيد زيادة!، ولا يكشف تراث السينما والغناء الذي يتحسر عليه وينوح بعض الكتاب لأنه لم يعد في حوزتنا منه شيء!، بل يكشف عرض هذا التراث علي شاشة «روتانا» أعمار الكثيرين من جمهرة التمثيل والإخراج والغناء والتأليف ممن لا يحبون البوح بأعمارهم الحقيقية، ولعلي من القلائل الذين لا يتحسرون ولا ينوحون علي خروج هذا التراث من مصر لأسباب كثيرة!، أولها أنني أعلم كيف خرج هذا التراث من مصر علي يد باعة مصريين من الموظفين والمسئولين في قطاع الإنتاج السينمائي أيام أن كان عندنا القطاع العام للسينما! كذلك لا أتجاهل من عرفتهم من الموظفين والمسئولين الراحلين في الإذاعة والتليفزيون ممن بادروا إلي بيع ما تحت أيديهم من هذا التراث السينمائي وبرامج ومسلسلات التليفزيون وساعات الغناء المصري والعربي المطولة في حفلات وغير حفلات بمقابل مادي قبضوه من بعض العرب الذين كانوا مجرد مندوبي مشتريات لشتي المحطات العربية والشركات الخليجية التي لم تتردد في اقتناء كل ما هو مصري وعربي من هذا التراث!، لكن من الأسباب عندي لموقفي أننا قد علت أصواتنا بالصراخ عند ما عرفنا مؤخرا أن هناك صفقة لا أعرف طبيعتها بين أمير المال العربي «الوليد» والمليونير اليهودي الإعلامي «مردوخ» بما يجعل تراثنا السينمائي والموسيقي والغنائي يؤول إلي هذا المليونير بشكل أو بآخر!، وإن كان «الوليد» قد طمأن المصريين علي أن تراثهم هذا سيظل في الحفظ والصون السعودي تحت الطلب! أهم الأسباب عندي في هذا الشأن بالذات أن هناك متهما قد باع التراث وهناك صاحب قرش صياد قد اشتري!، ولا يجوز لأحد أن يتهم الذي اشتري بشيء! وليس لأحد أن يلوم من اشتري إذا وجد أن صالحه في أن يبيع ما اشتراه إلي من يشاء!، اللهم إلا إذا كان من هواياتنا المستحدثة مؤخرا أن لا نتناول بائع تراثنا من المصريين بشر أو بخير!، وأن نبحث عن متهم بديل كان من يكون! فلا نقدم هذا المتهم الأصلي - أو البديل الذي يمكننا إدانته - إلي عدالة!، بل لا يبقي في ذمتنا - التي أصبحت واسعة جدا - إلا لوم الذي اشتري تراثنا واقتناه!، فهو متهم للشراء والاقتناء، كأن تراثنا هذا لا يباع ولا يشتري!، حتي إذا استخدم حقه في بيع ما اشتري واقتني إلي الغير!، بحثنا ودققنا في هوية هذا المشتري، الذي ضبطناه - للأسف الشديد- متلبسا باليهودية والصهيونية ودعم إسرائيل، فحق علي البائع العربي اللوم وحقت علي المشتري منه اللعنة!، تماما مثلما قدم بعض التجار هنا محلات عمر أفندي إلي مستثمر سعودي برخص التراب، فلما أحب هذا أن يسترد ما دفع وفوقه الأضعاف من الربح ببيع بعض هذه المحلات ومخازنها، تركنا من باع! وبحثنا عن متهم بديل لم يكن غير المستثمر السعودي الذي يتصرف فيما ملك!، وادعي البعض في اتهامه لهذا البديل أنه لابد أن تكون لحكومتنا «قوامة» علي من نبيع لهم بعض ما نملك!، فلا تصرف له دون الرجوع إلينا، حيث عمر أفندي - كما تراثنا السينمائي والغنائي - له حصانة!، بدلا من البحث وراء من باع وسهل وفرط في عهدة استأمنه الشعب!، لتصبح مثل هذه الحكايات من الأسماء والنوادر!