· إلي الكاتدرائية يذهب جمال مبارك وممثلون آخرون عن النظام وخلفهم تاريخ من الصفقات مع الكنيسة · النظام يهرول لفرض مزيد من العزلة والاحتقان ووضع مصر في الثلاجة وجولة السبت ينتظر نتائجها الوطن · البرادعي بذهابه إلي الكاتدرائية لايكرر خطيئة النظام بتكريس دولة الكنيسة بل يخرج الأقباط من عزلتهم بأجندة ليبرالية في حلته القشيبة المذهبة يقف البابا شنودة اليوم السبت في قداس عيد القيامة كملك يسترضيه المتسابقون نحو عرش مصر.. نظام يسعي لخيوط جديدة تربطه بالكتلة القبطية بعد تقطع بعض خيوطه القديمة، بفعل الاحتقان الطائفي و عدم تلبية المطالب المسيحية، ومرشح محتمل افتراضي يريد تفتيت التحالف القديم بين الدولتين، الكنيسة والنظام عبر أجندة ليبرالية تعيد أمجاد الانخراط القبطي القديم في السياسة خلال عصر ما قبل الثورة. عوامل عديدة حولت الوسط القبطي إلي كتلة سياسية متمايزة، ذات هوية سياسية شبه موحدة يتنافس علي رضاها السياسيون.. صعود الإسلام السياسي وتدين الشارع منذ السبعينات، وما تبعه من عزلة للأقباط داخل الكنائس عززتها تربية سياسية ودينية موازية في مدارس الأحد، شخصية البابا شنودة المتطلعة للعب أدوار سياسية لصالح الأقباط.. وهي الأدوار التي وصلت لحد التصادم مع النظام أحيانا، كما حدث خلال أحداث الزاوية الحمراء و الخانكة وما عرف بأحداث سبتمبر التي حددت إقامته علي إثرها في وادي النطرون، تعلق الأقباط به بفعل الأبوة السياسية كقيمة متجذرة في الحياة السياسية المصرية، وشهد عهده تنامي الكنائس في الخارج كمراكز شحن سياسي ومساندة ،ومن بين العوامل أيضا تراجع مفاهيم المواطنة لصالح الانتماء الديني في الخطاب الثقافي والاجتماعي في مصر. أمام تلك التراكمات أصبح الأقباط كتلة..تتحدث الكنيسة باسمها، وتؤثر فيها، وتوجههم سياسيا وإن كان بشكل غير مباشر.. تبلورت ما عرف بالقضية القبطية، أصبح لها نشطاء في الداخل والخارج، كان لديهم ما يقدمونه من مبررات للتمييز، مشاكل في بناء الكنائس، مناصب قيادية غائبة، وعضوية ضائعة في مؤسسات الدولة وبرلمانها، وجامعاتها، وتاريخ قبطي وثقافة وتاريخ ثري تتجاهله كتب التعليم، ومع غياب الديمقراطية وتأثير صوت الفرد، اضطرت الدولة للجوء لأسلوب الصفقات، تعد الكنيسة بحقوق ومكاسب مقابل تأييد ما، قد يكون في الانتخابات الرئاسية أو البرلمانية أو حتي كبح جماح أقباط المهجر أثناء زيارات مهمة لمسئولين مصريين في الغرب.. وامتدت الصفقات إلي بعض الرموز المشاغبة في الخارج، ومع نجاح الصفقات وغياب البديل المسالم أمام الكنيسة وذعرها من الإخوان سارت الأمور. لكن منطق الصفقات لم يقتصر علي النظام فقط، بل امتد أيضا للمعارضة، فقد تبني حزب الوفد الجديد خطابا يتحدث باسم الأقباط ككتلة، رغم أن أقباطه القدامي انضموا إليه ومارسوا أدوارهم من منطلق مدني، وبشكل فردي، ثم تنافس مع الوفد التجمع أيضا متبنيا خطابا ينادي بمكاسب لما أسماه الأقلية القبطية، ومشي في الطريق نفسه أسماء بحجم سعد الدين إبراهيم ومؤسسات حقوقية عديدة. إزاء منطق الصفقات السائد بين الكنيسة والنظام، ظهرت مطالب تعزز الطائفية وتقضي علي كل أمل في إخراج الأقباط من العزلة ودمجهم بشكل ديمقراطي بعيدا عن الطائفية، منها ما يعرف بالتمييز الإيجابي وتحديد "كوتة" سياسية لهم في البرلمان والمناصب وإلغاء الشريعة من الدستور..وهي مطالب لو فرضت دون ممارسة ديمقراطية حقيقة ستزيد من لهب الطائفية. تعقدت المشكلة، رغم أن حل أزمة المسيحيين واضح، فالديمقراطية تضمن تحقيق كل ما يحلمون به من مكاسب وحقوق، هم يعرفون أنها صعبة المنال، والنظام لا يكرهها كراهية الموت. في قداس عيد القيامة يذهب جمال مبارك وممثلون آخرون عن النظام و خلفهم تاريخ من الصفقات، وباستعداد لعقد صفقات إضافية لضمان تأييد الكنيسة، وقد نالوا منها تشجيعا سابقا عقب إبداء البابا مؤشرات للاحتفاء بجمال رئيسا، بل والدعاء له وتعليق صورته علي باب الكاتدرائية في قداس عيد الميلاد بينما يذهب البرادعي برؤية أخري معارضة. إزاء الوضع الحالي للعلاقة بين الكنيسة والسياسة انقسم الأقباط إلي ثلاثة أقسام .. تيار عريض يمشي وراء البابا وينتظر مكاسب من السلطة القائمة عبر صفقات محتملة.. وتيار آخر صغير لكنه ينمو، يري في البرادعي وأجندته الليبرالية بديلا ثالثا للإخوان والنظام ، يضمن الديمقراطية التي تضمن بدورها حقوقا لكل المواطنين أقباطا ومسلمين. في حين يرفض بعض المثاليين استخدام الكنيسة سياسيا، ويرون في زيارة المعارضة والنظام خطيئة جسيمة تعزز الطائفية واستخدام الدين في السياسة. عبر لي عن تلك الرؤي المختلفة ثلاثة أشخاص، جورج إسحق الحالم بديمقراطية مدنية، رأي أن البابا أخطأ حين أعلن تأييده لجمال ثم تراجع عن خطأه، والثاني نجيب جبرائيل المنتظر سفينة الوطن وهي تعبر النهر، وعندما يري ما ستمنحه للأقباط يقرر من يؤيد، بينما رفض جمال أسعد دخول السياسيين باب الكنيسة من الأساس، معارضة وحكومة. وفي رأيي أن زيارة البرادعي للكنيسة، وطلبه حضور القداس في مواجهة مسئولي النظام فعل ذكي، فليس معني تعزيز التكتل القبطي سياسيا ومغازلته بقدر ما يعني تفتيتا لتحالف قائم بالفعل مع النظام.. هناك يمد خيوطا مع الأقباط يقنعهم بأجندته، وأن الديمقراطية والإصلاح السياسي سيعم نتاجه علي الوطن كله، كما أن فيها قدرا من التوازن مع إعلانه الذي أثار فزعهم عندما أعلن استعداده لحزب للإسلام السياسي. الديمقراطية معناها الاستفادة من الكتل المعطلة في السياسة المصرية، وأهمها الأقباط ومؤيدو الإسلام السياسي، والحكم هو الدستور، الذي يمنع قيام الأحزاب علي أساس ديني، بينما لا يمنع تلك التي تستلهم مبادئها من الأديان.. علي غرار أحزاب أوربا. سباق تخوضه المعارضة لتفتيت الصفقات والكتل المعزولة، بينما يهرول النظام لفرض مزيد من العزلة والاحتقان ووضع مصر في الثلاجة.. وجولة السبت ينتظر نتائجها الوطن.