وظائف شاغرة ب«الكهرباء».. التخصصات المطلوبة وآخر موعد للتقديم    أسعار الأسماك والخضروات والدواجن اليوم 18 أغسطس    أسعار الذهب اليوم الإثنين 18 أغسطس 2025    القافلة 17 ل«زاد العزة».. تحرك شاحنات المساعدات لمعبر كرم أبو سالم تمهيدا لدخولها غزة    ترامب: لا يمكن استعادة القرم.. وأوكرانيا لن تكون جزءا من الناتو    بينهم 22 من طالبي المساعدات.. شهداء وجرحى في قصف للاحتلال على قطاع غزة    يسرا عن رحيل «تيمور تيمور»: صعب تلاقي حد بالصفات دي في حياتك    حكيم يشعل أجواء الساحل الشمالي الجمعة المقبلة بأجمل أغانيه    منها الشاي والقهوة.. مشروبات شائعة تحتوي على جزيئات بلاستيكية دقيقة    ارتفاع كبير ل الدولار الأمريكي اليوم الاثنين 18-8-2025 عالميًا.. وتأرجح بقية العملات الأجنبية    نشرة أخبار ال«توك شو» من «المصري اليوم».. متحدث الصحة يفجر مفاجأة بشأن سرقة الأعضاء البشرية.. أحمد موسى يكشف سبب إدراج القرضاوي بقوائم الإرهاب    نيكو ويليامز.. شوكة في قلب إشبيلية    اتحاد الكرة يعلن حكام مباريات الجولة.. بسيوني يقود قمة المصري وبيراميدز    قرارات صارمة من وزارة التربية والتعليم استعدادًا للعام الدراسي الجديد 20262025 (تعرف عليها)    كل ما تريد معرفته عن مسابقة توظيف بريد الجزائر 2025.. الموعد والشروط وطريقة التسجيل    دعه ينفذ دعه يمر فالمنصب لحظة سوف تمر    مصرع سيدة في حادث سير ب شمال سيناء    45 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات على خط «طنطا - دمياط».. الاثنين 18 أغسطس    إساءات للذات الإلهية.. جامعة الأزهر فرع أسيوط ترد على شكوى أستاذة عن توقف راتبها    تامر عبدالمنعم: «سينما الشعب» تتيح الفن للجميع وتدعم مواجهة التطرف    "أي حكم يغلط يتحاسب".. خبير تحكيمي يعلق على طرد محمد هاني بمباراة الأهلي وفاركو    ترامب يهاجم وسائل الإعلام الكاذبة بشأن اختيار مكان انعقاد قمته مع بوتين    وصفة مغذية وسهلة التحضير، طريقة عمل كبد الفراخ    أسفار الحج 13.. من أضاء المسجد النبوى "مصرى"    قد يكون مؤشر على مشكلة صحية.. أبرز أسباب تورم القدمين    مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 18 أغسطس 2025 في القاهرة والمحافظات    "لا يصلح"... رضا عبدالعال يوجه انتقادات قوية ليانيك فيريرا    أحمد شوبير يكشف موعد عودة إمام عاشور للمشاركة في المباريات مع الأهلي    أوسيم تضيء بذكراه، الكنيسة تحيي ذكرى نياحة القديس مويسيس الأسقف الزاهد    وزارة التربية والتعليم تصدر 24 توجيهًا قبل بدء العام الدراسي الجديد.. تشديدات بشأن الحضور والضرب في المدراس    مصرع طفل أسفل عجلات القطار في أسيوط    التحقيق في مقتل لاعبة جودو برصاص زوجها داخل شقتهما بالإسكندرية    بدء اختبارات كشف الهيئة لطلاب مدارس التمريض بالإسكندرية    بحضور وزير قطاع الأعمال.. تخرج دفعة جديدة ب «الدراسات العليا في الإدارة»    إيران تؤكد احترام سيادة لبنان وتعلن دعمها في مواجهة إسرائيل    سامح حسين يعلن وفاة الطفل حمزة ابن شقيقه عن عمر يناهز ال 4 سنوات    هاجر الشرنوبي تدعو ل أنغام: «ربنا يعفي عنها»    احتجاجات غاضبة أمام مقر نتنياهو تتحول إلى مواجهات عنيفة    الأمم المتحدة: نصف مليون فلسطيني في غزة مهددون بالمجاعة    سامح حسين يعلن وفاة نجل شقيقه عن عمر 4 سنوات    أبرز تصريحات رئيس الوزراء خلال لقائه نظيره الفلسطيني الدكتور محمد مصطفى    البنك المصري الخليجي يتصدر المتعاملين الرئيسيين بالبورصة خلال جلسة بداية الأسبوع    رئيس "حماية المستهلك": وفرة السلع في الأسواق الضامن لتنظيم الأسعار تلقائيًا    حضريها في المنزل بمكونات اقتصادية، الوافل حلوى لذيذة تباع بأسعار عالية    متحدث الصحة يفجر مفاجأة بشأن خطف الأطفال وسرقة الأعضاء البشرية (فيديو)    السكة الحديد: تشغيل القطار الخامس لتيسير العودة الطوعية للأشقاء السودانيين    أشرف صبحي يجتمع باللجنة الأولمبية لبحث الاستعدادات لأولمبياد لوس أنجلوس    أمسية دينية بلمسة ياسين التهامى فى حفل مهرجان القلعة    وزير الثقافة ومحافظ الإسماعيلية يفتتحان الملتقى القومي الثالث للسمسمية    ننشر أقوال السائق في واقعة مطاردة فتيات طريق الواحات    بداية متواضعة.. ماذا قدم مصطفى محمد في مباراة نانت ضد باريس سان جيرمان؟    رضا عبد العال: فيريرا لا يصلح للزمالك.. وعلامة استفهام حول استبعاد شيكو بانزا    مواجهة مع شخص متعالي.. حظ برج القوس اليوم 18 أغسطس    «الصيف يُلملم أوراقه».. بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم: منخفض جوى قادم    اليوم.. أولى جلسات محاكمة المتهمين في واقعة مطاردة طريق الواحات    تنسيق الثانوية العامة 2025 المرحلة الثالثة.. كليات التربية ب أنواعها المتاحة علمي علوم ورياضة وأدبي    هل يجوز ارتداء الملابس على الموضة؟.. أمين الفتوى يوضح    مرصد الأزهر: تعليم المرأة فريضة شرعية.. والجماعات المتطرفة تحرمه بتأويلات باطلة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فضائح الأهرام في استطلاعات تضليل الرأي العام منحوا مرشحي نظام مبارك أكثر من 50% وجعلوا «عمر سليمان» يتفوق علي عبدالمنعم أبوالفتوح وحازم أبوإسماعيل.
نشر في صوت الأمة يوم 30 - 07 - 2012

غريب هو أمر الصحافة القومية المصرية، والأغرب حال أعضاء لجنة سياسات " جمال مبارك " في هذه الصحافة، فنقاد نظام مبارك مستبعدون من مساحات الرأي أو مهمشون وكذا من الاشراف علي صناعة الخبر في هذه الصحف، وزاد من صعوبة التغيير في صحافتنا القومية بؤس استبدال قياداتها بعد ثورة 25 يناير، وحماية قيادات عهد "مبارك " من المحاسبة، ولا أدل علي هذا البؤس بل وتحدي القراء والرأي العام من أن يعين المشير حسين طنطاوي رئيس المجلس العسكري الأعلي في نوفمبر 2011 وبين مجزرتين في منصب رئاسة مجلس ادارة كبري المؤسسات الصحفية القومية " الأهرام " الأستاذ "عبد الفتاح الجبالي" عضو لجنة سياسات " جمال مبارك " و مستشار وزير المالية الهارب " يوسف بطرس غالي " ورجل الأعمال المسجون " أحمد عز"أمين التنظيم في حزب "مبارك" .
خمسة جوانبتثير العجب
هذه المقدمة بدت واجبة قبل تناولنا لاستطلاع رأي مركز الدراسات الاستراتيجية بالأهرام المنشور في جريدة الأهرام بعدد 2 ابريل 2012بشأن مرشحي انتخابات الرئاسة، ولقد جاءت عناوين خبر الاستطلاع في الصفحة الأولي :" 94 % من المشاركين يعتزمون التصويت في انتخابات الرئاسة "و " عمرو موسي في المقدمة يليه أبو اسماعيل ثم أحمد شفيق"، ويلفت النظر بداية في نتائج هذا الاستفتاء المثيرة خمسة جوانب تجعلها مدعاة للاستغراب والدهشة:
الأول .. النسبة المرتفعة وغير المسبوقة والمبالغ فيها جدا لمن ينتوون التصويت في انتخابات رئاسية، وثمة قطاعات عازفة عن المشاركة لا يمكن انكارها أوتجاهل ثقلها، وقد ترجم هذا العزوف نفسه في انخفاض المشاركة في العملية الانتخابية لمجلس الشوري الي نحو 10 في المائة أو أقل بعدما كانت تدور معدلات العزوف عن المشاركة قرب 45 في المائة من جمهور الناخبين في انتخابات مجلس الشعب قبلها بأسابيع . وفي كل ذلك ما يمكن تفسيره بأكثر من عامل ، يتقدمها سطوة الثقافة السياسية السلبية السائدة لعقود منذ ما قبل ثورة 25 يناير، والأهم الآن هو تنامي عدم الثقة في أي عملية انتخابية تجري في ظل الظروف الراهنة ، وتحديدا فيما يطلق عليه قاموس قطاع لابأس به من المصريين وشبابهم و ثوراهم " تحت حكم عسكر " .. والمقصود جنرالات الرئيس المخلوع "مبارك" . ولذا فانه عندما يخرج علينا استطلاع رأي يدعي بأن 6 في المائة فقط لا يعتزمون التوجه للتصويت في انتخابات الرئاسة في بلد كمصر بظروفه الماضية والراهنة هذه فان علينا أن نضع علامة الاستفهام الأولي حول مصداقية هذا الاستطلاع .
الثاني .. أن مجموع نسب التأييد التي حصل عليها رجال نظام مبارك تتجاوز الخمسين في المائة ( وزير الخارجية الأسبق عمرو موسي 31.5 في المائة و رئيس وزراؤه الأسبق في عهد موقعة الجمل الفريق أحمد شفيق10.2 في المائة و نائب الرئيس لأيام ورئيس المخابرات لنحو عشرين عاما اللواء عمر سليمان 9.3 في المائة ورئيس الوزراء كمال الجنزوري الأسبق والحالي 2.7 في المائة) .. أي باجمالي 53.7 في المائة. وفي موضع آخر من الاستطلاع يرد أن أكثر من 56 في المائة اختاروا من وصفهم مركز استراتيجي مركز الدراسات بالأهرام ب"أصحاب الخبرة في الادارة والحكومة " و" بذوي الخبرة القوية في شئون الادارة والحكم ". وبالطبع فان اختيار مثل هذه المصطلحات يعبر عن انحيازات من قاموا بالاستطلاع وبتوجيه الأسئلة.أما اجمالي النسب الممنوحة للمرشحين غير المحسوبين يقينا علي نظام مبارك فهي وفق الاستطلاع ذاته تساوي نسبة 42.2 في المائة، وتتوزع هذه النسب علي 7 مرشحين، أكبرهم السلفي " حازم صلاح أبو اسماعيل " بنسبة 22.7 في المائة و أقلهم المستشار"هشام البسطويسي" بنسبة .4 في المائة ( أي أقل من واحد في المائة ). ويعزز هذا الميل المحافظ لاستمرار رجال مبارك ونظامه الاستبدادي الفاسد في الحكم مؤشرات اضافية في مثل هذا الاستطلاع، فأكثر من 95 في المائة مع النظام الرئاسي ،وهو النظام الذي أذاق المصريين أهوال تركيز السلطات والديكتاتوريةو عبادة الحاكم الفرد علي مدي عقود ، وذلك بصرف النظر عن التساؤل عن وجاهة طرح التساؤل عن نظام الحكم ( برلماني .. أو رئاسي .. أو مختلط ) في ظل غياب النقاش المجتمعي في الأصل بشأن طبيعة النظام السياسي الي حينه في مصر، وثمة مفارقة أخري كاشفة حين يذهب استطلاع الرأي هذا الي اعطاء اللواء "عمر سليمان" وهو غير المرشح بالأصل خلال فترة اجراء الاستطلاع نسبة تفوق واحدا من أبرز مرشحي القطيعة مع نظام "مبارك" وهو " عبد المنعم أبو الفتوح " الذي حصل علي 8.3 في المائة ، وذلك رغم انه مرشح عابر للانتماءات الفكرية والأيديولوجية بوصف أنه يلقي دعما من اسلاميين وغير اسلاميين.
الثالث .. يتعلق بمدي الاتساق الداخلي لنتائج استطلاع الرأي .وهنا ثمة ما يشوب هذا الاستطلاع ويتطلب وقفة شك، فعندما يقرر الاستطلاع أن نحو 57 في المائة يفضلون المرشح ذي الانتماء الاسلامي بينما لا تتجاوز اجمالي النسب التي حصل عليها المرشحون المنتسبون لهذا الانتماء 45 في المائة فإن ثمة ما يدعونا لوضع علامة استفهام أخري، وتتشكل نسبة الخمسة وأربعين في المائة هذه من مجموع نسب كل من: حازم أبو إسماعيل 22.7 في المائة وعبد المنعم أبو الفتوح 8.3 في المائة و محمد سليم العوا 3.7 في المائة، وعلما بأن الاستطلاع أجري قبل ترشيح الاخوان ل"خيرت الشاطر" والذي لم تظهر نسبة تذكر له في استطلاع " الأهرام ".
الرابع .. أن توجه نتائج هذا الاستطلاع حول مرشحي الرئاسة بخطوطها العامة التي بيناها في الجانبين الأول والثاني بما يفيد الثقة باجراء الانتخابات تحت " حكم عسكر مبارك " وتفضيل رجال دولة مبارك يتسق تماما مع التوجه السائد في استطلاعات مركز الدراسات السياسية والاستراتيجة للأهرام منذ أن خرجت من السرية الي العلن وجري نشر أولها في عدد 22 ابريل 2011بجريدة " الأهرام "، وتحت عنوان "اتجاهات الرأي العام بعد الثورة". فبعد نحو70 يوما من تنحي "حسني مبارك" وفيما كانت المطالبات علي أشدها في الشارع بمحاكمته ورموز نظامه خرج علينا هذا الاستطلاع بأن مطلب "ازالة النظام القديم" لا يشغل الا نسبة تقل عن 11 في المائة بين التحديات الأكثر الحاحا المطروحة علي المصريين، وقد تصدر هذه التحديات وبنسبة تتجاوز 48 في المائة" استعادة الأمن "، كما منح الاستطلاع ذاته ردا علي سؤال الي أي تيار ستعطي صوتك؟ حزب مبارك الوطني ما يقارب التسعة في المائة، وقد حل ثالثا بعد التيار الاسلامي بتنوع أحزابه ورموزه وقد حصلت جميعها علي نسبة تقارب 15 في المائة والتيار الليبرالي الذي حل ثانيا علي تنوع أحزابه ورموزه وبنسبة 9.6 في المائة، في حين قالت نتائج الاستطلاع ذاته أن أكثر من 64 في المائة لم يقرروا لمن سيعطون أصواتهم . وقد منح الاستطلاع أنصار "الخيار الاشتراكي" نحو واحد في المائة وأنصار "الخيار القومي العربي" نحو الاثنين في المائة، وعلي أية حال ، فقد لفت نظر مراقبين ما انطوي عليه نشر نتائج هذا الاستطلاع في زمنه وأوانه من استثمار سياسي لفزاعة الأمن والاقتصاد واعطاء هذا الاستثمار الأولوية علي ازالة نظام مبارك الذي ما زال يحكم ويتحكم، ومن غير شك فان نتائج الاستطلاع المنشور للمركز ذاته علي صفحات الأهرام في 2 ابريل 2012 يسمح بالاستثمارلصالح الاتجاه السياسي الدعائي نفسه الرافض للقطيعة مع نظام مبارك.
أما الجانب الخامس فتثيره مفارقة نتائج استطلاع الرأي المنشور علي موقع جريدة " الأهرام" الإلكتروني ذاته حول مرشحي الرئاسة وفي توقيت نشر نتائج استطلاع استراتيجيي مركزه للدراسات . فقد دخلنا علي نتائج هذا الاستطلاع الإلكتروني صباح يوم 4 ابريل 2012 ، ووجدناه قد سجل أن عدد المشاركين يقترب من 35 ألفا ،وهو رقم يقارب الثلاثين مرة ضعف عدد عينة المشاركين في الاستطلاع الاستراتيجي (1200 فقط)، وعلي عكس "النتائج الاستراتيجية اياها " فقد حل "عبد المنعم أبو الفتوح "أولا بأصوات تقارب 14 ألفا وبنسبة 39 في المائة وتلاه ثانيا "حازم أبو اسماعيل" بما يجاوز 11 ألف صوتا وبنسبة 32 في المائة، أما الوزير الأسبق "عمرو موسي" الذي منحه " الاستطلاع الاستراتيجي اياه" المرتبة الأولي بنسبة تتجاوز 31 في المائة فقد حل خامسا بنسبة 6 في المائة فقط . كما أن اللواء "عمر سليمان" الذي منحه "الاستراتيجيون" نسبة تقارب العشرة في المائة فلم يكن له أي وجود علي الاستطلاع الحر في موقع جريدة "الأهرام" .
الجوانب الخمس السابقة بما تحمله من ملاحظات ومفارقات تفتح الباب لحديث تكرر في السابق عن مصداقية استطلاعات الرأي العام في بلد كمصر تحكمه نظم استبدادية بالشراكة والتواطؤ مع نخب فاسدة، والفساد هنا مركب سياسي ومهني وإداري ومالي كما تنبئ أحوال صحافتنا القومية ، وحتي الآن، ولكن قبل أن نتطرق الي تأثير مثل هذا اللون من الفساد علي مصداقية استطلاعات الرأي العام الصادرة من مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام والمنشورة علي صفحات أقدم جريدة مصرية علي قيد الحياة يتعين أن أتذكر ما قاله المتحدثون في احدي ندوات المركز القومي للبحوث الاجتماعية في عقد الثمانينيات عن أزمة ومشكلات قياس الرأي العام في مصر، فلدينا مشكلة بناء العينة وأن تكون عينة ممثلة للمجتمع بحق وبتنوع مكوناته وبالثقل النسبي الحقيقي لهذه المكونات، ولدينا كذلك مشكلة سلامة اجراءات الاستطلاع من تحيز الأسئلة و ايحاءات الباحثين المؤثرة علي اجابات المبحوثين، ولدينا معضلة غياب المناخ الديموقراطي الحر الذي يتيح أمام المواطنين في تكافؤ حرية الحصول علي المعلومات والاطلاع علي الآراء كي يتمكنوا من الحكم بأنفسهم في تلك القضية أو تلك ،و كي يمكن الحديث دون زيف أو ادعاء عن فرص تكون رأي عام من مقوماته التفاعل الحر بين الآراء و توافر المعلومات،ولدينا قبل هذا وذاك أزمة استقلالية ونزاهة الجهات القائمة بالاستطلاع، ووقتها في عقد الثمانينيات كانت أهم هذه الجهات هي الهيئة العامة للاستعلامات و المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية نفسه. وعند كليهما بحكم تبعيته للسلطة التنفيذية ما يخدش مصداقية استطلاعات الرأي التي كانت وظلت الي حد كبير سرية يجري رفع نتائجها الي " أولي الأمر " و" أهل الحل والعقد " في أجهزة الحكم والأمن.
وكل هذه الأمور يجب أن تكون في الأذهان عندما نناقش استطلاعات رأي مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية ،وعلي نحو خاص استطلاعه الأخير حول انتخابات الرئاسة، وخصوصا أن النشر عنه تضمن اشارة الي موالاة نشر مثل هذا الاستطلاع تباعا خلال الحملة الانتخابية للرئاسة ،وهو ما يفتح الباب أمام مخاطر توظيف مثل هذا الاستطلاع للتأثيرعلي اتجاهات الناخبين . وهنا فان القارئ الفطن استنادا الي ما هو منشور في الجريدة يلاحظأن هذا النشر جاء خاليا مما يسمح بفحص مصداقية العينةفي تمثيل المجتمع، فنحن لا نعرف كيف تم بناء عينة ال 1200 تلك التي أشير اليها مرارا وتكرارا في نشر استطلاعات الأهرام اعتبارا من ابريل 2011 .وهل يتغير بناء هذه العينة وفقنوعية كل موضوع مطروح للاستطلاع والبحث؟، وهل جري بالأصل تغيير هذه العينة بعد ثورة يناير 2011 عما كانت قبلها خلال استطلاعات الرأي المحجوبة عن النشر؟، واجمالا هل تتوافر في هذه العينة الضمانات العلمية التي تضمن تمثيلا أقرب الي الواقع لحال المجتمع المصري وتغيراته؟
كما أن طريقة النشر الجارية علي صفحات الأهرام اليومي تصر علي تجاهل أبسط حقوق القراء في الاطلاع علي صيغة الأسئلة الموجهة الي أفراد العينة ،ولكي يتحقق بنفسه من براءة هذه الأسئلة من شبهات الانحياز لميول و تفضيلات جهة البحث و المشرفين عليه، وعلي سبيل المثال فان التساؤل بصيغة : هل تفضل رئيسا من ذوي الخبرة القوية في الحكم والادارة ؟ سيؤدي بنا الي نتائج مختلفة يقينا عن الاجابة علي سؤال صيغ علي نحو :هل تقبل بأن يحكم البلد رجل عمل تحت امرة مبارك وكان من بين وزراء عهده وقادة أجهزته؟.
كل هذه العوامل وغيرها تتصل بمصداقية استطلاع الرأي، لكن أخطرها المسكوت عنه في حال " الأهرام " هو مصداقية جهة البحث والاستطلاع ذاتها، وتقتضي أمانة الكلمة هنا من شخصي المتواضع الارتفاع فوق اعتبارات الصداقة والزمالة مع العديد من المسئولين والعاملين في مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية ورئيسه الأستاذ "ضياء رشوان"، فكيف بامكان القراء أن يثقوا بمثل هذه الاستطلاعات وهم يطالعون نتائجها المنشورة في " الأهرام"مقترنة باشراف أسماء أعضاء حزب "مبارك الأب" و لجنة سياسات نجله " مبارك الابن"، هؤلاء الذين تورطوا وعلنا بالصوت والصورة وبالكلمة المطبوعةفي الدفاع عن الاستبداد والفساد وعن تزوير ارادة الشعب والانتخابات وحتي الرمق الأخير قبل أيام من ثورة 25 يناير و قد خانتهم بصيرتهم " الاستراتيجية " المدعاة ، فلم يروا أن مصر مقدمة علي الانفجار والثورة، كيف يمكن تقبل أن يشرف الأستاذ "جمال عبد الجواد" المدير السابق لمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية والسياسية الي الآن علي استطلاعات الرأي هذه والمنشورة مقترنة باسمه، وهو الذي دعانا قبل أيام معدودة من الثورة الي اعتماد مقالات أمين تنظيم حزبه الوطني رجل الأعمال المسجون حاليا" أحمد عز" في جريدة الأهرام تبريرا لتزوير انتخابات نهاية عام 2010 "مرجعا يعود اليه الخبراء والمؤرخون في قادم السنوات " ، كما قال في برنامج " مانشيت " بقناة " أون . تي . في ".
ولحسن الحظ لدينا شهادة نادرة من الأخ الأكبر لاستراتيجيي لجنة السياسات في الأهرام " الدكتور عبد المنعم سعيد " رئيس مجلس الادارة الأسبق . فقد كشف في مقال باهت نصف اعتذاري نصف دفاعي نشره " الأهرام " بعنوان " لماذا فشلنا؟" في عدد 8 مايو 2011 عن دور مركز الدراسات و استطلاعات رأيه السرية في خدمة لجنة سياسات جمال مبارك وحزب حسني مبارك الوطنيوعن مسئولية الأستاذين جمال عبد الجواد وصبحي عسيلة ( المشرفان حاليا وبعد الثورة علي الاستطلاعات العلنية الموجهة ) . وتحدث مقال الدكتور "سعيد" وقد عاد الأخ الاستراتيجي الأكبر للظهور هذه الأيام في زمن زميله بلجنة السياسات رئيس مجلس الادارة الحالي الأستاذ عبد الفتاح الجبالي "و بقوة في ندوات الأهرام متحدثا عن " أمجاده المدعاة في ادارة المؤسسة " عن تكليف لجنة السياسات لمركز الأهرام بالقيام باستطلاعات جمهور لحسابه، وهو اعتراف يخدش مصداقية المركز والأهرام و كان يستأهل فور المجاهرة به التحقيق في واقعة جديدة من وقائع الفساد السياسي الاداري المهني ( الصحفي والبحثي معا) .
وواقع الأمر أن سمعة مركز الدراسات الاستراتيجية والسياسية العلمية واستقلاليته ومصداقيته قد لحق بها الكثير من الضرر وصولا الي ارتباط قيادته في السنوات الأخيرة من عهد الدكتاتور مبارك بالحزب الحاكم رمز الفساد والاستبداد وبجمال الابن و برجال الأعمال المحاسيب، وقد ألمح الأستاذ " محمد حسنين هيكل " الي شئ من هذا في حواره مع جريدة " الأهرام " في شهر مايو 2011 . وعلما بأن " هيكل " كان قد أسس هذا المركز في عام 1968 تحت مسمي " مركز الدراسات الفلسطينية والصهيونية ". ويكشف الاسم عن هدفه وغايته في فترة المواجهة مع العدو الصهيوني . لكن عام 1975 كان بمثابة نقطة تحول في مسار المركز بتولي الأستاذ " السيد ياسين " مسئولية المركز وهو بمثابة " الأب الروحي " للأخ الأكبر " الدكتور عبد المنعم سعيد" وزملائه وتلاميذه وأخوته الصغار، واعتبارا من النصف الثاني من السبعينيات تحول المركز المنوط به مواجهة الصهيونية الي خدمة سياسات السادات في " السلام " و في " التطبيع " وفي استقبال الباحثين الاسرائيليين والصهاينة والأمريكيين، وكان مطلوبا " تطفيش " الباحثين النابغين الذين أسهموا في التأسيس والتخلص ممن يشتبه في نضاليتهم نهاية بمهمة تدجين مناضلي اليسار واعادة صياغة شخصياتهم في قالب " موظف باحث في خدمة الدولةوأجهزتها ورجال أعمالها المحاسيب"، ولم ينج الا النذر اليسير ممن قبضوا علي جمر "استقلالية المثقف ". لكن الي هذه المرحلة وقبل أن يأتي عهد " لجنة السياسات " في زمن " عبد المنعم سعيد " تعود السنوات التي غادرت فيها قامات رفيعة المركز مثل الراحل الدكتور "عبد الوهاب المسيري" الذي روي لي يوما معاناته مع "رجال السادات " بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية, وكيف صدرت الطبعة الأولي من موسوعته الصهيونية في عام 1975 بأعجوبة.
علي أية حال ، فان تاريخ مركز الدراسات السياسية والأستراتيجية في الأهرام يستحق الكتابة من وجهة نظر نقدية ديمقراطية ووطنية، كما يستأهل المركز في سياق زمن تغيير لم يأت بعد الي مؤسسة الأهرام والي الصحافة المصرية فتح ملفات العلاقات الحرام والسرية مع نظام ( السادات / مبارك ) ومع حزبه الحاكم ورجاله ورجال أعماله ومع التمويل الأجنبي . وحتي يأتي هذا الزمن ويخرج علينا من داخل المركز زملاء أعزاء سلمت ضمائرهم من طوفان " التوظيف لحساب دولة الاستبداد والفساد " زملاء مثقفون ناقدون بحق لا يمكن السكوت علي استغلال اسمي المركز والأهرام في اصطناع استطلاعات رأي يوجد يقينا ما يدعو القراء للشك في مصداقيتها وفي خطورة توظيفها وتوجيهها سياسيا لصالح استمرار نظام مبارك ولصالح رجاله . سواء أكان هؤلاء الرجال علي قائمة المرشحين للرئاسة أو علي رأس المشرفين علي استطلاعات الرأي هذه.
والتطور الحاسم الثاني في ميدان ابداع المعرفة العلمية حدث حين أسس الأستاذ محمد حسنين هيكل حين كان رئيساً لتحرير الأهرام مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية عام 1968 وبدأ هذا المركز نشاطة بالترطيز علي الايدلوجية الصهيونية والقضية الفلسطينية كما يكشف عن ذلك اسمة الاول مركز الدراسات الفلسطينية والصهيونية,والذي قدم لاول مرة معرفة علمية متكاملة عن المجتمع الاسرائيلي في السياسة العسكرية والاقتصاد والاجتماع والثقافة.
غير ان المركز اعيد تأسيسة علميا عام 1975 حين تولي كاتب المقال ادارتة لصيبح اهم مركز عربي لانتاج المعرفة الاستراتيجية في الوطن العربي,وقد تميز بأصدار التقرير الاستراتيجي الهربي عام 1978 والذي سرعان ما اصبح مرجعا عربيا وعالميا.
نشر بالعدد 591 بتاريخ 9 ابريل 2012


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.