يشكل الانترنت ثقافةً في حد ذاته. حيث لا تحكمه أية قواعد أو مبادئ؛ فتارة يعمل لصالح الديمقراطية ويقف ضدها تارة أخرى. وبغض النظر عن موقفه سواء المعارض أو المؤيد, فإن الانترنت يفعل ذلك بقوة كبيرة. لذلك, أصبحت شبكات الانترنت أرضًا خصبة لنشوب الصراعات و الخلافات الفكرية أو تلك التي تهدف إلى الاستحواذ على السلطة على المستوى العالمي. و لا يعتبر ذلك مجرد عرض لمجموعة من الرسائل التي تحمل روحًا تنافسيةً. فالحكومات تريد أن تسيطر على ما يُقال و ما يُسمع في المكان الذي لا يمكنها أن تسيطر عليه. و لكنها – على أي حال- تستمع إلى ما يقال هناك و تستفيد مما تتعلمه. عندما ظهرت قوة الانترنت لأول مرة, ما كان بمقدور الحكومات أن تفعل أي شيء سوى أن تقوم بكل بساطة بحظر و منع- و لا حرج في قول حجب – الوصول و الدخول إلى المعلومات التي توفرها الشبكة العنكبوتية و التي تجدها الحكومة غير مرضية. و استنادًا لما جاء مؤخرًا في تقرير أصدرته مؤسسة بحثية مقرها واشنطن, فإن منظمة " فريدَم هاوس" تشير إلى أن الميل تجاه استخدام أنظمة أكثر تعقيدًا في تزايد مستمر. و لقد أظهرت دراسة حديثة في "مجلة ساينس" الأمريكية, أن المراقبة التي يطبقها النظام الصيني تسمح بأي قدر من الانتقادات سواء للأحزاب السياسية أو للمسؤولين, و لكنها على الجانب الآخر, تقمع و بكل قوة أي حركة من شأنها أن تؤدي إلى أي حراك سياسي. و هنا في بريطانيا, لقد سُجنت سيدة لمدة 5 سنوات بتهمة التحريض على الإرهاب في سوريا. و لا تقل الدول الأخرى استبدادًا عن ذلك, و لكنها مخفية عن الأعين. وتشهد 34 دولة- من مجمل 65 دولة قامت منظمة " فريدَم هاوس" بتقييمهم- تراجعًا و تدهورًا فيما يخص حرية استخدام الانترنت. و أسوأ الأمثلة على هذا الاستبداد قد تمثلت في روسيا و تركيا و أوكرانيا؛ حيث استهدف نظام يانوكوفيتش الصحفيين على الانترنت و أصحاب المدونات و المشاركات الإليكترونية و كذلك مستخدمي الوسائل الإعلامية أثناء احتجاجات "الميدان الأوروبي". و قد وصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الانترنت قائلاً أنه: " أشد خطر تواجهه المجتمعات", فيما قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتن بأن الانترنت يعتبر من أحد "عمليات وكالة الاستخبارات الأمريكية(CIA)". و في مايو, مررت الحكومة الروسية ما أطلقت عليه اسم "قانون المدونيين" و الذي يلزم أي موقع يصل عدد زواره و متابعيه يوميًا إلى 3000 أو أكثر, أن يكون مسجلا لدي منظمي الاتصالات السلكية و اللاسلكية. يهدف هذا القانون إلى منع نشر أو كتابة أية تقارير حول نظام بوتن الروسي. و لقد أصبحت أعداد القوانين الروسية التي تقمع حرية التعبير على الانترنت مهولة و مخيفة, فيما تصفها السلطات- غالبًا- بأنها درب من دروب "التطرف". و جامُ القلق منصب تجاه تقليد الدول الأخرى و تطبيقها لنفس الأساليب القمعية. و لقد أدت التسريبات التي قام بها إدوارد سنودن إلى عقد نقاش صحي حول كيفية قيام دولة ديمقراطية مثل -الولاياتالمتحدةالأمريكية و عدد من حلفائها- بمراقبة شبكة الانترنت مراقبة دقيقة. فالمراقبة في هذه الدول لا تهدف فقط إلى أن تقوم بجمع أكبر قدر من المعلومات، بل كي تعاقب أيضًا المعترضين و تكمم أفواههم. و في البحرين، تستخدام الروابط الخبيثة لتحديد واعتقال العديد من مستخدمي تويتر المجهولين الذين كانوا يعارضون الحكومة علنًا. و لقد اعتمدت كازاخستان تشريعًا مماثلا للتشريع الذي طبقته روسيا من أجل تضييق الخناق على وسائل الإعلام الرقمية التي تحمل انتقادات عديدة للسلطات. وفي بنجلاديش وسنغافورة، ركزت الحكومات على استهداف ما تنشره الوسائل الإعلامية الاجتماعية من أخبار تنقد القادة السياسيين. و بالنسبة لإيران, فقد واصلت السلطات الإيرانية تطبيق العقوبات القاسية، كما حكمت على بعض مستخدمي الانترنت بالسجن لفترات طويلة لممارستهم لبعض الأنشطة الإليكترونية. وأما عن النظام السوري- و في خضم الحرب الأهلية الدائرة الآن- فلا يزال النظام يمتلك جيشه الخاص من لصوص الكومبيوتر و المخترقين الذين قد آذوا 10،000 جهاز كمبيوتر بإرسالهم برمجيات خبيثة. إن جُلَّ ما تريده الحكومات هو أن تكون على دراية و علم بكل صغيرة و كبيرة, و هي تستخدم في مراقبتها أجهزةً قد صُنِِعت من أجل أغراض أخرى. و لا توجد حلول تكنولوجية بحتة لهذا الأمر. فالنضال من أجل حرية استخدام الانترنت, ما هو في النهاية إلا جزءًا من النضال من أجل الحرية بمفهومها الأشمل و الأوسع. و حرية الأنشطة الإليكترونية لا يمكن أن تكون بديلا عن العمل في العالم المادي، ولكن الحرية في كل من العالمين تعتمد الآن على الحرية في العالم الآخر.