أحدث ثورة أعلن عنها الإخوان هى «ثورة الغلابة» فى 9 سبتمبر الجارى، وما من داع لانتظار النتائج، فالنهاية معروفة سلفا، لا ثورة ولا يفرحون، بل مجرد زوبعة فى فنجان، والسبب بسيط جدا، والجواب ظاهر من عنوانه، فلا علاقة سوية للإخوان بالغلابة، ولا بفكرة الثورة، ولا حتى بدين الإسلام. وربما تكون هذه هى الثورة العشرين التى يعلن عنها الإخوان، ويكون نصيبها الفشل فى كل مرة، وعلى طريقة ما جرى لثورة 30 أغسطس 2014، والتى مرت دون أن يشعر بها أحد، وكانت استنساخا حرفيا لثورة 30 أغسطس 2013، والتى كانت بدورها عنوانا لأول ثورات الإخوان إياها، وبدا استخدامها للرقم 30 نوعا من المحاكاة العبثية لثورة 30 يونيو الشعبية، والتى أطاحت بحكم الإخوان فى خروج غير مسبوق إنسانيا لعشرات الملايين من الناس، فقد بدت 30 يونيو كعقدة نفسية منهكة لقيادة الإخوان، وبدلا من الاستفاقة إلى حقيقة ما جرى، واستيعاب دروس تدنى الشعبية وبؤس سياسة الإخوان، لجأوا إلى اصطناع «عقدة ذنب»، حاولوا تصديرها للمجتمع، واحتذوا تاريخ الحركة الصهيونية، وحولوا فض اعتصام «رابعة» إلى هولوكست جديدة، يرتزقون بها ويتعيشون على ذكراها، ويستخدمونها كمبرر وحافز للثورة الموعودة، واضفاء صبغة دينية مفتعلة على صدام دنيوى بالجملة، وهو ما يفسر العبارة الطريفة التى يفتتحون بها دعواتهم لثوراتهم الشبيهة بأفلام الكارتون، ومن أول تعبير «اللهم بلغنا 30 أغسطس»، وإلى «اللهم بلغنا 9 سبتمبر»، وقد أبلغهم الله تواريخهم، لكنهم لم ولن يبلغوا ثوراتهم أبدا، فالقصة كلها عبث مجانى، لا يصيب الإخوان فيها سوى المزيد من العزلة الشعبية، والانحسار إلى جغرافيا مظاهرات صغيرة تقاس بالشبر. وقد كانت للإخوان شعبية هائلة حتى وصولهم إلى الحكم، وكان حكمهم محنة ونعمة، محنة للإخوان الذين استنفدوا شعبيتهم فى زمن قياسى، ونعمة لمصر التى أفاقت سريعا من الغيبوبة، وكشفت كذب الظاهرة الإخوانية التى أوحت ببديل، بينما كانت مجرد قرين لحكم المخلوع مبارك، وقد اعتاد الإخوان على الكذب، وحولوا الكذب من عادة إلى عبادة، وصدق فيهم قول نبينا العظيم «لايكون المؤمن كذابا»، وأسقط الكذب مملكتهم وحكمهم العاجز، ويسقط ثوراتهم الهزلية، وكلما انفضحت كذبة، لجأوا إلى غيرها، وعالجوا الداء بالتى كانت هى الداء، فهم ينتحلون صفة الثورة، بينما لم تكن لهم علاقة جدية بأى ثورة، ولم يكن لهم أى دور فى الدعوة ولا فى المبادرة إلى ثورة 25 يناير 2011، ولم يشاركوا فيها إلا بعد أن لاحت تباشير نجاحها، أرادوا ركوب الموجة طمعا فى سلطان للجماعة لا للشعب، وخانوا الثورة بالصفقات السرية مع عمر سليمان نائب مبارك فى أيامه الأخيرة، ورفضوا المحاكمات الثورية لمبارك وجماعته، وخدموا الهيمنة الأمريكية والإسرائيلية على مقدرات البلد، وإلى حد وصف المعزول مرسى لشيمون بيريز بالصديق الحميم !، وواصلوا سيرة مبارك فى رعاية مصالح رأسمالية المحاسيب، وكان لابد أن يسقطوا كما سقط السلف الطالح، وأن تخلو منهم ميادين الثورة فى موجتها الأعظم يوم 30 يونيو 2013، وأن ينزلوا منازلهم الاجتماعية الطبيعية بعد الانكشاف، فالإخوان قوة ثورة مضادة بامتياز، ولا يقبل منهم ولا من أشباههم حديث عن الغلابة، فهذا حديث خرافة يا أم عمرو، وقد كان الإخوان دائما ضد الثورة والانتفاضات الاجتماعية الشعبية، ومن أول خيانتهم لانتفاضة العمال والطلبة سنة 1946، ووصفهم لعدوها اسماعيل صدقى بأنه كان «صديقا نبيا» !، وإلى مسايرتهم للسادات ضد انتفاضة 18 و 19 يناير 1977، ووصفهم لانتفاضة الفقراء بأنها «انتفاضة الحرامية والشيوعيين» فى مجلة الدعوة الناطقة باسمهم وقتها، وإلى عداوتهم الثأرية الدائمة لرمزية جمال عبدالناصر عنوان الاستقلال الوطنى والتصنيع الشامل والعدالة الاجتماعية، وهو ما يعنى ببساطة أن الإخوان يواصلون الكذب الذى أخرجهم من ملة الإيمان، وسوف يرتد عليهم كذبهم وبالا، فلم تكن لهم أبدا صفة الانتصار للغلابة، حتى وإن حاولوا انتحال الصفة، بل وسرقة تاريخ 9 سبتمبر الذى أعلنوا عن ثورتهم فيه، فالتاسع من سبتمبر عيد الفلاحين والإصلاح الزراعى، وهو واحد من عناوين ثورة عبد الناصر، وليس ثورات الإخوان المصابة بشلل رباعى. نعم، يفشل الإخوان دائما، لأنهم ليسوا أهل ثورة، بل هم أهل الصدام والتآمر على الثورات، وقد تآمروا على ثورة عبد الناصر وفشلوا، ويتآمرون الآن على الثورة المصرية المعاصرة، المتصلة فصولها من يناير إلى يونيو، وإلى الآن، وسوف يخيب مسعاهم بإذن الله وبيقظة الناس، فلم ينتعش وجودهم ولا تضخم إلا زمن حكم الثورة المضادة الذى افتتحه السادات عقب حرب أكتوبر 1973، وبلغوا ذروة انتفاخهم مع الانحطاط التاريخى طويل الأمد زمن مبارك، فقد كان الإخوان وجه العملة الآخر لزمن الانحطاط والغيبوبة، وكانت إزاحة الإخوان بعد مبارك علامة على إفاقة مصر من الغيبوبة، وعودة إلى قانون مصر المتكرر فى لحظات صعودها، فما يسقط فى مصر لا يقوم فى غيرها، وكان سقوط الإخوان فى مصر سقوطا لهم فى المنطقة كلها، وتأملوا من فضلكم التداعيات التى جرت بعد 30 يونيو مشرقا ومغربا، فقد اكتفى إخوان تونس من غنيمة السلطة بالفرار من مقاعدها، وانتهى الإخوان فى ليبيا إلى هزائم انتخابية مروعة، ولم تنفعهم مليارات قطر ولا الدعم التركى ولا رعاية المخابرات الأمريكية، وهو ما يجعل التنظيم الدولى للإخوان فى وضع المعركة الأخيرة، وهم يدركون غريزيا أنه لا مستقبل لثوراتهم الكاريكاتورية الفنجانية (!)، ويتحولون إلى جنون العنف والتخريب والحرق والتدمير انتقاما من الدولة والشعب، ويكشفون عن طبيعتهم الأصلية كعصابة إرهاب، ولا يدركون أن لعبة الإرهاب خاسرة مع الدولة المصرية القوية، تماما كما أن ألعاب الثورة الإخوانية تخسر بالثلث، وتتحول إلى مسلسل كوميدى لا يضحك أحدا.