بدعوة كريمة من المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم واختصارها «الألكسو» سافرت إلى تونس لمدة يومين لحضور افتتاح المقر الجديد للمنظمة صباح أمس الأول الثلاثاء. الافتتاح تصادف مع اليوم الذى يحتفل فيه العرب بلغتهم الأم فى اول مارس من كل عام. الألكسو إحدى المنظمات المهمة التابعة لجامعة الدول العربية وأنشئت فى عام 1970 وكان مقرها القاهرة، وعندما انتقلت الجامعة إلى تونس بعد توقيع السادات لاتفاقيات كامب ديفيد عام 1979 مع إسرائيل، وحينما عادت الجامعة مرة أخرى للقاهرة فى أوائل التسعينيات، فإن الالكسو ظلت موجودة فى تونس مع ثلاث منظمات متخصصة اخرى تكريما لتونس ودورها. أول من دعا وناضل فى إنشاء الالكسو كان المفكر والاديب الكبير طه حسين الذى ترأس الادارة الثقافية بالجامعة العربية ومعهد المخطوطات بالجامعة، التى تحولت لاحقا إلى الالكسو، وعلى رأسها ايضا كان المفكر الكبير أحمد امين والآن يديرها المثقف الكويتى عبدالله حمد محارب، وما بين طه حسين ومحارب توالى على قمة المنظمة اسماء كبيرة فى الأدب والثقافة والعلوم مثل محيى الدين صابر والمنجى بوسنينة ومحمد العزيز عاشور ومحمد الملى. وتضم الالكسو معهد البحوث والدراسات العربية، ومعهد المخطوطات العربية بالقاهرة ومكتب تنسيق التعريب فى الرباط، ومعهد الخرطوم الدولى لتعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها، والمركز العربى للتعريب والترجمة والتأليف والنشر فى دمشق. يشعر المرء بالسعادة وهو يحضر حدثا يتعلق بالبناء والحفاظ على اللغة العربية والاحتفاء بها، فى وقت تحاصرنا اخبار الارهاب والموت والدمار والفرقة والانقسام على أسس طائفية ومذهبية وعرقية وجهوية. واقع الأمة العربية نعرفه جميعا لأننا نعيشه ونتنفسه كل لحظة، وواقع اللغة العربية لا يختلف كثيرا للأسف الشديد عن واقع الأمة. المشكلة التى تعانيها اللغة العربية لا تقتصر على الصغار أو المتسربين من التعليم، بل أن غالبية المسئولين العرب غير قادرين الآن على التحدث الصحيح بلغتهم الام، بمن فيهم بعض الذين تحدثوا فى حفل افتتاح المبنى الجديد صباح الثلاثاء الماضى. نرى كل يوم تقريبا نماذج صارخة لبعض المسئولين المصريين وهم يغتالون مع سبق الاصرار والترصد اللغة العربية، ليس فقط فى قواعد النحو لكن حتى فى طريقة النطق، ولن اذكر اسماء فجميعنا نراهم ونسمعهم وبعض منهم اعرفهم شخصيا، فلا أريد المزيد من الإحراج! فى المقابل فإن البعض يسعى ويجتهد حتى لا يقع فى الاخطاء، ومن هؤلاء شريف اسماعيل رئيس الوزارء. قبل ايام قابلته فى مكتبه بصحبة بعض الكتاب ورؤساء التحرير، يومها أثرنا معه قضية اللغة العربية والاخطاء الفادحة التى يقع فيها كبار المسئولين اثناء تحدثهم. قال الرجل انه يعى خطورة الامر وانه شخصيا اتصل باستاذ للغة العربية ليسأله عن: نحن المصريون أم المصريين؟ نعود إلى حدث الافتتاح لمقر الالكسو فقد كان مستوى الحضور كبيرا ولائقا. وفى المقدمة كان الرئيس التونسى محمد الباجى قائد السبسى ووزاء عرب كثيرون منهم وزير الثقافة المصرى حلمى النمنم والتعليم الهلالى الشربينى. والنائب ووزير الخارجية الاسبق محمد العرابى وكان المدعوون من مصر هم الاكبر على الإطلاق، حيث حضرت السفيرتان مشيرة خطاب وميرفت التلاوى والفنانتان الكبيرتان سميحة ايوب ولبنى عبدالعزيز. اضافة إلى وفد اعلامى كبير ضم معظم رؤساء ومديرى تحرير الصحف وكتابا كبارا، منهم صلاح منتصر وبعض مقدمى البرامج الفضائية. السبسى طالب العرب بالاعتصام بحبل الله، وكل من تحدثوا أشادوا بدور الالكسو باعتبارها صومعة وقلعة لحماية اللغة العربية، واتفق الجميع على انه من دون الاهتمام بالتعليم وإصلاحه فى كل الوطن العربى فإن هذه اللغة سوف تتعرض لأخطار شديدة. صحيح أن الله تعهد بحفظ لغة القرآن، لكن الأخطار كبيرة بفعل العولمة والانقسام وضعف التعليم، حيث هناك 14 مليون طفل عربى لم يلتحقوا بالتعليم اساسا، وملايين اخرى تخرجت لكنها تجيد اللغات الاجنبية خاصة الانجليزية وليس لغتها الام وملايين ثالثة لا تعرف ان تكتب اسمها باللغة العربية أو حتى الهندية!