مع انشغال حكومة الانقلاب بافتتاح المتحف الكبير…الأسعار تواصل ارتفاعها فى الأسواق المحلية    فوضى فى القدس بسبب مظاهرات الحريديم ضد قانون التجنيد الإجبارى.. فيديو    وكيل تعليمية قنا: المتحف المصري تجربة فريدة تجمع بين التاريخ العريق والتكنولوجيا الحديثة    محافظ القاهرة يصدر حركة تنقلات بين رؤساء الأحياء    تعرف على طوربيد «بوسيدون» النووي سلاح يوم القيامة الروسي    دخول المساعدات الغذائية يخفف وطأة المعاناة في غزة| فيديو    صلاح ينافس على جائزة هدف شهر أكتوبر في الدوري الإنجليزي    بعد مفاوضات علي ماهر.. الاتحاد الليبي يعلن مدربه الجديد    كواليس هزيمة برشلونة أمام ريال مدريد.. الصحافة الكتالونية تتحدث    القبض على سيدة بتهمة نشر مقاطع فيديو إباحية فى الإسكندرية    السيطرة على مشاجرة بين أشخاص داخل صيدلية بالشيخ زايد    تشييع جثمان المصور ماجد هلال في بنها    المفتي خلال ندوة تجديد الخطاب الديني ووعي الشباب بجامعة طنطا يؤكد: التعارض بين العلم والدين وهم ناتج عن سوء الفهم والقراءة الخاطئة للنصوص    تفاصيل قرار جديد للرئيس عبدالفتاح السيسي    ضمن مبادرة «صحح مفاهيمك» وبالتعاون مع وزارة الشباب والرياضة.. الأوقاف تطلق (1010) قافلة دعوية بمراكز الشباب على مستوى الجمهورية    الكشف عن موعد عودة نجم الهلال    مستقبل وطن يواصل مؤتمراته الجماهيرية لدعم مرشحيه وحث المواطنين على المشاركة في انتخابات النواب (فيديو)    رسميًا خلال ساعات.. تطبيق التوقيت الشتوي 2025 في مصر وإلغاء الصيفي (رجع ساعتك)    مدمن مخدرات.. القبض علي مسجل اعتدى بالضرب علي شخص وزوجته بالعمرانية    الفنانة نيجار محمد تتهم مدير شركة بالاستيلاء على مبلغ مالى فى الشيخ زايد    تأجيل محاكمة البلوجر أم مكة بتهمة بث فيديوهات خادشة    تقرير أمريكى يكشف ملامح قوة غزة الدولية.. التفاصيل    مصر تستضيف الاجتماع الثاني للجنة رؤساء سلطات المنافسة لمنطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية    «ابن أمه ميتعاشرش».. 4 أبراج رجالهم لا يتخلون عن والدتهم رغم كبرهم    قافلة بين سينمائيات تطلق ورشة الفيلم التسجيلي الإبداعي 2026 لتأهيل جيل جديد من المخرجات    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 30-10-2025 في محافظة الأقصر    وزير الصحة يشهد إطلاق الإصدار الثالث من الأدلة الإرشادية لجراحة المسالك البولية    الطريق للسعادة.. 7 أطعمة هتعدل مزاجك مع تغيير الفصول والتوقيت الشتوي    تأجيل النسخة الثالثة من المؤتمر العالمي للسكان والصحة والتنمية البشرية 48 ساعة    عاجل الأحد المقبل بدء تسليم أراضي "بيت الوطن" للمصريين بالخارج بالقاهرة الجديدة    جيل بعد جيل على كرسى رئيس التحرير    أسعار طن الأرز الأبيض والشعير اليوم الخميس 30 أكتوبر 2025 في محافظة المنيا    أحمد موسى يتقدم ببلاغات للنائب العام ضد صفحات نشرت تصريحات مفبركة باسمه    ميرتس: علينا استغلال الإمكانات الكبيرة لعلاقاتنا مع تركيا بشكل أفضل    شوبير يكشف آخر تطورات حالة إمام عاشور ومشاركته في السوبر المحلي    المشدد من 3 إلى 15 سنة ل4 متهمين بحيازة أسلحة نارية وذخائر بشبرا الخيمة    إقالة مديرة مدرسة في بنها بعد مشادة بين معلمين    مصرع ربة منزل وإصابة 2 بطلقات نارية إثر مشاجرة بقنا    رئيس مجلس إدارة جهاز تنمية التجارة الداخلية الجديد يبدأ مهام عمله    وزير الصحة: أصدرنا حتى الآن أكثر من 115 دليلًا إرشاديًا فى مختلف التخصصات الطبية    «نفسي أشتمنا».. يسري نصرالله ينعى المصورين ماجد هلال وكيرلس صلاح    هالة صدقي تحتفل باقتراب افتتاح المتحف المصري: افرحوا يا مصريين بهذا الإنجاز العالمي (فيديو)    مدحت شلبي: محمد عبد المنعم يرفض العودة إلى الأهلي ويفضل الاستمرار في أوروبا    هل يتنافى تنظيم النسل أو تتعارض الدعوة إليه مع التوكل على الله وضمان الرزق للخلق؟    «بالزي الفرعوني وأعلام مصر» .. مدارس الإسكندرية تحتفل بافتتاح المتحف المصرى الكبير في طابور الصباح (صور)    محافظ سوهاج يوقف معدية غير مرخصة بالبلينا بعد تداول فيديو لطلاب يستخدمونها    الرئاسة تكشف تفاصيل لقاء السيسي ب رئيس مجلس الوزراء الكويتي    أسعار النفط تسجل 64.52 دولار لخام برنت و60.11 دولار للخام الأمريكى    هل يحق للزوج منع زوجته من العمل بعد الزواج؟.. أمين الفتوى يجيب    الزمالك في اختبار مهم أمام البنك الأهلي لاستعادة التوازن في الدوري المصري    طريقة عمل طاجن البطاطس بالدجاج| وصفة شهية تجمع الدفء والنكهة الشرقية    توفيق عكاشة: السادات أفشل كل محاولات إشعال الحرب في السودان    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 30-10-2025 في محافظة قنا    طابور الصباح فى الشرقية يحتفل بافتتاح المتحف المصرى الكبير.. فيديو    وزيرا خارجية اليابان وكوريا الجنوبية يتفقان على تطوير العلاقات    مواقيت الصلاة اليوم الخميس 30-10-2025 في الشرقية    طريقة استخراج جواز سفر مصري 2025.. التفاصيل كاملة    «فين اللعيبة الجامدة اللي بملايين».. تعليق مثير من مدحت شلبي بعد تعادل الأهلي مع بتروجت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مياهٌ مالِحةٌ
نشر في الشروق الجديد يوم 19 - 02 - 2016

دموعٌ لا حصر لها فى حياتنا. دموعُ السعادة والفرح. دموعُ الخوف. دموعُ الألم والألمُ أنواعٌ. ثمَة ألمٌ عاصرٌ للنفسِ، وآخرٌ قارصٌ يجتاحٌ الجسدَ اجتياحا. فى الأحوال كلها تمتلئ أعيننا بماء مالح، يُقال إن تركيبه ومحتواه يختلف باختلاف السبب وتبايُن الدوافع.
كثيرا ما بكينا صغارا، صبيانا وبناتا. نلعب ونقع ونصاب بالجروح ونسرع لنسكب دموعا غزيرة أمام أهلينا؛ خوفا مِن العقاب على الرعونة، وتوجُعا مِن خربشات الأرض وكدماتها؛ توزعها علينا بكرمٍ وجود. تلك دموعٌ طالما جَفَت سريعا، أزاحها اللهو وحلَت مَحَلَها الضحكات. ليس سرا أن المرأة أميل مِن الرجل إلى البكاء، ربما لجيشان انفعالاتها، وسهولة استثارة عواطفها، أو ربما لتفوُق غددُها الدمعية عددا وقدرة وأداء على الرجال، مع ذلك لا أذكر أن هذه الفوارق انعكست فى سنوات الطفولة. كلنا بكى، وتأوه وتقلَصت ملامحُهُ وأطلقَ لدموعه العنان.
بعض الناس يدمعون فى مواقف البهجة والانتصار. يحيلون مناسبات الاحتفال إلى لحظات مُلتبسة، تختلطُ فيها المشاعرُ ويرتبك التعبير. هناك مَن إذا حزن بكى وإذا فرح أيضا بكى، ويبقى محتوى الدموع مُختلفا مِن حالٍ إلى حال.
***
العينُ الكليلة تكابدُ أثرَ السهر فتدمع ويشتدُ بها الاحمرار، والعينُ المعتلة تفرز طوفانا مِن الدموع تدفع به عن نفسها الأذى. أذى الغبار والعادم والجسيمات الغربية التى قد تخترق حرمَها. تدفعُ أذى الكائنات الدقيقة التى قد تتطفَلُ عليها. تحاول العينُ بتركيبات كيميائية متنوعة أن تنتصر فى معاركها. تدفع بهذا الطوفان أيضا وقع الأذى النفسى عن صاحبها، ففى ذرف الدموع تفريج للكربِ والهم.
وُصِفَت دموعُ التماسيح كرمزٍ للنفاق وإظهار ما يجافى الباطن. يبكى التمساح عند التهام فريسته وكأنه يأسى لمآلها بين أسنانه التى لا منجى منها، وهو فى حقيقة الأمر يمارس ببكائه فعلا وظيفيا لا إرادى، يتعلق بحركة الفك واستجابة الغدد الدمعية لعملية المضغ، دون أن تكون لدمعاته الكبيرة علاقة بعواطف أو مشاعر وأحاسيس.
شُحُ الدمعِ وجُمود المآقى قد يصبح المُنتهى بعد طول نحيبٍ وبكاء، وربما ينتج كذلك عن صدمةٍ فادحةٍ تغلق الباب أمام رد الفعل التلقائى فى الأزمات، وتصدُ مظاهره الطبيعية. شَدَت أم كلثوم آراك عصيَ الدمع، فكانت أبيات أبى الفراس الحمدانى أبلغ وصف لمن يكابدون الهوى ويأبون الإفصاح عما بهم مِن لوعة واشتياق، ويحرمون نفوسهم الراحة ولو مِن خلال دمعاتٍ قليلة. ربما يكون غياب الدمع أيضا لخجلٍ مِن أن يراه الآخرون، فيعدونه علامة ضعفٍ وانهزام، ويغدو لصاحبه بمثابة إهانة.
دموع الحزن الممزوجة بمشاعر القهر قاسية ثقيلة. يقولون إنها لا تصلح لرجل يُفتَرضُ به أن يحتفظ بهيئته قويا، رابط الجأش فى مواجهة الملمَات والشدائد. يمتعض أغلب الناس لبكاء الرجال، لكن بن الرومى لا يرى فى الأمر بأسا، لما لا وهو القائل: لم يُخلَق الدمعُ لامرئٍ عبثا *** الله أدرى بلوعة الحَزَنَ
***
رأيت دموعا كثيرة فى حفل تأبين عالِم لُغوى قدير. مِن رفاقه مَن رثاه وسط دمعات أبت الاحتباس، ومنهم مَن استفاض صَلبا مُتماسكا فى بيان أثره وفضله، ثم لم يلبث أن أجهش بالبكاء فى نهاية كلمته، فذابت المناشف الورقية فى فيض عينيه. قلَما رأيت مِنصة تبكى، وقد وَشَت كلمات مَن عليها بأن وراء الدمع ما هو أبعد مِن ألم الفراق، ووجع الرحيل المُفاجئ، لاح الماءُ المُنسَكِب مِن المآقى شديدَ الملوحة، عصيا على التجفيف. قال أصحاب الراحل ورفاقه فى القاعة الممتلئة عن آخرها بمَجمَع اللغةِ العربيةِ، إنهم خشوا قبل وفاته أن يُتهم كآخرين بعلو الصوت، وأن يُستوف معه الحساب تحت المائدة لا فوقها وهو ما كان. قالوا بين الدمعات والنهنهات إنه برغم ما لحقه مِن ضيمٍ مات واقفا، مُكتمِلَ الهيبة، مَوفورَ الكبرياء، فثمَة مَن ينتصرون على قَتَلَتهم بموقف الموت وحده. لم يفصح أحدهم عن تفاصيل ما جرى وهوية مَن بغى، لكن الأمر كان مَعلوما والصمت عنه أبلغ تعبير عن الاحتقار. قلت فى نفسى هذا رجلٌ مات قهرا فلا أقل مِن تأبينه بما يليق مِن العَبَرات، وبقطوف مِن الحزن يغزلها مُحبوه، وما أنبلَ دمعا يفيض على صاحبِ عِلمٍ مات حرا، مُبرأ مِن حظوةٍ عِندَ الحاكمين.
أنشد رئيسُ مجمع اللغة العربية أبياتا ينعى فيها الرجل، فأدركت أن مِن الكبار مَن لا يزال ينظم القصائد والأشعار رثاء للراحلين. جاء فى قصيدته على غير ترتيب:
نشيجٌ صامتٌ وبكاءُ عينٍ * * * تجمَد دمعُها بين البُكاةِ
أَمَرُ الدمعِ ما انعقدت حصاهُ * * * فيحرقن القلوبَ مُقرَحاتِ
ظننت وأنت فى جَنْبى حفيا * * * بأنَا صُحبةٌ حتى المماتِ
إذا ما شِمْتُموا منى ابتساما * * * أَعِدُوا أنفُسا للمُبكياتِ
تبسَمت وسط مياه غامت بها عيناى وضَبَبَت الرؤية، موتُ عالمٍ راسخ الأقدام حدثٌ جللٌ ترتجُ له أفئدةُ العارفين ويمرُ به أصحابُ الجهالةِ مرورَ الكِرام. هذا بلد يموت فيه العلماءُ كمدا، فلا ترثيهم سوى قِلَة عرفت أقدارهم، ولا يدرى بهم المسئولون. هذا بلدٌ دموعه سخية وافرة لكنها كثيرا ما تضلُ الطريق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.