رئيس الوزراء يهنئ «الرئيس السيسي» بمناسبة الاحتفال بعيد العمال    الرقابة النووية تجتاز المراجعة السنوية الخارجية لشهادة الأيزو    الفريق أول محمد زكى: الاهتمام بأساليب التدريب القتالى وفقاً لأحدث النظم العسكرية    توجيهات الرئيس استراتيجية عمل الحكومة| الدولة تواجه ارتفاع الأسعار.. والمواطن يشعر بالتحسن    مصنع لمواسير حديد الزهر ب«اقتصادية القناة»    رئيس جهاز الشروق يقود حملة مكبرة ويحرر 12 محضر إشغالات    انعقاد جلسة مباحثات ثنائية بين مصر واستونيا    وزير الخارجية الفرنسي: سنطالب بفرض عقوبات جديدة ضد إيران    كاتب صحفي يبرز أهمية زيارة أمير الكويت لمصر    ريال مدريد يهاجم بايرن ميونخ ب«فينيسيوس ورودريجو وبيلينجهام»    الأهلى والزمالك وأفريقيا    الأهلي يتأهل لنهائي كأس مصر للسلة بفوز مثير على الجزيرة    حالة وحيدة تقرب محمد صلاح من الدوري السعودي    السيطر على حريق شب بإحدى «سيارات الإسعاف» المتهالكة بالقاهرة    العثور على جثة طالب ملقاة بالطريق الزراعي في المنيا    بعد أحداث الهرم.. تعليم الجيزة تطالب الشرطة بتأمين المدارس بدورية ثابتة    مصرع زوجين وإصابة طفليهما في حادث انقلاب سيارة بطريق سفاجا - قنا    3 أغاني ل حميد الشاعري ضمن أفضل 50 في القرن ال 21    بعد طرح البوستر الرسمي..التفاصيل الكاملة لفيلم«عنب» بطولة آيتن عامر    صبري فواز يقدم حفل ختام مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير.. الليلة    فيلم المتنافسون يزيح حرب أهلية من صدارة إيرادات السينما العالمية    نادين لبكي: فخورة باختياري عضو لجنة تحكيم بمهرجان كان السينمائي    «تحيا مصر» يوضح تفاصيل إطلاق القافلة الخامسة لدعم الأشقاء الفلسطينيين في غزة    بعد اعترف الشركة المصنعة له.. هل يسبب لقاح «أسترازينيكا» متلازمة جديدة لمن حصل عليه؟    قبل شم النسيم.. جمال شعبان يحذر هؤلاء من تناول الفسيخ والرنجة    بالفيديو.. خالد الجندي: هناك عرض يومي لأعمال الناس على الله    مفاجأة بأقوال عمال مصنع الفوم المحترق في مدينة بدر.. تفاصيل    بالفيديو.. خالد الجندي: القرآن الكريم لا تنتهي عجائبه ولا أنواره الساطعات على القلب    دعاء ياسين: أحمد السقا ممثل محترف وطموحاتي في التمثيل لا حدود لها    النائب العام يقرر إضافة اختصاص حماية المسنين لمكتب حماية الطفل وذوي الإعاقة    كرة سلة – قمة الأهلي والزمالك.. إعلان مواعيد نصف نهائي دوري السوبر    موقف طارق حامد من المشاركة مع ضمك أمام الأهلي    طرد السفير الألماني من جامعة بيرزيت في الضفة الغربية    كتائب القسام تفجر جرافة إسرائيلية في بيت حانون ب شمال غزة    "بتكلفة بسيطة".. أماكن رائعة للاحتفال بشم النسيم 2024 مع العائلة    90 محاميا أمريكيا يطالبون بوقف تصدير الأسلحة إلى إسرائيل    وفد سياحي ألماني يزور منطقة آثار بني حسن بالمنيا    موعد إجازة عيد العمال وشم النسيم ل القطاع الخاص 2024    جامعة طنطا تُناقش أعداد الطلاب المقبولين بالكليات النظرية    الآن داخل المملكة العربية السعودية.. سيارة شانجان (الأسعار والأنواع والمميزات)    رئيس غرفة مقدمي الرعاية الصحية: القطاع الخاص لعب دورا فعالا في أزمة كورونا    وزير الأوقاف : 17 سيدة على رأس العمل ما بين وكيل وزارة ومدير عام بالوزارة منهن 4 حاصلات على الدكتوراة    «التنمية المحلية»: فتح باب التصالح في مخالفات البناء الثلاثاء المقبل    19 منظمة حقوقية تطالب بالإفراج عن الحقوقية هدى عبد المنعم    "بحبها مش عايزة ترجعلي".. رجل يطعن زوجته أمام طفلتهما    وزير المالية: مصر قادرة على جذب المزيد من التدفقات الاستثمارية    رموه من سطح بناية..الجيش الإسرائيلي يقتل شابا فلسطينيا في الخليل    "دمرها ومش عاجبه".. حسين لبيب يوجه رسالة نارية لمجلس مرتضى منصور    الصحة: الانتهاء من مراجعة المناهج الخاصة بمدارس التمريض بعد تطويرها    استشاري طب وقائي: الصحة العالمية تشيد بإنجازات مصر في اللقاحات    إلغاء رحلات البالون الطائر بالأقصر لسوء الأحوال الجوية    مفتي الجمهورية مُهنِّئًا العمال بعيدهم: بجهودكم وسواعدكم نَبنِي بلادنا ونحقق التنمية والتقدم    وزير التموين يعلن تفاصيل طرح فرص استثمارية جديدة في التجارة الداخلية    اليوم.. محاكمة 7 متهمين باستعراض القوة والعنف بمنشأة القناطر    حزب الله يستهدف مستوطنة أفيفيم بالأسلحة المناسبة    هل ذهب الأم المتوفاة من حق بناتها فقط؟ الإفتاء تجيب    نجم الزمالك السابق: جوميز مدرب سيء.. وتبديلاته خاطئة    برج القوس.. حظك اليوم الثلاثاء 30 أبريل: يوم رائع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دموع الرجل
نشر في الأهرام اليومي يوم 25 - 02 - 2013

تهز أعماقي دموع الرجل.. يعتريني إزاءها مزيج من مشاعر الدهشة والإنكار وعدم التصديق وخلط في الأمور والأوراق, إلي جانب ما تحمله لي غالبا من رسالة صدق,
وما أحمله لها من دفقة أمومة دفينة حذرة تود لو تقهقر صاحبها الرجل لطفولته كي يسعني المضي في مسح دموعه, وطمأنينته, وأخذه باللين والرفق بعيدا عن مسرح آلامه وعيون المتطفلين.. فالإطار الشرقي الذي نشأنا في محيطه قال لنا إن الدموع والنهنهة والجيشان بالبكاء مظاهر تخص المرأة وحدها, وعلي الرجل الصبر والجلد والصمود إزاء المواقف الوجدانية المؤلمة والآلام الجسدية العاتية.. ومكثنا دهرا نستمع إلي العبارة التقليدية التي شطرتنا منذ الطفولة لفريقين, لجنسين, لفصيلين, لجبهتين متصارعتين, وهي تأنيب الولد الصغير إذا ما تأذي فبكي عيب الراجل عمره ما يعيط زي البنات, ومن هنا ارتبطت دموع الرجل بالضعف والعيب وعدم اللياقة, لتظل اللالياقة هذه معششة في أذهاننا رغم أننا رجل وامرأة أمام الشجن إنسان واحد, وأمام الحزن واحد, وأمام ظلم الاضطهاد واحد, وأمام اندلاع شرارة الأسي وسط الليل البهيم واحد, وأمام الفراق واحد, وأمام الراحة بعد انفجار العبرات من المآقي واحد, وأمام الحاجة للعزاء والسلوان واحد.. فليعتصر كلانا الشجي واللوعة, ولتوحد بيننا الدمعة الساخنة, ولترسو بنا في النهاية سفينة الأنواء معا علي شاطئ الهدوء والراحة.
عندما أجهش الدكتور خالد علم الدين القيادي في حزب النور في مؤتمره الصحفي بالبكاء تأثرا من تشويه صورته أمام الرأي العام عبر إقدام الرئاسة علي إقالته من منصبه كمستشار الرئيس لشئون البيئة بدعوي وجود تقارير رقابية حوله.. لم أجد غضاضة في بكائه, ولا أن البكاء قد انتقص من رجولته, بل لقد كانت دموعه بمثابة اندفاع الماء الذي دك ساتر بارليف الترابي ليظهر جليا أن ما وراءه مجرد سراب!! وكان لوقع صدق اندفاع الدمع مد بلغ ساحل الدكتور بسام الزرقا فأعلن علي الفور استقالته هو الآخر من منصبه بمؤسسة الرئاسة احتجاجا علي عدم الاعتذار لعلم الدين.
بسام الذي نطق مندفعا بكلمات الاستقالة التي لم يجد خاتمة لها سوي الشكر المقتضب لجموع الحاضرين.. و.. لا مظنة سوء في أن يكون بكاء علم الدين قد وقع تحت لافتة البكاء السياسي التقليدي الذي تحمله الحقيبة السياسية منذ عدة قرون خلت وكان من رواده رئيسا وزراء بريطانيا ديزرائيلي ولويد جورج اللذان كانا قادرين علي فتح الحنفية في الوقت المناسب.. وكثيرا ما كانت الدموع السياسية حقيقية, كدموع مارجريت تاتشر زعيمة حزب المحافظين السابقة المرأة الحديدية التي اعترفت في مذكراتها بأنها كانت بعد عودتها إلي منزلها تنفرد بنفسها لكي تبكي وتولول بحرقة بعد أن تكون قد قضت يوما ملتهبا كالجحيم.. ودموع مبارك حزنا علي حفيده.. ودموع السادات وهو ينعي عبدالناصر للأمة, ولكن الدموع في الكثير منها أيضا كانت جزءا من مشهد درامي مسرحي لكسب وتحقيق نقطة للأمام في المسيرة الحزبية, ومثال ذلك دموع أنتوني إيدن التي كان يذرفها بصورة يومية خلال أزمة السويس, وعندما بكي الرئيس ريتشارد نيكسون أمام الشاشات من أجل كسب تأييد وعطف الجمهور إثر فضيحة ووترجيت, وبكاء جيمي كارتر عندما أصبح رئيسا للولايات المتحدة.. و..حديثا دموع أوباما في حفل تأبين التلاميذ الصغار قتلي مذبحة مدرسة ساندي هووك الابتدائية في ولاية كونتكت, ودموع أحمدي نجاد في زيارته لضريح السيدة زينب مؤخرا بالقاهرة.. ودائما يسألون عن دموع عبدالناصر فنجدها قد سقطت تأثرا لوفاة صديقه صلاح سالم والتي كتب عنها كامل الشناوي يقول:.. عندما رأيت جمال عبدالناصر في المستشفي يبكي صديقه بدمعه وقلبه رأيت فيه الإنسان.. وعندما قرأت بيانه الذي دعا فيه الأمة إلي أن تشاركه حزنه علي صديقه وزميله تمثل أمامي وفاء الصديق وعظمة الزعيم, وعندما شاهدت الجموع تشيع جنازة صلاح سالم شعرت بأن الجماهير تصنع بعبراتها تمثالا للمعاني النبيلة التي يرمز إليها صلاح سالم.. و..من قواعد فن البكاء السياسي السرية التي وضعها مهندس حملة أحد مرشحي الرئاسة السابقين:
- يجب التأكد أولا من أن الحزب يقر بكاءك
- لابد من الحرص علي وجود شاهد علي دموعك مهما حاولت مداراتها ليتولي إبلاغ الجمهور عنها في الوقت المناسب.
- لا تحاول البكاء إلا بعد أن تنال شهرة واسعة النطاق وبالغة القوة, وتكون قد أدليت بعشرات الخطب وتجولت عبر العديد من المؤتمرات في أكثر من محافظة..
- لا تنتحب أثناء ذرفك للدموع كي تظهر قدرتك علي كبت مشاعرك في اللحظة المرجوة
- لا تحاول تكرار البكاء حتي لا يتحول الأمر كعادة لا تترك أثرا مثلما فعل جيمي كارتر من قبل.
- حاول أن يبدو البكاء أمرا عفويا حتي ولو كنت تخطط له منذ أسابيع..
- احمل دائما معك منديلا أبيض حتي ولو كانت دموعك مجرد لمعة في المآقي, فالمنديل له وقع خطير وقوة السحر عبر الوسائل المرئية, واللون الأبيض يمثل للجمهور حمامة سلام.
- تعلم كيف تبكي بشموخ وشرف وعزة نفس, دون أن يحمر أنفك فتبدو قبيحا, أو تظهر كطفل عاقبته أمه, أو متهم يتوسل, أو مليونير أشهر إفلاسه, وتذكر أن صورتك باكيا ستنشر في كافة أرجاء العالم..
وحول الدموع والبكاء في دنيا المسلم قال الرسول صلي الله عليه وسلم: عينان لا تمسهما النار, عين بكت من خشية الله, وعين باتت تحرس في سبيل الله, وهو القائل: إن الله لا يعذب بدمع العين, ولا بحزن القلب, ولكن يعذب بهذا( وأشار إلي لسانه), وهو القائل أيضا: اقرأوا القرآن وابكوا فإن لم تبكوا تباكوا.. ولقد بكي حبيب الله مرات منها يوم مات عمه فنقل علي رضي الله عنه الخبر إليه ليقول لما مات أبوطالب أخبرت النبي بموته فبكي قائلا: اذهب فغسله, وكفنه وواره غفر الله له ورحمه, وبكي يوم استشهد عمه الحمزة في أحد قال ابن مسعود: ما رأينا رسول الله باكيا, أشد من بكائه علي حمزة, فقد وضعه علي القبلة ووقف علي جنازته وانتحب حتي بلغ به الغشي وهو يقول يا عم رسول الله.. يا حمزة.. يا أسد الله.. يا حمزة.. يا فاعل الخيرات يا كاشف الكربات يا مانعا عن وجه رسول الله.. وكان النبي إذا بكت صفية يبكي, وإذا أنشجت ينشج, وبكي الرسول يوم استشهد ابن عمه جعفر, وزيد بن حارثة, وعبدالله بن رواحة في مؤتة وكان الرسول عندما أتي له نعي ابن عمه جعفر قد ذهب إلي امرأته أسماء بنت عميس فعزاها ودخلت فاطمة وهي تبكي قائلة وا عماه, فقال الرسول علي مثل جعفر فلتبك البواكي... ويوم مات ولده إبراهيم سأله عبدالرحمن بن عوف: تبكي أو لم تنه عن البكاء؟ فقال الرسول: إنما نهيت عن النوح. إنما هذه رحمة ومن لا يرحم لا يرحم, ولولا أنه أمر حق ووعد صدق, وسبيل نأتيه, وإنا آخرنا سيلحق بأولنا لحزنا عليك حزنا أشد من هذا وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون تبكي العين ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط الرب عز وجل.. ويوم زار قبر أمه آمنة بكي, وأبكي من حوله, ولما مات عثمان بن مظعون كشف الثوب عن وجهه ثم قبل ما بين عينيه ثم بكي طويلا قائلا: طوباك يا عثمان, لم تلبسك الدنيا ولم تلبسها, ويروي عبدالله بن جعفر: حين دخل الرسول علي أمي نعي إليها أبي ومسح علي رأسي ورأس أخي وعيناه تهرقان الدموع حتي تقطر لحيته قائلا: اللهم إن جعفرا قد قدم إلي أحسن الثواب, فاخلفه في ذريته بأحسن ما خلفت أحدا من عبادك في ذريته.. ولما آتاه جبريل ينعي النجاشي بكي الرسول حزنا عليه قائلا: إن أخاكم( أصحمه) اسم النجاشي مات, ويوم ماتت رقية بنت الرسول بكت عليها النساء فجعل عمر يضربهن بسوطه فقال له الرسول: دعهن يبكين, وقعد علي القبر وفاطمة إلي جنبه تبكي فجعل يمسح دمعها بثوبه رحمة لها, ويوم مرت جنازة علي الرسول وخلفها الباكيات فنهاهن عمر فقال له الرسول: دعهن يا عمر فإن النفس مصابة, والعين دامعة... وروي عن الرسول الكريم قوله: من ذرفت عيناه من خشية الله, كان له بكل قطرة من دموعه, مثل جبل( أحد) تكون في ميزانه من الأجر, وكان له بكل قطرة, عين من الجنة, علي حافتها من المدائن والقصور, ما لا عين رأت, ولا أذن سمعت, ولا خطر بقلب بشر.
ومراجع شتي من كتب التراث حول بكاء الأنبياء جاء فيها أن آدم بكي علي فراق الجنة حتي صار في خديه أمثال الأودية.. وسمي النبي نوحا لأنه ناح علي قومه خمسمائة عام وقيل عن الاسم أنه قد نحي نفسه عما كان فيه قومه من الضلالة.. وعن النبي داوود أنه كان حسن الصوت في تلاوة الزابور, وقد قسم الدهر علي أربعة أيام: يوم للقضاء بين بني إسرائيل, ويوم لمسائه, ويوم يسبح فيه في الفيافي, ويوم يخلو في داره للاجتماع بالرهبان لينوح معهم, فإذا كان يوم سياحته خرج إلي الفيافي يرفع صوته بالمزامير فيبكي, ويبكي معه الطير والشجر, ويأتي إلي البحر فتبكي معه الحيتان وأفراس البحر, فإذا أمسي رجع يغرق الفراش بدموعه فيجيء إليه ابنه سليمان فيأخذ داوود من دموعه بكفيه ليمسح بها وجهه طالبا المغفرة.. أما النبي يعقوب فقد بكي علي ابنه يوسف حتي ذهب بصره وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم.. وبكي النبي يوسف علي أبيه يعقوب حتي تأذي به أصحابه في السجن فقالوا له إما تبكي في الليل وتسكت في النهار, وإما أن تبكي النهار وتسكت في الليل, فصالحهم علي واحدة منهما, وبكي النبي شعيب حبا في الله وخشية منه حتي تأذت عيناه وذهب بصره, وبكي النبي يحيي حتي أكلت الدموع لحم خديه فقال له والده زكريا: يا بني ما يدعوك إلي هذا وقد سألت ربي أن يهبك لي لتقر بك عيني, فقال يحيي: أنت أمرتني بذلك وألست القائل: إن بين الجنة والنار لعقبة لا يجتازها إلا البكاؤون من خشية الله.. فرفع زكريا رأسه إلي السماء داعيا: اللهم إن هذا النبي وهذه دموع عينيه, وأنت أرحم الراحمين!! وروي عن أبي عبدالله أنه قال: البكاؤون خمسة: آدم ويعقوب, ويوسف, وفاطمة بنت محمد, وعلي بن الحسين... وسيد البكائين عبدالله بن عمر بن الخطاب الذي دافع عن والده بأنه لم يكن مزواجا بقصد النساء, وإنما كان يبحث عن الولد, وكان قد رأي في المنام أن رجلين يقودانه إلي النار, فاستغاث بالرسول في المنام فجاء له ملك يقوده إلي الجنة, وقد روي منامه هذا لشقيقته حفصة زوجة الرسول الذي قال أفلح عبدالله إن صدق, ومن يومها حتي وفاته لم يكف عن البكاء والصلاة, وكان مقتله علي يد الحجاج بن يوسف الذي استشعرة الغيرة من إقبال الناس علي عبدالله, فأوصي به رجلا قام بنخسه في الجامع بحربة مسمومة فمات في الحال.. وقد بكت فاطمة سبعة أيام بعد وفاة والدها رسول الله صلي الله عليه وسلم لا يهدأ لها أنين, وظلت تبكي حتي تأذي ببكائها أهل المدينة فأقام لها علي بيتا في البقيع يسمي بيت الأحزان كانت تذهب إليه للبكاء حتي وافاها الأجل بعد النبي بستة أشهر لم تر فيها مرة ضاحكة, وأما علي بن الحسين خامس البكائين فقد ظل يبكي أباه عشرين عاما وما وضع بين يديه طعام إلا بكي, وسأله مولي له: إني أخاف عليك أن تكون من الهالكين فقال: إنما أشكو حزني إلي الله, وإني ما أذكر مصرع بني فاطمة إلا خنقتني العبرات..
وتنهمر دموع البكائيات في الأدب الشعبي.. فتقول في رحيل الأب:
يا دار الحبايب.. لأسقفك بالغاب
دا الغرب سكنوا.. واحنا انطردنا بعاد
يا دار الحبايب.. لأسقفك بجريد
دا الغرب سكنوا.. واحنا انطردنا بعيد
صبحت خزين للطير.. دار الحبايب.. صبحت خزين للطير
بعدما كانت مضيفة.. بدخلتك يا كبير
أبويا راح السوق يكسينا.. راح السوق يكسينا
ليل عليه الليل ونسينا..
يا بت ابكي علي أبوكي.. ابكي علي أبوكي بحرقة..
ابكي علي أبوكي
لا ينفعك أختك ولا أخوكي
يا ولاد أبوكم راحت عليه سهوه..
لا عاد يلزمه شرب شاي ولا قهوة
بت الكبير جابولها المأذون.. بت الكبير
قالت لموا الدفاتر لما أبويا يقوم
وفي رحيل الأم يبكي الموال الشعبي..
يا أمة مدي لي إيدك.. قلبي وجعني من كتر تنهيدي
يا أمة مدي لي إيدك.. من الحيط أناديكي.. من الباب أجيكي
ماترحليش والنبي يا أمة.. دا لسه العشم فيكي
يا دخلتنا يا أمة علي اللي ما يريدونا.. ع اللي ما يريدونا
لا قالوا يا أمة مرحبا.. ولا آنستونا
يا دخلتي بيت مافيهش أمي
أطلع وأخش.. دمعتي في كمي
أمي الحبيبة.. إن قلت يا راسي.. أمي الحبيبة
تسهر معايا الليل.. إن قلت يا راسي
تسهر معايا الليل وتقاسي
يحرم عليه بيتك ولا انتش فيه.. ولا انتش فيه
يحرم عليه بيتك.. امتي تيجي يا أمه واسمع حسك فيه
يحرم عليه بيتك دا كله.. يحرم عليه دا كله
يحرم عليه العمر ما ادخل له
حطيه في جيبك مفتاح صندوقك يا أمه.. حطيه في جيبك
ليطول غيابك يا أمه يفتحه غيرك
وفي رحيل الزوج تسكب العبرات ويطول الأنين:
ماعدش الفانوس ينقاد..
من بعدك ماعدش الفانوس ينقاد
ولا الزمان اللي مضي ينعاد
ماعدش الفانوس يلمع..
من بعدك معدش الفانوس يلمع
ولا الزمان اللي مضي يرجع
اشمعني يعني رجالتنا ماتت اشمعني يعني
يعني رجالتنا بتموت.. وسابونا للعدا علينا تفوت
وليس لمثل وقع الأسي علي القلوب من رحيل الأخ في الموال:
لا بيت نروحه ولا بيت نجيه
ولا بيت يعز علينا.. نشكي همومنا فيه
طلعت له السلم.. دا أخويا.. ابن أمي وأبويا
طلعت له السلم.. نزلت دموعي قبل ما اتكلم
يا زارع الورد والشوك.. دا ما فرق الشققا غير الموت
يارب تيجي ياخويا.. قلبي عليك دايب.. يارب تيجي
دانا قلبي عليك دايب.. اكمن حسك ياخويا عننا غايب
يارب أشوفك ياخويا ترجع لنا ماشي.. يارب أشوفك
ترجع لنا ماشي.. والبنطلون علي الشراب كاسي
رايح علي فين يابو شال وردي.. رايح علي فين
رايح علي فين دا عروستك عندي
رايح علي فين يابو شال شفتشي.. رايح علي فين
رايح علي فين.. وهدومك عندي
يا قمع سكره.. أبل بيك ريقي.. ياخويا وابل بيك ريقي
وعند الزنقة أشكي لمين ضيقي؟!!!
ومن صنف الدموع: دموع في عيون وقحة, ودموع التماسيح, ودمعة فرت من عيني, وحائط المبكي, ويا عيني ع الصبر يا عيني عليه, والشهد والدموع, وحوشي دموعك يا أمال.. دي من السيجارة. طيب اوعي لحسن تحرق صوابعك, والندابة, وعيني بترف يا حبة عيني ياللي سرقتم النوم من عيني, ودموع الشموع, ودموع الندي, والدمع ع الخدين, ودموع صناعية, ورموش تراكيب, وطبيعتها نكدية, ويا سابعي يا ضبعي يا حارق مهجتي, وماكانش يومك, ودموع تمثال العذراء, ومركز العياط, ورقرقة الدمع, وبحر الدموع, والآهات والأنين, ورمش عينه اللي جرحني, ودموع نيرون, وليس منا من شق الجيوب ولطم الخدود, وفي عنية الاثنين, وعيني ع الجدع, وعينك تندب فيها رصاصة, وجسر التنهدات, و17 صندوقا علي الأكتاف, ودار المناسبات, والحامدية الشاذلية راحت ع التحرير, وقطرة بروزالين, وجنازة سعد, مارش عسكري وقرآن, وتنكيس العلم, وطلعوه علي مدفع, وصفحة الوفيات, ومن لم يمت في الأهرام راح فطيس, والكرافتة السوداء, والخمسان والأربعين, والنعش الطائر, والجنازة حارة والميت لامؤاخذة, والدمع الهتون, والحزن المقيم, وقضاء وقدر, والكفن ثلاثة أدوار, ولا بيها ولا عليها وهوب طبت ساكتة, وشليك القرافة, ويأتيكم ولو كنتم في بروج مشيدة, ولو كان يفيد البكا ويرجع المرحوم, وبكاء الرحمة, وبكاء الخوف والخشية, وبكاء المحبة والشوق, وبكاء الفرح والسرور, وبكاء الجزع من ورود الألم وعدم احتماله, وبكاء الحزن, وبكاء الخور والضعف, وبكاء النفاق في أن تدمع العين والقلب قاس, والبكاء المستعار والمستأجر, وبكاء المجاراة فالناس يبكون فيبكي, والزنان.. وبكاء الخنساء علي أخيها صخر:
دفعت بك الخطوب وأنت حي فمن ذا يدفع الخطب الجليلا
إذا قبح البكاء علي قتيل رأيت بكاءك الحسن الجميلا
ورب يوم بكيت منه فلما صرت في غيره بكيت عليه, ونحن في زمان إذا ذكرنا الموتي حييت القلوب وإذا ما ذكرنا الأحياء ماتت القلوب, ويقولون الزمان به فساد وهم فسدوا وما فسد الزمان, وإذا تفاقم الغم انقطع الدمع بدليل أنك لا تري مضروبا بالسياط ولا مقدما لضرب العنق يبكي, وإذا أحب الله عبدا ابتلاه, ولقد خلقنا الإنسان في كبد, والهم والغم يذيب القلب ويعقم العقل فلا يتولد لدمعه رأي, وما نزل بي مكروه فاستعظمته إلا ذكرت ذنوبي فاستصغرته, وإذا ما دعوت الصبر بعدك والبكاء أجاب البكاء طوعا ولم يجب الصبر, وإلي الله أشكو لا إلي الناس أنني أري الأرض تبقي والأخلاق تذهب, وتنام عيناك والمظلوم منتبه يدعو عليك وعين الله لم تنم.. والوطن.. الموت قهرا عند أقدام الوطن.. الوطن.. كيف أسميناه وطنا هذا الذي في كل قبر له جريمة وفي كل خبر فيه فجيعة.. وطن.. أي وطن هذا الذي كنا نحلم أن نموت من أجله وإذا بنا نموت علي يده.. أي وطن هذا الذي كلما انحنينا نقبل ترابه باغتنا بسكين, وها نحن جثة بعد أخري نفرش أرضه بسجاد شهداء كانت لهم قامة أحلامنا وعنفوان شموخنا.. وطن يذبحون فيه طه حسين.. وآه يا سيدي الذي جعل الليل نهارا والأرض كالمهرجان.. آه يا سيدي إزم نظارتيك ما أنت بأعمي إنما نحن جوقة العميان.. عد إلينا سيدي.. عد إلينا وانتشلنا من قبضة الطوفان.. يا أمير الحروف ها هي مصر.. آه يا مصر من بني قحطان.. تاجروا فيك.. ساوموك.. استباحوك.. تمكنوا فيك واستولوا علي الصندوق وباعوك كاذبات الأماني وصكوك الغفران.. آه يا مصر كم تعانين منهم والكبير كبير دوما يعاني.. وحين يصير العدل في وطن سفينة يركبها قرصان, ويصبح الإنسان في سريره محاصرا بالخوف والأحزان, وحين يصير الدمع في وطن أكبر من مساحة الأجفان يسقط كل شيء.. الشمس.. والنجوم.. والجبال.. والوديان.. والليل والنهار والبحار والإنسان.. والناس من صعوبة البكاء يضحكون.. وكل ما نملك أن نقوله: إنا إلي الله راجعون, وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون, ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون.. و..صبحت إيزيس من قبل آلاف السنين حزينة.. مش من غير سبب.. أكيد أكيد كان فيه سبب!!!
وإذا ما كان الدكتور خالد علم الدين قد أجهش بالبكاء من ظلم الرئاسة التي لم يلتق برئيسها وهو مستشاره علي مدي ثلاثة أشهر رغم أكثر من التماس قدمه, اللهم إلا في الصلاة من خلفه في الجامع, فقد أطل علينا بابتسامة خلقة ربنا علي عكس خلق أصحاب الذقون الأخري المكلضمة التي حفرتها التقطيبة المزمنة لزوم المكانة والتمكين.. ووالله كانت لابتسامة علم الدين نصيب!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.