لا تختانوا أنفسكم، فإعلام انتهاك خصوصية المواطن ليس إلا الامتداد الطبيعى للسلطوية التى تجرد المواطن من حقوق أصيلة حين تخضعه للرقابة والتنصت دون إجراءات قضائية عادلة وتعتدى على حرمة حياته الخاصة وفقا لأهوائها. لا تختانوا أنفسكم، فإعلام الفضائح باستباحته لكرامة المواطن ليس إلا الامتداد الطبيعى للسلطوية التى تستبيح كرامة من يعارضونها ومن يقفون بسلمية فى وجه قمعها ومن يأبى عليهم الضمير ويأبى عليهم العقل الصمت على المظالم. فسلب حرية الناس من خلال قوانين وممارسات استثنائية يستبيح كرامتهم، شأنه فى ذلك شأن تعريضهم لجرائم الاختفاء القسرى والتعذيب. وإبقاء الناس وراء الأسوار دون تمكينهم من علميات تقاضى عادلة وإخضاعهم لإجراءات شكلية يتجدد وفقا لها باستمرار حبسهم الاحتياطى الذى لم يعد له فى بلادنا سقف زمن نهائى يستبيح الكرامة أيضا، شأنه فى ذلك شأن تدنى مستويات الرعاية الصحية والنفسية للمسلوبة حريتهم والتحايل على حق ذويهم والمدافعين عنهم فى التواصل المنتظم معهم. لا تختانوا أنفسكم، فالإعلام المنتشى بالاعتداء على الحرمات الدستورية والقانونية ليس إلا الامتداد الطبيعى للسلطوية المنتشية بضحايا إهدارها للحرمات الدستورية والقانونية. تكاد تتلاشى تلك الفوارق بين إعلام يرفع رايات الفضيلة الزائفة وهو يعتدى على حرمة الحياة الخاصة، وبين سلطوية تدعى زيفا دفاعها عن المصلحة الوطنية وهى تلقى بشباب وطلاب وعمال وأساتذة جامعيين وصحفيين خلف أسوار السجون وأماكن الاحتجاز فى إهدار لحقهم الدستورى والقانونى فى التعبير الحر والسلمى عن الرأى، وفى العمل النقابى والسياسى السلمى، وفى العمل الجامعى والصحفى فى إطار من حرية تداول المعلومات والأفكار والآراء. باسم فضيلة زائفة يتلصص الإعلام ويتنصت ويخترق حرمات المنازل والمراسلات، وباسم ادعاء زائف بالدفاع عن مصلحة مصر تخترق السلطوية الحرمات وتسلب حرية بعض معارضيها دون جرم اقترفوه. لا تختانوا أنفسكم، فالإدانات الجزئية لن تذهب بكم بعيدا. فالإدانة الواجبة لاستباحة الإعلام للحياة الخاصة تفقد كل مصداقيتها حين تحضر أو تغيب وفقا للهوى. كأن تحضر الإدانة اليوم فى حالة مواطن معروف لقطاعات واسعة من الرأى العام، بينما تغيب بالأمس فى حالات مواطنين لم يعرفهم الرأى العام إلا بعد أن تلصص الإعلام على حياتهم الخاصة وعرضها على الملأ رافعا راية الفضيلة الزائفة. أو كأن يصمت العدد الأكبر من السادة «أصحاب المساحات» الصحفية والإعلامية على جرائم متكررة لاستباحة الحياة الخاصة لمواطنين، فقط لكونهم أعضاء فى «حزب سياسى» ينتج الكثير من الصخب الفارغ أيضا رافعا راية الفضيلة الزائفة. تظل إدانة استباحة الحياة الخاصة وانتهاك حرمات المنازل والمراسلات واجبة، بمعزل عن كل صنوف الأهواء والانحيازات الشخصية. لا تختانوا أنفسكم، فالمعايير المزدوجة لن تنفعكم. فإعلام الفضائح لم يطغ على مجتمعنا فى فراغ، بل هو نتاج السلطوية واستباحاتها المتكررة لكرامة المواطن. تنتفى، أخلاقيا وإنسانيا ومجتمعيا، إمكانية الفصل بين الأمرين. لا يختلف من يتلصص على بعض الناس فيما وراء أسوار حياتهم الخاصة عن من يلقى ببعضهم الآخر خلف أسوار السجون. ولا فوارق تذكر بين من يمتنعون عن إدانة استباحة الحياة الخاصة لمن لا يرضون عنهم ومن يمتنعون عن إدانة القمع وسلب الحرية والتعذيب لمن يختلفون معم فكريا وسياسيا. واستباحة حرمات الناس فى حياتهم الخاصة ليست إلا الامتداد والنتاج الطبيعى لاستباحة حقوقهم وحرياتهم فى المجال العام، بل وتعتاش هذه على تلك، والعكس بالعكس.