«الشروق» تكشف تفاصيل أخطر شائعة غذائية.. «بطاطس المبيدات» بين الحقيقة والتهويل    343 شاحنة مساعدات تغادر معبر رفح البري لإغاثة قطاع غزة    وزيرة الخارجية الفلسطينية: نحاول توجيه البوصلة الدولية حول ما دار في مؤتمر نيويورك    السفير الفرنسي بالقاهرة يزور مصابي غزة بالعريش ويشيد بشجاعة سيدة فلسطينية    شرط جديد يعطل تجديد عقد محمد السيد مع الزمالك    أبرزها الاعتداء على القيم الأسرية.. 4 اتهامات تسببت في حبس وتغريم سوزي الأردنية    محافظ الغربية يتفقد الاستعدادات الميدانية لبث افتتاح المتحف المصري الكبير    قبيل انطلاق «PHDC'25».. الصحة تكشف إنجازات تحققت في تمكين المرأة صحيًا واقتصاديًا    الإسكندرية تستعد ب22 شاشة عملاقة لنقل احتفالية افتتاح المتحف المصري الكبير    أيمن يونس يهاجم ثروت سويلم بسبب تصريحاته عن حلمي طولان    مجلس الزمالك.. لقد نفد رصيدكم!    الإمام الأكبر يخاطب المفكرين والقادة الدينيين فى مؤتمر السلام العالمى بروما    رئيس الإنتوساي يعرض الرؤية المصرية لقيادة مرحلة جديدة من العمل الرقابي الدولي    مصطفى قمر يطرح اللى كبرناه أولى أغانى ألبومه الجديد قمر 25    الشيخ خالد الجندي: الغني الحقيقي هو من يملك الرضا لا المال    ختام دورة النهج المستدام لإدارة المياه بمركز بحوث الصحراء    جامعة القاهرة تُهنئ أساتذتها الذين شملهم قرار رئيس الوزراء ب«المسؤولية الطبية»    مؤتمر إقليمى لتفعيل مبادرة تمكين بجامعة العريش    الفيلم الفلسطيني بايسانوس ينافس في مسابقة الأفلام القصيرة بالقاهرة السينمائي    شاشات بميادين كفر الشيخ لنقل حفل افتتاح المتحف المصري الكبير    ضمن فعاليات وزارة الثقافة للاحتفاء بافتتاح المتحف المصرى الكبير.. رحلة إلى مصر القديمة للأطفال بالأوبرا    سقوط نصاب الشهادات المزيفة في القاهرة بعد الإيقاع بعشرات الضحايا    رئيس الوزراء القطري: نحاول الضغط على حماس للإقرار بضرورة نزع سلاحها    الولايات المتحدة تبدأ تقليص قواتها في رومانيا    آرسنال يخطط للتجديد مع ساكا ليصبح الأعلى أجرًا في تاريخ النادي    سفير الصين: نعمل مع أكثر من 150 دولة على بناء «الحزام والطريق» بجودة عالية    انطلاق الاختبارات التمهيدية للمرشحين من الخارج في المسابقة العالمية للقرآن الكريم    خلال ساعات.. موعد إلغاء التوقيت الصيفي 2025 في مصر وتأخير الساعة 60 دقيقة    مصرع شخص وإصابة اثنين آخرين إثر انقلاب سيارة بطريق الخارجة - أسيوط    راديو كاتالونيا: بيدري تعرض للإصابة خلال الكلاسيكو.. وهذه مدة غيابه    مصر تشارك في اجتماع مصايد الأسماك والاستزراع المائي بالاتحاد الإفريقي في أديس أبابا    محافظ الدقهلية يتابع من مركز سيطرة الشبكة الوطنية محاكاة التعامل مع مياه الأمطار وحركة المواقف ومستوى النظافة    هل يدخل فيلم فيها إيه يعنى بطولة ماجد الكدوانى نادى المائة مليون؟    محافظ شمال سيناء يستقبل عدداً من مواطني إزالات ميناء العريش    انتشال جثة شاب لقى مصرعه غرقا في بحر شبين بالمحلة    رئيس جامعة حلوان: الاستثمار في التكنولوجيا استثمار بالمستقبل    «الخطيب أخي وأوفينا بما وعدنا به».. خالد مرتجي يزف بشرى لجماهير الأهلي    «نرعاك في مصر» خدم أكثر من 24 ألف مريض من 97 دولةً بإيرادات تجاوزت 405 ملايين دولار    بعد تداول فيديو.. القبض على متهم بسرقة هاتف فتاة في الإسماعيلية    كليتى العلوم وتكنولوجيا التعليم ببنى سويف يحصلان على جائزة مصر للتميز الحكومى    مصرع طفلة صدمتها سيارة أثناء عودتها من الحضانة فى البدرشين    حالة الطقس في الكويت.. أجواء حارة ورياح شمالية غربية    10 مشروبات طبيعية لعلاج الأرق وصعوبة النوم    حبس المتهم بقتل شاب بسبب معاكسة الفتيات ببنها في القليوبية    "أتوبيس الفن الجميل" يصطحب الأطفال في جولة تثقيفية داخل متحف جاير أندرسون    بينها «طبق الإخلاص» و«حلوى صانع السلام» مزينة بالذهب.. ماذا تناول ترامب في كوريا الجنوبية؟    دون إبداء أسباب.. السودان يطرد مسؤولين من برنامج الأغذية العالمي    هل فلوس الزوجة ملكها وحدها؟ دار الإفتاء تحسم الجدل حول الذمة المالية بين الزوجين    أسقفا الكنيسة الأنجليكانية يزوران قبرص لتعزيز التعاون الإنساني والحوار بين الكنائس    سفيرة قبرص لدى مصر: المتحف الكبير.. الهرم العظيم الجديد لعصرنا الحديث    "ADI Finance" توقع اتفاقية تمويل إسلامي بين البنك الأهلي لدعم أنشطة التأجير والتمويل العقاري    كيف تُعلّمين طفلك التعبير عن مشاعره بالكلمات؟    الدكتور أحمد نعينع يكتفى بكلمتين للرد على أزمة الخطأين    وزير الشئون النيابية: الرئيس السيسي أولى ملف مكافحة الفساد أولوية قصوى    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 29-10-2025 في محافظة الأقصر    الخارجية تشكر الرئيس السيسى على ضم شهدائها للمستفيدين من صندوق تكريم الشهداء    رعم الفوز على النصر.. مدرب اتحاد جدة: الحكم لم يوفق في إدارة اللقاء    الكشف عن حكام مباريات الجولة ال 11 بدوري المحترفين المصري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«نوبل» لهذه السيدة
نشر في الشروق الجديد يوم 25 - 09 - 2015

الموقف الأخلاقى للسيدة أنجيلا ميركل من قضية اللاجئين يحرجنا ويشعرنا بالخجل. كان ذلك انطباعا أوليا حصلته من متابعة تصريحاتها حول الموضوع، خصوصا أثناء المؤتمر الصحفى الذى عقدته ببرلين فى 31 أغسطس الماضى ودعت فيه إلى اتساع الصدور لاستقبال اللاجئين، وقالت بوضوح إن حكومتها لن تتسامح مع الذين يشككون فى كرامتهم، كما حذرت من المشاركة فى المظاهرات المعادية التى دعا إليها البعض انطلاقا من خلفياتهم العنصرية واليمينية المتطرفة. وهو كلام تبنى لغة مختلفة مغايرة لما اعتدنا أن نسمعه من السياسيين الأوروبيين فى المواقف التى يكون العرب طرفا فيها.
ازداد تقديرى للسيدة حين قرأت ما كتبه الأستاذ غسان شربل رئيس تحرير جريدة الحياة اللندنية (نشر فى 21/9) عن لقاءاته فى برلين مع بعض اللاجئين السوريين. وفى تقديمه لحواراته التى أجراها معهم ذكر أن ألمانيا استقبلت فى السنة الحالية نحو نصف مليون طالب لجوء. وتتوقع أن يقترب العدد من المليون مع نهاية السنة وذكر أن تكاليف استقبال اللاجئين وتأمين اقامتهم هذه السنة يتوقع أن تصل إلى أكثر من ستة بلايين يورور. كما تتوقع الحكومة تكاليف مشابهة فى السنة المقبلة إذ واضح أن الحكومة الألمانية سارعت إلى تقديم تسهيلات خصوصا للسوريين ووفرت حكومات الولايات 40 ألف مكان إضافى للإقامة. وساهمت الدولة فى تطويق المتخوفين والمتعصبين بالقول ان ألمانيا تحتاج إلى شباب وعائلات وأيدٍ عاملة وان موجة اللجوء لن تؤدى إلى تقليص الخدمات أو زيادة الضرائب.
أضاف الأستاذ شربل أن السلطات الألمانية تسارع إلى توفير مقر إقامة مؤقت للواصلين. فتستقبلهم فى مدارس أو صالات رياضية أو ابنية اخلتها الشرطة. بعدها تستمع محكمة إلى طالب اللجوء وتسأله عن هويته وظروف مغادرته. تسأل السوريين حاليا عما تعرضوا له فى بلدانهم وما إذا كانوا شاهدوا جرائم وعمليات تعذيب. فى الإقامة المؤقتة يحصل اللاجئ على طعام مجانى ورعاية طبية و140 يورو شهريا. ولدى حصوله على الإقامة يعامل وكأنه ألمانى عاطل عن العمل. تأمين صحى وبدل لاستئجار بيت وفق مواصفات معينة ومصروف شهرى قدره 360 يورو لمن هو فوق الرابعة والعشرين ولا يقل المبلغ عن مئتين لكل طفل. تعطى الملاجئ فرصة تعلم اللغة الألمانية على نفقة الدولة، فضلا عن بطاقة مخفضة لاستخدام وسائل المواصلات.
مما ذكره أيضا أن سياسة ميركل ومواقفها جعلت الحكومة والأحزاب السياسية ووسائل الإعلام تتعامل برحابة مع اللاجئين الواصلين. لذلك تنادى أطباء من برلين لمساعدتهم واستجاب لندائهم ألف طبيب وبينهم عدد من أصل عربى. من ثم فإنها نجحت فى إيجاد جو ايجابى حاصر المتخوفين من تسلل إرهابيين بين اللاجئين أو من «موجة إسلامية» ستغير مع الوقت وجه ألمانيا بفعل عمليات لم الشمل. وخلص من ذلك إلى أنها اتخذت قرارا تاريخيا كبيرا هو أن تكون ألمانيا فى السنوات المقبلة متعددة وملونة.
أيا كانت الدوافع الأخرى التى دفعت السيدة ميركل إلى تبنى ذلك الموقف، فالذى لا شك فيه أن العامل الأخلاقى والإنسانى كان له حضوره بينها. ولم يكن الأمر مقصورا على النبل الأخلاقى فحسب، لان إعلان ذلك الموقف والالتزام به احتاج إلى شجاعة من نوع خاص. ذلك ان السيدة تنتمى إلى حزب (الديمقراطى المسيحى) له قواعده التى لم يرحب بعضها بسياستها، ثم ان لها معارضين وخصوما يتصيدون، فضلا عن ان موقفها كان بمثابة سباحة ضد التيار فى أوروبا التى تنافست بعض دولها فى إقامة الحواجز والأسوار لوقف تدفق اللاجئين، فضلا عن انها تعج بالحركات اليمينية التى تثير المخاوف مما أسمته «أسلمة أوروبا»، إلى جانب التحذير مما يوصف بأنه إرهاب إسلامى.
هذه الرحابة التى أشاعتها المستشارة الألمانية فى أوساط بلادها كان لها صداها فى أنحاء أوروبا، سواء على صعيد النخبة السياسية أو فى أوساط الرأى العام بصورة أو أخرى. لذلك أزعم أنه إذا ما حدث بعض التعقل والتصرف المسئول من جانب الدول الأوروبية فى موضوع اللاجئين، فسيظل لهذه السيدة ابنة القس اللوثرى نصيب فيه. ولا غرو والأمر كذلك ان تسلط عليها الأضواء بقوة فى المرحلة الراهنة، رغم انها ظلت تصنف باعتبارها أقوى امرأة فى العالم طوال السنوات من 2011 وحتى 2015، طبقا لإعلان مجلة فوربس الاقتصادية ذات الشهرة العالمية فى ذلك المجال.
حين أعلنت موقفها إزاء تسونامى اللاجئين، نشرت مجلة «سليت» الفرنسية مقالا للكاتب دانيال فرنيه مترجم الحياة الشخصية للإعلام تساءل فيه عما إذا كانت السيدة ميركل لغزا يصعب اختراقه أم شخصية معقدة. وذكر انها حين اطلقت العنان لقيمها المرجعية والتزامها الأخلاقى فانها تصرفت بمسئولية، واحترمت القواعد المعمول بها، ولم تسمح لأى منهما ان يعتدى على حدود الاخر.
الشجاعة التى أبدتها السيدة البالغة من العمر واحدا وستين عاما، ظلت سمة لها لازمتها طيلة حياتها، منذ عملت نادلة فى حانة أثناء دراستها للفيزياء فى جامعة كارل ماركس، وحين شقت طريقها فى مجال الدراسات الفيزيائية والسياسية، واحتفظت فى زواجها الثانى بلقب زوجها الأول وزميلها فى الدراسة خلال السبعينيات اولريش ميركل. وتدرجت فى مراتب الحزب ومواقع السلطة حتى وصلت إلى ما وصلت إليه الآن.
حين يقارن المرء الصورة التى رسمها رئيس تحرير جريدة الحياة بتلك التى تناقلتها مواقع التواصل الاجتماعى للاجئين السوريين وهم مكدسون فى بعض أقسام شرطة المدن الساحلية، ينتابه شعور بالحزن والخزى، إلا أننى تداركت الأمر بعد ذلك وقلت ان السلطات لم تخصهم بتلك المعاملة المهينة، لانها عاملتهم بمثل ما تعامل مواطنيها. وهو ما نبهنى إلى أن المشكلة ليست فى المقارنة بين أوضاع اللاجئين عندهم عندنا، ولكنها أعمق من ذلك بكثير، لان المقارنة الصحيحة تكون بين موقع الإنسان واحترام كرامته فى الحالتين.
لا يكفى ان تظل السيدة ميركل أقوى امرأة فى العالم، لان موقفها فى قضية اللاجئين يرشحها بجدارة لنيل جائزة نوبل للسلام. ليتهم يعطونها ما تستحق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.