• أوروبا صدرت 12 ألف مقاتل للانضمام إلى «داعش».. 25% منهم من المسلمين الجدد قال أمين المؤتمر الإسلامى الأوروبى الدكتور محمد بشارى، إن موجات العنف التى يشهدها العالمان العربى والإسلامى هى ظاهرة غير عادية وغير طبيعية للجسم الإسلامى المبنى على أسس الوسطية والاعتدال، مضيفا أنه منذ انقطاع الوحى من السماء بدأ اضطراب المفاهيم لدى المسلمين، فى قضايا الدولة، والحكم، والتوريث، والخلافة. وأوضح بشارى فى حواره ل«الشروق» على هامش مشاركته فى مؤتمر دار الإفتاء، الذى عقد على مدى يومى 17 و18 أغسطس الحالى أن جزءا من تراثنا الفكرى اختزل الإسلام فى القتال، وطالب بنزع القدسية عن التراث الفقهى، و«غربلة» الأفكار والمناهج التى تؤسس لظاهرة العنف والتكفير، داعيا إلى «إعلان حالة الطوارئ على الأفكار الغريبة الداخلة على ملة الإسلام». وإلى نص الحوار: ما تعليقك على تزايد ظاهرة المنضمين للجماعات الإرهابية فى الشرق الأوسط من الشباب الغربى؟ أريد أن أعطى صورة عامة عن الأمر، فمنذ انقطاع الوحى من السماء بدأ اضطراب المفاهيم لدى المسلمين، فى قضايا الدولة والحكم والتوريث والخلافة، وانقسموا ما بين من يرى أن تكون طريقة الحكم من خلال آل البيت، أو جماهيريا، أو بالانتخاب، أو بأهل الحل والعقد، وكلها قضايا اجتهادية، لكن مع الأسف أدت هذه الاختلافات إلى جانب قصور الفهم إلى نشأة تيارات ومدارس فكرية أصلت فيما بعد لظاهرة العنف، كالخوارج. وأذكر أنه فى القرن الثامن الهجرى، كان إغلاق باب الاجتهاد فرصة للجماعات والتيارات التى تعمل من أجل قلب المفاهيم عند عامة المسلمين، وللأسف تعطل العقل الإسلامى، وعندما يتعطل العقل من الطبيعى أن تتحرك الأيادى دون وعى، وتنتشر مواجات العنف. وما تحليلك لانتشار ظاهرة العنف وظهور التيارات المتطرفة بشكل كبير فى العالم العربى؟ موجات العنف التى يشهدها العالمان العربى والإسلامى ظاهرة غيرعادية وغير طبيعية للجسم الإسلامى المبنى على أسس الوسطية والاعتدال، لكننا نعيش أوضاعا «شاذة»، ولمواجهتها لابد أولا أن نحارب الأفكار المؤسسة لهذه التوجهات، وبالتالى علينا أن نعترف بأن فى تراثنا الفكرى توجهات تؤسس للمنهج القتالى، وتختزل مفهوم الجهاد فى القتال، بل يتمد الأمر إلى اختزال الإسلام نفسه فى هذا الفكر، بعد أن أصبح مع الأسف الشديد مختطفا من جماعات العنف والقتال المتأسلمة. وما هى الحلول المقترحة لمواجهة ذلك؟ علينا أولا نزع القدسية عن هذا التراث، والاعتراف بأن التراث الفقهى هو إرث بشرى، فقد يكون الفهم الموجود للنصوص صائبا وحقيقيا، لكن لكل حديث زمان أو مكان، كما يجب علينا «غربلة» الأفكار والمناهج التى تؤسس لظاهرة العنف والتكفير، والتى تدفع بالبعض إلى القتل والتفجير. وما هو دور «الحرب الفكرية فى هذا الأمر؟ يقول الدكتور عبدالله بن بيه، نائب رئيس مجلس حكماء المسلمين، إن مواجهة جماعة متطرفة بالعنف تقضى عليها، لكنها لن تنهى فكرها، وبالتالى فالمواجهة الرئيسية هنا هى مواجهة فكرية، فلابد أن يكون هذا هو سلاحنا ضد التطرف، ويجب تناول الأفكار بشكلها الواقعى والمعاصر، كمفهوم الجهاد بمعناه الحقيقى، وتعريفات التكفير والولاء والبراء، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وكذلك مفهوم الحسبة، وهى أغلب الأفكار التى تغذى جماعات العنف والقتال، ويقع فيها ويسىء فهمها الكثير من شبابنا. ولماذا أصبحت أوروبا مركزا لتصدير مقاتلى داعش وغيره من التنظيمات المتطرفة؟ علينا أن نعلم أن أوروبا صدرت 12 ألف مقاتل للقتال فى صفوف «داعش» حتى الآن، 25 % منهم من المسلمين الجدد، الذين أصبح منهم للأسف من «يُشَرْعِن» لنفسه قتل الآخرين وحرق الأطفال والنساء، لذا أدعو إلى إعلان حالة الطوارئ على الأفكار الغريبة الداخلة على ملة الإسلام، والتى تسببت فيما وصلنا إليه الآن. وهل تتحمل المؤسسات الإسلامية فى أوروبا مسئولية تجاه انضمام الشباب لجماعات العنف والتكفير؟ هناك قصور من بعض الهيئات الإسلامية، وتحزب من البعض الآخر، إلى جانب دخول بعض الجاليات المسلمة ضمن الحركات والصراعات السياسية، وتشابكاتها فى الصراعات مع الدول، وهذا يؤدى إلى وضع غير طبيعى. من يتحمل مسئولية تصحيح المفاهيم ومنع استقطاب الشباب للتطرف؟ العلماء.. لكنهم يحتاجون إلى مساحة كبيرة للتفكير بحرية، والبدء فى تأصيل المفاهيم الشرعية من خلال المقاصد الإسلامية، فأصل الأحكام أن تدور مع مصالح الناس، أينما وجدت مصالح الناس فثم شرع الله، والمسلم فى هذه الدنيا مخلوق لإعمار الأرض وإقامة روح التسامح، لذا علينا ألا ننشغل فى الجزئيات الفقهية التى تؤدى إلى الكراهية والاعتداء على الآخر. وأؤكد أن من يتولى ذلك هم الفقهاء والعلماء، ولضمان عملهم لابد من إعطائهم مساحة من الحرية كما ذكرت، وكذلك تقديرهم ماديا، فنحن فى عصر يحصل فيه المغنى على مليون دولار، بينما رواتب العلماء فى الحضيض. وماذا عن الاجتهاد؟ لابد أن نؤسس لثقافة الاجتهاد الجماعى، وأن يعمل الفقهاء والعلماء تحت مظلة مؤسسة، ولا يجتهدون فرديا، لذا أدعو الأزهر المرجعية الكبرى للإسلام السنى فى العالم أن يجمع هؤلاء العلماء، لإيصال رسالة الدين الوسطية بشكل أكبر. كما أن مسألة الاجتهاد الجماعى فكرة ليست وليدة، وإنما هى حاجة ملحة منذ أمد بعيد، وما نرغب فى التركيز عليه هو التوسع من هذه الناحية وتطبيقها فى سائر الدول الإسلامية ومجتمع الأقليات، تجنبا للخلافات التى تظهر على الساحة من الحين للآخر، ومنعا لتشرذم الأمة وتفرقها. وماذا عن الأقليات المسلمة فى الغرب.. كيف نحميها من التطرف؟ من خلال فقه الأقليات المسلمة، وهو فقه نوعى يراعى ارتباط الحكم الشرعى بظروف الجماعة وبالمكان الذى تعيش فيه، وهو ليس مرادفا لفقه الترخص أو فقه الضرورة، وهو جزء من الفقه العام للأمة الإسلامية، وكذلك لابد من إحياء الاجتهاد، حيث إن تحصيل شروطه فريضة شرعية وضرورة من ضروريات المجتمع المسلم، ففكرة التعامل مع فقه الأقليات تحتاج إلى تعامل خاص يلزمه التسلح بالعلم ونور البصيرة، والفهم الصحيح لمقاصد الشريعة. وأشير هنا إلى أن الأقليات المسلمة أصبحت تمثل عنصرا له أهمية بالغة فى نسيج المجتمعات الإنسانية، ورافدا من روافد الدعوة الإسلامية التى تعلق عليها الأمال، ولا يمكن حل مشكلات هذه الأقليات الاسلامية إلا بنظرة جديدة واجتهاد جديد، ولا يقوم على هذا الاجتهاد إلا من هو كفء له، حيث لا يمكن أن يتجاسر الجاهلون على شرح كتاب الله، بدعوى أن الاجتهاد فريضة على الأمة وضرورة للمجتمع، فتصدر أمثال هؤلاء وكذلك المسلمون الجدد لشرح ما يجهلونه من الإسلام يؤدى إلى إفساد الشريعة، فتكون كلمة حق أريد بها باطل. وبماذا توصى لحل هذه الإشكالية؟ اقترح إنشاء مجموعة من الباحثين مدونة تضم كل الأصول والقواعد والمقاصد التى يمكن الاستفادة منها فى هذا الاتجاه، وكذلك جميع الأدلة الجزئية والفتاوى والأحوال ذات الصلة بهذا الموضوع، كما أدعو لدعم المؤسسات الإسلامية ذات الصلة بالبحث العلمى الخاص بالأقيات المسلمة، والعمل على تشابك باحثيها وتوحيد جهودها. وفى السياق نفسه، أطالب الأقليات المسلمة بالاحتكام إلى شرع الله، بعيدا عن التحزب السياسى أو المذهبى أو الطائفى أو القومى، والتنسيق مع المجامع الفقهية المعتمدة بالعالم الإسلامى، مع التوسع فى دراسة فقه المواطنة وتعايش المسلمين فى مجتمع الأقليات، حتى يحصلوا على حقوقهم الاقتصادية والسياسية والتعليمية وغيرها، فى ظل قيم الاحترام المتبادل والتعايش والسلام.